هيئة النزاهة: 250 مليار دولار خسارة العراق بسبب الفساد.. ورئاسة الوزراء البؤرة الأخطر

قالت إن وزارة الدفاع احتلت المرتبة الأولى.. ومسؤولون عراقيون يتهمون «الاحتلال»

رجلا أمن عراقيان أثناء تأدية واجبهما في نقطة تفتيش ببغداد أمس (رويترز)
TT

أكدت هيئة النزاهة في العراق، أن خسائر العراق خلال السنوات الخمس الأخيرة التي أعقبت سقوط النظام السابق، نتيجة الفساد الإداري والمالي بلغت 250 بليون دولار، ووصفت هذه النتيجة بـ«الكارثية» بين بلدان العالم، واعتبرت الهيئة الأمانة العامة لمجلس الوزراء «البؤرة الأخطر للفساد، فيما احتلت وزارة الدفاع مرتبة متقدمة بين الوزارات في هذا المجال.

وتعتبر مشكلة الفساد المالي والاداري الذي تعاني منه مؤسسات عديدة في الدولة العراقية الجديدة عائقا كبيرا وتحديا صعبا يقف امام ازدهار وتقدم البلاد، بعد خمس سنوات على الغزو الذي قادته الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا في مارس (آذار) عام 2003.

ومما يعزز هذا الاعتقاد تواتر التقارير والأبحاث الدولية مؤخرا التي تضع العراق في مرتبة دنيا في سلم الدول المبتلية بهذه الآفة الخطيرة، ففي جداول الفساد في العالم التي تصدرها منظمة الشفافية العالمية يظهر العراق في المرتبة ما قبل الأخيرة للدول، كما أنه يقف في المرتبة الثانية في سلم الدول الفاشلة، بعد السودان، والمتضمن تقييم الأوضاع في 177 دولة وفق معايير ومؤشرات اقتصادية واجتماعية وأمنية وغيرها.

ويقول القاضي موسى فرج نائب رئيس هيئة النزاهة، إن خسارة العراق خلال السنوات التي أعقبت سقوط النظام بـ 250 بليون دولار. وأوضح فرج أنه يتم تهريب النفط في العراق بمعدل 300 الى 500 الف برميل يوميا، محتسبا سعر البرميل الواحد بالحد الادنى لتبلغ خسائر العراق بالحد الادنى 7.2 بليون دولار سنويا، وقال لقد خسر العراق خلال الخمس سنوات الماضية 45 بليون دولار من تهريب النفط الخام كحد أدنى، و45 بليون دولار أخرى من المشتقات النفطية، بالاضافة الى حرق 600 مليون متر مكعب من الغاز سنوياً من دون الاستفادة منها، واستغلال 441 بئراً نفطية من أصل 1041 بئراً منتجة، وطاقة تصديرية تقدر بـ4.2 مليون برميل لم يستغل منها أقل من النصف.

وكشف فرج لـ«الشرق الاوسط» أن «الأمانة العامة لمجلس الوزراء تحولت الى أخطر بؤرة للفساد في العراق، بعد إلغاء لجنة الشؤون الاقتصادية التي كان يرأسها نائب رئيس الوزراء، وتم تحويل صلاحياتها الى الأمانة العامة، فمعظم العقود الضخمة تبرم من خلالها، مثل شراء طائرات ببلايين الدولارات، او التعاقد لمشاريع اخرى، وعدم السماح لهيئة النزاهة، بالاطلاع او التحقيق»، معتبراً تشكيل مجلس لمكافحة الفساد سرقة لمهمات هيئة النزاهة وصلاحياتها.

واشار فرج الى ان «الكونغرس الاميركي تحدث عن هدر 50 مليار دولار سنويا في العراق، واذا ما عرفنا ان الميزانية هي 48 فنقول لكل من يسأل ان ايرادات العراق ليست كلها في الموازنة المعلنة لأن باقي ايرادات العراق تسرق من دون رقيب».

وقال فرج إن «وزارة الدفاع احتلت المرتبة المتقدمة في الفساد المالي والإداري، خصوصاً في عقود التسليح بما فيها شراء طائرات عمودية قديمة غير صالحة للعمل وبنادق قديمة مصبوغة رفضتها اللجنة العراقية وفرضتها الشركة الاميركية المصنعة، واستيراد آليات من دول أوروبا الشرقية بنوعيات رديئة». وأضاف أن «المشكلة الاكبر هي سعي الوزارة الى الاحتماء وفرض السرية على ملفاتها والامتناع عن تسليمها الى هيئة النزاهة، وقد تم منع محققي الهيئة من الحصول على نسخ الملفات ذات العلاقة بالفساد او تصوير اي وثائق تخص الوزارة رغم وجود أوامر قضائية بالاطلاع عليها».

