أميركا: مقترحات لمراقبة صناديق الثروة السيادية

هل يمكن لصناديق الثروة السيادية أن تنقذ العالم.. أم أن التريليونات المستثمرة قنبلة موقوتة؟

ثروات الصناديق السيادية تثير جدلا سياسيا كبيرا في الغرب (خدمة كي آر تي)
TT

في الولايات المتحدة، تطفو كل يوم الحلول الخاصة بمشكلة صناديق الثروة السيادية التي يفوق عددها نحو 20 إلى 30 في الوقت الحالي.

ومن المقترحات: منع صناديق الثروة السيادية من حقوق التصويت في استثماراتها. وهناك اقتراح آخر وهو: التركيز على الاستثناء من ضرائب الولايات المتحدة التي تتلقاها صناديق الثروة السيادية، وربما ربطها بمدى الالتزام بمجموعة من اللوائح. وهناك اقتراح ثالث يؤدي بصورة ملحوظة إلى تقوية مراجعات الأمن القومي لهذه الاستثمارات.

وللأوربيين توجههم الأكثر تعاونا. فقد وزعت المفوضية الأوروبية مجموعة من اللوائح التطوعية لهذه الصناديق حتى تتم مراجعتها من قبل الدول الأعضاء. وتتحرك حكومة الولايات المتحدة أيضا في هذا الاتجاه: ففي الشهر المنصرم، أعلنت وزارة المالية اتفاقية مع أبو ظبي وسنغافورة بشأن مبادئ استثمار الثروات السيادية. ومن الصعب الاستمرار في ذلك أو أن يكون ذلك عمليا. وقد أصبحت المشكلة ضرورة ملحة بسبب الاستثمارات العديدة الجديدة الضخمة من قبل صناديق الثروة السيادية. ففي مثل هذا الوقت من العام الماضي، لم يكن معظم الجمهور قد سمع عن هذه الصناديق. وهي الآن في كل مكان، تستثمر في شركات أميركية كبرى مثل مجموعة بلاكستون وسيتي غروب وميريل لينش ومورغان ستانلي وناسداك. وقد وصلت استثمارات صناديق الثروة السيادية إلى 48.5 مليار دولار في عام 2007، حسبما أفادت مؤسسة «ديلوجك». وقد كان ذلك زيادة بمعدل 165 في المائة عن العام السابق، حيث تم استثمار 19.2 مليار دولار. وحتى 17 مارس (آذار) من عام 2008 أعلنت صناديق الاستثمار السيادية عن استثمارات عالمية بنحو 24.4 مليار دولار. وتعتبر الولايات المتحدة هدفا أوليا لهذه الصناديق. فمنذ بداية عام 2007 وحتى 17 مارس من العام الحالي، أعلنت «ديلوجك» أن صناديق الثروة السيادية قد أعلنت عن 43.1 مليار دولار كاستثمارات في الولايات المتحدة. وسوف يستمر هذا الاتجاه مع استمرار الولايات المتحدة في تغذية الدولار بالقوة في الخارج لشراء البترول والصنادل الرخيصة. وتقدر أصول صناديق الثروة السيادية نحو 2 تريليون دولار. وتعتقد ميريل لينش ومورغان ستانلي أن هذه الصناديق سوف يكون لديها أصول تزيد قيمتها على 10 تريليونات دولار عام 2015.

والمشكلة تتعلق بمصدر هذه الاستثمارات. فلدول الجزائر والصين والكويت وليبيا وقطر والسعودية والإمارات، سبعة صناديق من الصناديق العشرة الكبرى. وتعتبر إحدى هذه الدول المنافس الاقتصادي الشرس للولايات المتحدة. ويخشى العديد من أن هذه الدول لا تقوم بالاستثمار في هذه الصناديق لأسباب اقتصادية. وبدلا من ذلك، فإن هناك مخاوف بشأن القيام بهذه الصفقات بناء على اعتبارات سياسية. أو قد تكون هذه الاستثمارات من أجل أهداف اقتصادية جيدة ـ ولكن ما يحدث معاكس للمنافسة في الغرب. وفي الولايات المتحدة، فإن القلق يتعلق بشأن استخدام صناديق الثروة السيادية لمصالح ملكيتها في الولايات المتحدة والشركات الأوروبية لتحويل رأس المال أو التقنية المتقدمة إلى بلادها لتكون قادرة على المنافسة بصورة أفضل. ودائما ما يكون هناك تحذير مصاحب للاستثمارات الأجنبية الضخمة في الولايات المتحدة. وعلينا أن نتذكر ما حدث في الثمانينيات من القرن الماضي، عندما ظننا أن اليابانيين سوف يستولون على الولايات المتحدة! وقد ظهر أن ذلك مجرد مخاوف لا أساس لها. وبالعودة إلى الثمانينيات، فإن معظم ما اشتراه اليابانيون كان أصولا دورية وعبارة عن أصول تذكارية مثل بيبل بيتش ومركز روكفيلر. ولكن يبدو أن صناديق الثروة السيادية لها استراتيجية مختلفة.

