ارتفاع حالات الطلاق في العراق بسبب العنف الطائفي

مسلحون يفرضونها.. وفتاوى تمنع زواج الشيعة بالسنة

الباحثة الاجتماعية فردوس محمد المعينة من قبل المحكمة تحاول التوفيق بين زوجين («الشرق الأوسط»)
TT

لسنوات ظل مكتب المأذون الشرعي السيد رافد الحسيني يستقبل أزواجا من الشباب للحصول على شهادة الزواج. لكن الآن راح رجل الدين يستقبل الكثيرين منهم في مكتبه وهم يطلبون الطلاق. يقول الحسيني: «أنا أحاول إقناعهم بالعدول عن ذلك». لكن قسوة الزمن الحالي وموجات القتل والتهجير عدا الضغوط الطائفية مزقت العائلات. كذلك أدى ارتفاع البطالة الكبير كعامل للتوتر محولا ما كان أمرا قريبا لأن يكون محظورا إلى حقيقة شائعة من الحياة العراقية. وتضاعفت حالات الطلاق التي تمنح سنويا على يد المحاكم العراقية منذ غزو القوات التي قادتها الولايات المتحدة للعراق عام 2003، حيث أنها ارتفعت من 20649 حالة في عام 2003 إلى 41536 في عام 2007 حسب الأرقام التي قدمها المجلس القضائي الأعلى الذي يشرف على محاكم العراق. لكن الرقم الحقيقي ربما أعلى من ذلك.

ويستند قانون الأحوال الشخصية في العراق إلى الشريعة التي لا تشجع على الطلاق إلا في حالات استثنائية مثل المرض أو إلحاق الأذى أو العقم. ويحول القضاة الأزواج إلى الباحثين الاجتماعيين الذين يحاولون مساعدتهم كي يحلوا خلافاتهم.

وتمكنت انعام سلمان من لم شمل أسر كثيرة في محكمة الشؤون المدنية بغرب بغداد لمدة 26 عاما. فهي توبخ وتلاطف وتناكد وتتعاطف مع الأزواج المثيرين للألم الذين يحضرون إلى مكتبها. وقالت انعام: «إذا وجدنا أي فرصة تمكننا من تحقيق مصالحة بين الزوجين فإننا ندفع بقوة تجاه ذلك. نحن نخبرهما عادة عن حاجتنا لجلسة أخرى وبين الجلسات ندعوهما. نحن نستخدم كل ما لدينا من مال على البطاقات الهاتفية».

وحينما يصل الباحثون الاجتماعيون إلى طريق مسدود يبادرون إلى إرسال تقاريرهم إلى القاضي عبد الله الآلوسي الذي يستخدم مكتبه الصغير المملوء بالموظفين والقضاة كقاعة محكمة. وقال الآلوسي: «استنادا إلى تجربتي كقاض خلال ربع قرن، أظن أن السبب الأساسي وراء حالات الطلاق هو غياب الدين. فحسب الإسلام الطلاق هو آخر خيار. لكن الامر ما عاد كذلك».

وخلال حكم صدام حسين بدأت السلوكيات المحافظة حول الزواج والطلاق تخف، إذ شهدت السنوات الأولى من حكمه جذبا كبيرا للنساء للعمل مع منحهن ضمانات لحقوقهن في التعليم. والآن أصبحت النساء هن المبادرات في أكثر من نصف طلبات الطلاق على الرغم من عدم قبول المجتمع بذلك، وعادة يوجه اللوم للزوجة على الانفصال.

وكان للعنف وقسوة الظروف الاقتصادية التي سادت خلال السنوات الأخيرة أثر في زيادة نسبة حالات الطلاق. فالكثير من النساء ترعرعن في مجتمع يتوقع من الزوج أن يوفر متطلبات العيش للزوجة. لكن حينما بدأت العصابات الطائفية تستهدف الرجال المنتمين لطائفة أخرى أجبرت النساء على العمل بينما بقي الرجال في البيوت.

ففي عز أعمال القتل الطائفية التي جرت عام 2006 أصدر رجال الدين المتطرفون فتاوى تمنع زواج الشيعة بالسنة، وتم فرضه في مناطق معينة بواسطة السلاح. وعندما أخبر أحد الشباب الآلوسي انه يريد تطليق زوجته لأنها من طائفة مختلفة، أفرغ القاضي القاعة. وعندما انعزل الزوجان عن آبائهما انفجرا بالبكاء واعترفا بأنهما ما يزالان يحبان بعضهما. ولكن الرجل قال انه سيقتل اذا لم يطلق زوجته. ولم يستطع الآلوسي الرفض.

وفي حالات أخرى حاول الزوجان البقاء سوية عادة في حي تهيمن عليه طائفة الزوج. ولكن الزوجة انقطعت عن العائلة والأصدقاء مما وضع قيودا على الزواج. وقال الآلوسي «كانت هناك حالات كثيرة حيث ظهر الطلاق لأسباب طائفية ولكننا حاولنا تقليص ذلك. وأعتقد الآن أن الوضع انقلب حيث نرى عودة أكبر للزواجات المختلطة».

داليا، الشابة الأنيقة التي ترتدي تنورة قصيرة وحذاء عصريا، التقت بزوجها خلال السنة الأولى من دراستها في الكلية. كانت من عائلة سنية مرفهة في ظل حكم صدام. أما هو فكان من الأغلبية الشيعية المضطهدة. ولكن ما من شيء من ذلك كان مهما في الأيام الأولى من الرومانسية. وبعد عشرة أشهر تزوجا. واستخدم والدها علاقاته ليجد لزوجها وظيفة في وكالة حكومية لبيع السيارات وانتقلا الى الطابق الثاني من بيت أهله. ولكن الفوضى التي خلقتها الاطاحة بصدام غيرت كل شيء. وفقد زوج داليا وظيفته وبدأ محاولة التقرب من حكام البلد الجدد.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)