وأكد فرج ان قطاع الكهرباء يشهد فسادا خاصا، ايضا حيث كان «انتاج العراق من الكهرباء 4 آلاف ميغاواط، وقدرت الحاجة الاضافية بـ2800 ميغاواط أخرى»، وأضاف أنه «تم انفاق 17 بليون دولار على هذا القطاع خلال السنوات الخمس الماضية، منها 10 بلايين من موازنات السنوات الاربع الماضية و4 بلايين من أموال العراق المجمدة في الخارج و3 بلايين منحة أميركية». واضاف فرج «ان في وزارة الداخلية تم اكتشاف 50 ألف راتب وهمي كلفت الحكومة 5 بلايين دولار سنوياً، اضافة الى عمليات فساد اخرى عدا الأسلحة والأعتدة. كما فقدت الوزارة 19 ألف قطعة سلاح».

من جهته، أكد رئيس لجنة النزاهة في البرلمان العراقي الشيخ صباح الساعدي، ان «الفساد المالي والاداري يتغذى عن طريق الفساد السياسي  الذي يعتبر من اخطر انواع الفساد وهو القائم في العراق حاليا ويتم التستر عليه من قبل جهات سياسية عدة».

وقال الساعدي في تصريح لـ«الشرق الاوسط» إن «هناك ممارسات تقوم بها بعض القوى السياسية تساهم بدرجة كبيرة بتفشي الفساد في مفاصل عدة، كالدفاع عن المفسدين الموجودين في وزارات ومنع محاسبتهم ومساءلتهم وتقديم الاشخاص غير الاكفاء لتسلم مناصب في الدولة مما يؤدي الى افساد المؤسسة الحكومية، وهذا كله نابع من السياسة التي انتهجها الاحتلال في بداية الامر».

غير ان عددا من المسؤولين العراقيين المختصين اجمعوا على أن «سياسة الاحتلال» كانت وراء تفشي تلك الظاهرة بما هي عليه الان، لاسيما وان «بعض رموز هذا الاحتلال متورط بعمليات الفساد تلك مثل قادة عسكريين في الجيش الاميركي وبعض المستشارين الاجانب الذين عملوا في الوزارات العراقية».

وأكد عبد الباسط تركي رئيس ديوان الرقابة المالية، على ان «احتلال العراق وتخريب بناه التحتية ساعد على تفشي مشكلة الفساد بصورة اكبر مما كان عليه الوضع في مطلع تسعينيات القرن الماضي بعد فرض الحصار الاقتصادي على العراق الذي أدى الى ظهور بواكير الفساد المالي والاداري في البلاد».

وقال تركي في تصريح لـ«الشرق الاوسط» إن «هناك تبديد أموال بنسبة 8.8 مليار دولار خلال فترة سلطة الائتلاف التي ترأسها الحاكم المدني للعراق بول بريمر الذي عطل الدور التحقيقي للديوان بسبب ما فرضه من إجراءات، وهو ما شجع وفتح الباب واسعا امام المفسدين سواء كانوا عراقيين أم أجانب متعاقدين مع الولايات المتحدة الاميركية»، مؤكدا ان سلطة الائتلاف مسؤولة عن جزء كبير من الفساد المالي والاداري الذي حصل في البلاد خلال الخمس سنوات الماضية، واضاف «ان بريمر عمد الى تعطيل عمل ديوان الرقابة المالية لكي يجعل الاحتلال الغطاء المباشر لتدمير مؤسسات الدولة وقواعد العمل فيها، كما انه استولى على الاموال العراقية المخصصة لإعادة الاعمار والبناء وقام بصرفها من دون اي استراتيجية واضحة».

ولفت المسؤول العراقي الى ان بلاده تحتاج الى كشف دقيق للاموال التي تم صرفها بمختلف القطاعات خلال الخمس سنوات الماضية، ومحاسبة المفسدين الذين تجاوزوا على المال العام بغض النظر عن الجهات والدول التي ينتمون اليها.

من جهته، أكد مهدي الحافظ، وزير التخطيط السابق ورئيس المعهد العراقي للتنمية، ان اكبر دليل على تورط بعض «رموز الاحتلال» بقضايا فساد «ما تكشف من قضايا في إطار المناقشة الساخنة بالكونغرس الأميركي بشأن سوء الإدارة المالية للموارد العراقية، وذلك في أعقاب التقرير الذي قدمه مكتب المحاسبة الأميركي والذي أشار فيه إلى تنامي الفائض في موازنة الدولة العراقية وتخلفها عن الاستخدام  الفعال والرشيد لمواردها».