والاختلاف الأول هو طبيعة استثمارها. فاستثمار الصناديق العادي خلال العام الماضي كان في حدود 5 إلى 20 في المائة في الشركات العامة. وفي العديد من هذه الاستثمارات، لم يكن للأوراق المالية التي تم شراؤها من قبل هذه الصناديق قوة تصويت. وبمعنى آخر، فإن صناديق الثروة السيادية تقوم بعمل استثمارات سلبية كبيرة وغير حاكمة. والاختلاف الثاني هو أن صناديق الثروة السيادية تتجنب الأصول التذكارية التي اشتراها اليابانيون، وبدلا من ذلك، يبدو أن الصناديق تقوم باستثمارات أكثر ذكاء وأطول مدى في الأصول المالية والأصول غير المحجوز عليها. وليس من قبيل المصادفة أنه منذ عام 2007، كانت المؤسسات المالية أهدافا مفضلة لصناديق الثروة السيادية، حيث بلغت قيمتها نحو 60.7 مليار دولار من الاستثمار. والفئتان التاليتان من الأهداف المفضلة لا تقترب من هذا الرقم: فقد بلغت قيمة الاستثمارات العقارية نحو 4.7 مليار دولار واستثمارات تجارة التجزئة نحو 2.3 مليار دولار. وبالاستثمار في الأصول المالية مثل بنوك الاستثمار، تستفيد صناديق الثروة السيادية من تأزم السوق لتصوغ العلاقات مع مديري البنوك. ومن شأن ذلك أن يزيد من مصادر الاستثمار للصندوق. كما يوفر ذلك فرصة أكبر للصناديق لتوجيه الاستثمار إلى بلادها لتغذية الصناعة والتجارة المحلية. وهناك سبب آخر للتركيز على الشركات المالية، فالعديد من صناديق الثروة السيادية هذه قد تم إنشاؤه حديثا. والأفراد الذين يديرون صناديق الثروة السيادية يتسمون بالذكاء ولكنهم لا يتمتعون بالخبرة في مجال الاستثمار العالمي. ويعتبر شراء مصالح في هذه الشركات المالية طريقة لمديري صناديق الثروة السيادية للوصول إلى المستثمرين القياديين وإلى مهارتهم في الاستثمار. وعلى المدى القصير، لم تكن العوائد جيدة. وقد تفادى «بنك سيتيك» للأوراق المالية وهو بنك استثماري كبير تديره الحكومة الصينية، أزمة خلال الشهر الماضي. وكان عليه استثمار مليار دولار في «بير ستيرنز» بموجب اتفاقية سابقة، وبذلك كان قادرا على إلغاء استثماره وتوفير مليار دولار للحكومة. ولم تكن الصين أكثر حظا في رأس المال الخاص، حيث فقد استثمارها البالغ 3 مليارات دولار في بلاكستون نصف قيمته. ويبدو أن هذه الصناديق تتجه نحو الاستثمار طويل الأجل ولن تعرف النتائج الحقيقية إلا بعد سنوات. ثمة شيء واحد مؤكد وهو أن صناديق الثروة السيادية لن تتوقف على الاستثمار المؤسسات المالية، فالتريليونات الموجودة في هذه الصناديق ستتجه في نهاية المطاف لصناعات واستثمارات أخرى.

