البحث عن كنز قديم في سوق أم درمان الكبير

قرص معدني للملك جورج السادس.. ووسام عسكري للحرب العالمية

TT

يقول الناس انه يمكنك العثور على اي شيء في سوق ام درمان الكبير اذا كان لديك الوقت والقدرة على تحمل ساعات من التسوق في الهواء الطلق في درجات حرارة تتجاوز 47 درجة مئوية. وفي نفس الوقت، تمتلئ ارفف متجر محجوب محمود باكوام من ساعات لا تعمل وعملات معدنية وأطباق فضية. ويقول في تقرير لرويترز وهو يحمل قرصا معدنيا قديما «انظر لهذه. انها قديمة جدا. انه ملكك». في الواقع هو ليس ملكي بل للملك جورج السادس الذي حكم بريطانيا ايام جدي وقد طبعت صورته على وسام عسكري يرجع للحرب العالمية الثانية يمكن ان احصل عليه مقابل 100 جنيه سوداني (50 دولارا) طلبها البائع.

انه مغر ولكن الثمن ليس رخيصا وهذا ليس ما ابحث عنه بالضبط. فانا ابحث عن كنز تاريخي حقيقي عالي القيمة في الشوارع الضيقة والأركان المظلمة لسوق ام درمان الكبيرة.

ويقول صديقى الذي نشأ في العاصمة الخرطوم على بعد نصف ساعة بالسيارة من ام درمان «انه مثل شبكة العنكبوت. ثمة منطقة اعرف دروبها ولكن اذا ابتعدت كثيرا حتى انا يمكن ان اضل طريقي».

ويقول معمر سائق حافلة صغيرة «يمكن ان تعثر على اي شيء حتى من الحقبة البريطانية» في اشارة للحكم البريطاني المتقطع للبلاد لمدة 66 عاما. ويضيف «يمكنك ان تعثر على مسدس هنا او سيف هناك ولكن ينبغي ان تبحث».

بدأت في متجر محمود الصغير وهو ضمن مجموعة من متاجر الخردة «القديمة» التي تتاجر في تذكارات سودانية الى جانب مخلفات الحكم البريطاني.

وكانت ام درمان في وقت ما قاعدة الثورة المهدية التي هزمت القائد العسكري البريطاني الميجر جنرال تشارلز جوردون في عام 1885 وهي المكان الوحيد الذي تذهب اليه اذا كنت تبحث عن بنادق قديمة او قطع اثرية اخرى.

ومتاجر ام درمان القديمة اخر مكان لاكتشاف تذكارات امبراطورية وهي كنوز قديمة مخفية لم يعثر عليها هواة جمع كل ما هو قديم بعد.

ويقول محمود «نبيع معظم القطع لاجانب يعملون هنا مع الامم المتحدة او رجال اعمال يبحثون عن تذكارات يعودون بها لديارهم. عدد السائحين قليل جدا».

ويمثل اد دالزيل من اسكتلندا الذي يهوى جمع الطوابع هذا الاستثناء فبعد ان امضى عشرين دقيقة في متجر اخر قريب اكتشف اربعة طوابع للحقبة الامبراطورية طبعت عليها احرف عربية بعد الاستقلال بفترة وجيزة وهو اكتشاف نادر في اول يوم. ويقول «لا توجد الكثير من الطوابع السودانية المثيرة للاهتمام ولكن تلك بعضها والسعر الذي دفعته هو السعر الذي تستحقه. انه واع لعمله». حان الوقت للتوغل اكثر وبعد ان سرت في الشارع الضيق المظلم وصلت لمتجر محمد حسين الذي يعرض ادوات مائدة مطلية بالفضة وأباريق قهوة وأطباقا لتقديم الاطعمة طبع على معظمها احرف ترمز الى السكك الحديدية للحكومة السودانية التي شيدت ابان الحكم البريطاني ولا زالت تقطع اراضي اكبر دولة افريقية مساحة. انها قطع تثير اهتمام هواة جمع تذكارات السكك الحديدية ولكنها ليست ما ابحث عنه. وعلى بعد شارعين عثرت على متجر لا يحمل اسما تتكدس فيه البضاعة من الارضية الى السقف دون اي محاولها للعرض او الانتقاء.

ووجدت بطاقات بريدية تعلو صورا باهتة لاجهزة راديو وتليفونات قديمة فسالته «هل لديك بضائع اقدم من حقبة الجنرال جوردون.. من عهد المهدي..» وبعد خمس دقائق انتشر الخبر واكتظ المكان بتجار يحملون سيوفا قديمة. احد هذه السيوف تحطم مقبضه وطبع على نصله اسم حداد في برمنجهام قال عنه البائع «عمره اكثر من الف عام». فسألته عن ثمنه فأجابني بعد ان تفحصني مليا بنظراته (1600 دولار اميركي).

وأخيراً عثرت على مرادي في متجر يحمل اسم (سيرينديبيتي). واكتشفت بعد بحث قصير دام دقائق قليلة جهاز حاكي (جراموفون) صالحا للعمل وساعة سكك حديدية بريطانية وخوذة سوداء والكثير من القطع الواعدة.

ليتني املك ولو قليلا من المعلومات التاريخية التي تساعدني على التفرقة بين القطع القيمة والتي لا قيمة لها. فدونت بعض الملاحظات وعدت الى منزلي لاقوم ببعض الابحاث. وقبل ان افعل اشتريت بعض الاشياء البسيطة، وعاء فرنسي باللونين الابيض والازرق يبدو مناسبا لأرفف مكتبتي وحاملا فضيا لبطاقة زائري السكك الحديدية السودانية ينبغي ان تثير اهتمام المشترين على موقع إي باي على شبكة الانترنت ومجموعة من القصص البوليسية اخذت من مكتبة المركز البريطاني في الخرطوم في الخمسينات. وربما لا تساوي هذه القصص 40 جنيها سودانيا دفعتها للبائع وهو نصف السعر الذي طلبه ولكني ضمنت على الاقل قراءة ممتعة.