وقال الحافظ في تصريح لـ«الشرق الاوسط» «وفقا للتقرير الثالث للهيئة الدولية للرقابة والمشورة  (IAMB ) حول العراق، فان إدارة العقود مع الوكالات الأميركية تشوبها بعض الاشكالات بعد ان اورد التقرير انتقادات من شركة (Ernst & Young) المكلفة بالتدقيق المالي بشأن إدارة العقود مع الوكالات الأميركية، مما دعاها للطلب بضرورة مراجعة تلك العقود من قبل ديوان الرقابة المالية».

ورجح الحافظ أن يكون «الصراع السياسي على السلطة في العراق سببا آخر لتفشي الفساد في مفاصل ومؤسسات الدولة»، قائلا «ان احتدام الصراع السياسي على صعيد السلطة ترتب عليه ظهور مراكز حكومية عديدة ومتناقضة المصالح ومدعومة بفصائل مسلحة، لا تتورع عن حماية بعض المتورطين بالفساد العام». وأضاف «ان هذا الصراع أوجد المناخ الملائم لاتساع ظاهرة الفساد في ظروف عدم الاستقرار السياسي والاحتراب الطائفي وتدهور الحالة الأمنية وغياب الحماية المطلوبة للأجهزة والهيئات والمسؤولين المكلفين بمكافحة الفساد»، مؤكدا أن مكافحة الفساد لا يمكن بلوغها ما لم يجر العمل جديا باحترام وفرض آليات فعالة ومدعومة من الدولة والرأي العام.

وأوضح الحافظ ان «الأجواء في العراق حاليا ساخنة وزاخرة بالتحذيرات من تفاقم ظاهرة الفساد بجميع أشكاله (المالي والإداري والسياسي)، حتى بات القول مقبولا بأن الحرب على الفساد لا تقل أهمية عن الحرب على الإرهاب في البلاد».

وكان نائب رئيس الوزراء برهم صالح قد أكد أن حكومته «تسعى جاهدة ووضعت في أولوياتها مسألة معالجة هذه الظاهرة الخطيرة بعد ان تمكنت من تشخيص مسببات الفساد والتي تتمثل بعدم رسوخ دولة المؤسسات وسلطة القانون وغياب الشفافية والتحدي الامني وكذلك المحاصصة والمحسوبية الحزبية، ولا بد من الاقرار بوجود المشكلة من اجل معالجتها وان تجاهلها أمر خطير»، موضحا أن «الفساد والارهاب يتغذى احدهما على الآخر».

وأضاف صالح ان مشكلة الفساد ليست مشكلة عراقية خاصة، وانما هي مشكلة عالمية تعاني منها العديد من دول العالم، وهي في طور التحول من نظام استبدادي الى نظام ديمقراطي حر، مشيرا الى ان العراق ابتلى من الفساد المتأتي من الخارج على حد تعبيره.

وأوضح نائب رئيس الحكومة أنه رغم الجهود التي تبذل في سياق مكافحة الفساد من قبل حكومته من خلال دعمها للهيئات الرقابية ومبادرتها في تشكيل المجلس المشترك لمكافحة الفساد، إلا ان عمليات الفساد لاتزال مستمرة في الكثير من مفاصل الدولة، مؤكدا أنه لا يمكن مكافحة الفساد واستئصاله إلا عبر مبادرة وطنية وإرادة عراقية، فضلا عن دعم المجتمع الدولي الذي لا بد ان يكون بعيدا عن التدخل والتجاوز على السيادة العراقية. وكشف صالح عن مقترح حكومي لإقرار قانون وطني خاص لمكافحة الفساد ومحاربة تبييض الاموال والإسراع بإنجاز القوانين الجديدة الخاصة بتحجيم الفساد والقضاء عليه من قبل هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية وتأمين الوظيفة العامة للمواطنين وإنجاز قانون الخدمة العام وترسيخ مبدأ الشفافية في عمل الوزارات والبدء بتطبيق مشروع الحكومة الالكترونية وتشجيع المواطنين للمشاركة في مكافحة الفساد وتخصيص مكافأة للمخبرين وإعادة النظر في عقود التجهيز كإجراءات وقائية من هذه الظاهرة.

وبحسب بعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، فقد خطت الحكومة العراقية خطواتها الأولى نحو المصادقة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، كما ستتولى الحكومة العراقية، بوصفها إحدى الدول المتوقع مصادقتها على الاتفاقية في المستقبل، اتخاذ مبادرات تنسجم والمبادئ والالتزامات المنصوص عليها بموجب الاتفاقية وستكون قادرة على السعي للحصول على مساعدات الأمم المتحدة لبرامجها ونشاطاتها المعنية بمكافحة الفساد.