فقد أعلنت شركة «تشينالكو» للألمونيوم المملوكة للدولة و«ألكوا» شراء حصة تبلغ 14 مليار دولار في شركة التعدين الأسترالية «ريو تينتو». ومن الملاحظ أنه في الوقت الذي تتجه فيه صناديق الثروة السيادية لصناعات جديدة أنها تكتسب مهارات استثمارية جديدة ومن المنتظر أن تتطور استثماراتها من مجرد حصص في الشركات إلى الحصول على حصص حاكمة. وحتى لا نذهب بعيدا في تحديد المشاكل ذات الصلة بصناديق الثروة السيادية، من الضروري الإشارة إلى فوائد هذه الصناديق، فالاستثمار في رأس المال هو شيء جيد. هذا الاستثمار ليس ضروريا ولكنه يمكن أن يوفر مصدرا قويا لرأس المال لمساعدة الاقتصاد على النمو. الأمر هو خلق توازن بين الرغبة في رأس المال هذا والحاجة إلى نظام يضبطه. وكما قال سلطان أحمد بن سليم، رئيس دبي العالمية، في تعليق لهيئة الإذاعة البريطانية على ميثاق الشرف الأوروبي المقترح: «نحن مستثمرون ولنا الحرية في الذهاب للمكان الذي نريد. إذا كنت ستمارس ضغوط علينا، فسنذهب لمكان آخر».

هذا يعيدنا للحل الأوروبي. فقد تداولت المفوضية مسودة ميثاق طوعي وصندوق النقد الدولي تولى مهمة جعل هذا الميثاق دوليا. هذه المواثيق لم يتم الإعلان عنها بعد، ولكن الفكرة العامة هو أن صناديق الثروة السيادية سوف توافق طوعا على نصوصها.

من أولى المشاكل المرتبطة بأي ميثاق شرف من هذا النوع هو التعريف. ما هي صناديق الثروة السيادية؟ هي تشمل الشركات المملوكة للدولة مثل تشينالكو؟ ثمة مشكلة أخرى هي أن هذا الميثاق طوعي. فالحكومات التي سيتطلب منها العمل وفق هذا الميثاق تعلن علانية بالفعل أنها ملتزمة بالأعراف الدولية ولكنها تتجاهلها على نحو فاضح في ممارستها. بالنظر للاتفاقية على المبادئ بين وزارة الخزانة وسنغافورة وأبو ظبي والتي لا تتجاوز نصف صفحة. تم الموافقة على ثلاثة مبادئ إيجابية ولكن في صياغة هذه المبادئ استخدمت كلمات لا تفيد النصح بدلا من الإلزام أو تقرير ما سوف يحدث. كل هذا يطرح تساؤلا: ما هي المشكلة الحقيقية التي يسعى أي ميثاق أو حل مقترح للتعامل معها؟ من المفترض هو أنه يهدف تقييم هذه النشاط الاستثماري الأجنبي ورقابته وتنفيذ الإجراءات الوقائية لضمان عدم وقوع أية ممارسات غير ملائمة.

وفي هذه الحالة، فإن أي ميثاق شرف، سواء كان طوعا أو غير ذلك، قد لا يكون ضروريا، على الأقل في الولايات المتحدة، حيث توجد العناصر الأساسية لهذا النظام. النقطة الأساسية هي موافقة من لجنة الاستثمارات الأجنبية في الولايات المتحدة التي يترأسها وزير الخزانة، وهذه اللجنة من المنوط بها تنفيذ تعديل اكسون- فلوريو ((Exon-Florio. هذا التشريع يمنح الرئيس السلطة لمنع أو تعليق أي دمج أو تملك أو استحواذ يقوم به كيان أجنبي إذا ما كان هناك «دليل جدير بالثقة» على هذا يهدد بتعكير الأمن القومي أصدر هذا التشريع عام 1988 بعد محاولة فوجيتسو، شركة إلكترونيات يابانية، تملك فيرتشايلد سيميكونداكتور عام 1987. مرة أخرى عاد هذا في الثمانينيات عندما كانت هناك مخاوف من اليابان. فزع الكونجرس من هذا التهديد وقام بإصدار تعديل اكسون- فلوريو. وفي يوليو (تموز) من عام 2007 مرر الكونغرس قانون الأمن القومي لإصلاح الاستثمارات الأجنبية وتعزيز الشفافية. * خدمة «نيويورك تايمز»