مهندسة سعودية تصف التوجه لإنشاء ركن «شعبي» داخل القصور بأنه «إساءة للتراث»

شبهته بشرب «الكابتشينو» في فنجان قهوة عربية

TT

يدهش الزائر إلى إحدى الفيلات والقصور السعودية من رؤية غرفة طينية أو جلسة شعبية تكسر حدة التصاميم العصرية، وهي موضة وجدت إقبالا كبيرا من قِبل السعوديين خلال العشر سنوات الأخيرة، إلا أن مهندسة سعودية هاجمت هذا التوجه، ووصفته بأنه «إساءة للتراث»، وانتقدت أصحابه والقائمين عليه، مطالبة باحترام قيم وأصالة الحيز التراثي، والبعد عن المزاوجة الفجة بين الروح الشعبية والتصاميم العصرية. وقالت المهندسة ريم البعيجان، عضو الهيئة السعودية للمهندسين، إن موضة تخصيص الزوايا والجلسات الشعبية داخل البيوت والقصور العصرية رغم انتشارها إلا أنها تعبر عن أسلوب تلقيطي لا جمال فيه، وأفصحت عن كون عمليات الدمج بين الجوانب التراثية والحديثة «المودرن» في التصاميم العمرانية في مجملها هي محاولات غير مدروسة بشكل جيد، مما يجعلها ترى أنها تتسبب في تشويه وتهميش جماليات التراث وإحداث تنافر واضح داخل المباني.

وتابعت البعيجان حديثها لـ«الشرق الأوسط»، قائلة إن «من يستخدم التراث كعنصر جمالي في ركن من أركان الغرفة هو كمن يشرب الكابتشينو في فنجان القهوة العربية»، موضحة أن في ذلك وضعاً للغرض في غير محله الخاص، وأردفت أنها تفضل استخدام عناصر التراث متكاملة مع بعضها البعض في مكان واحد، كعمل غرفة منفصلة في إحدى غرف المنزل بحيث تحمل القالب التراثي كاملا وبعيدا عن التصادم المباشر مع توجهات التصاميم العصرية، بحسب قولها.

فيما بررت البعيجان توجه الكثير من ملاك الفيلات والقصور السعودية في الفترة الأخيرة إلى المزاوجة بين التصاميم العصرية والتراثية داخل مبانيهم بالحنين إلى التراث والرغبة في تقليد الآخرين، إلا أنها عادت لتؤكد على ضرورة أن يكون لمهندس الديكور رأي مهني واضح دون انصياع لمطالب الملاك، وهو ما تراه أمراً مهماً يحافظ على قيمة وروح العمران السعودي، الذي قالت إن الكثير منه أصبح شبيهاً بالثوب المرقع بقصاصات مختلفة من القماش.

من جهته، أوضح الدكتور غازي العباسي، رئيس مركز البحوث في كلية العمارة والتخطيط بجامعة الملك سعود وعضو مجلس إدارة الجمعية السعودية لعلوم العمران، في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط»، أن الحكم على الدمج بين عناصر التراث والتصاميم الحديثة داخل الفيلات والقصور السعودية يعود لمستوى إتقان وجودة عمل المهندس، ومدى قدرته على إضافة بعد جمالي للمبنى، إلى جانب دقة النسب المعمارية واختيار المقاسات والحجم والموقع بشكل جيد. وتابع الدكتور العباسي قائلا إن مهنية المهندس وتمكنه من توظيف العناصر هي المحتكم الرئيس لمدى نجاح أو فشل المزاوجة بين التصاميم العصرية والتراثية في آن واحد، بعيداً عن الرفض القطعي لهذا التوجه، موضحاً أن مسألة المزاوجة ما بين الحديث والقديم في التصميم تبنتها مجموعة مختلفة من المدارس، حيث أكد على أن جميع هذه المدارس تعتبر ناجحة متى ما وظفت بصورة ورؤية جيدة من قِبل المهندس.من جانب آخر، لا تبدو إشكالية احترام التراث أمراً مهماً لدى غالبية ملاك المباني في السعودية الذين فضلوا التوجه لهذا الأسلوب العمراني، حيث يفيد العاملين في قطاع التصميم الداخلي أن حجم الإقبال على تخصيص ركن شعبي داخل المجالس والصالات التابعة للفيلات والقصور في تزايد كبير، فيما يتراوح متوسط تكلفة بناء وتصميم المجلس التراثي الذي يأتي بحجم 4×5 أمتار في حدود 40 ألف ريال (حوالي 11 ألف دولار أميركي)، شاملة المواد والبناء. في حين توجد مجموعة مختلفة من الجلسات التراثية، ما بين الجلسة الحجازية والجلسة المعمولة بطراز إسلامي والجلسة النجدية، حيث تجد الأخيرة الإقبال الكبير، فيما يفضل البعض تصميم وبناء المجلس النجدي بالطين، والذي يتم بناء أرضيته أولا ومن ثم يُعمل بالسقف فتحة للمدخنة بالطوب الأحمر التي تقوم بطرد أدخنة نار الحطب، ويوضع حولها تشكيلة من أباريق ودلال الغرش الملونة (أخضر وأحمر وأزرق)، فيما يغطى السقف بالجريد (سعف النخل)، ومن ثم تحاط الجلسة بالمساند القطنية العتيقة والسجاد الذي يغلب عليه اللون الأحمر.