قصر بعبدا ينتظر رئيس الجمهورية واللبنانيون غير متفائلين

طُرَف تضحك على الأزمة بعضها يعرض القصر للإيجار.. والآخر تحدث عن توفير راتب الرئيس

صورة لقصر بعبدا من الداخل («الشرق الأوسط»)
TT

بعض «الخبثاء» في لبنان يروجون طرفة مفادها ان قصر بعبدا مقر رئاسة الجمهورية، معروض للايجار شرط ان يكون المستأجر مارونيا. «خبثاء» آخرون يعتبرون ان فراغ سدة الرئاسة سمح للدولة اللبنانية بتوفير راتب الرئيس وملحقاته ما يحد من عجز الخزينة. ولكن بعيدا عن «الخبث» يبقى ان المكان لا يزال «قبلة» كل سياسي ماروني حتى لو لم يصرح بذلك. فالأمل موجود لدى البعض ما دامت التعقيدات التي تحول دون انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان تتكاثر مع فشل المحاولات المتلاحقة لانجاح المبادرة العربية او غيرها من الوساطات. زائر القصر المشرف على العاصمة اللبنانية، لا بد أن يشعر بالفراغ لحظة وصوله الى الحاجز الامني. لا سيارات تقف في الصف. الترتيبات شبه عادية يغلب عليها الروتين أكثر من الحرص. جناح رئيس الجمهورية مقفل منذ 25 نوفمبر (تشرين الثاني) 2007. ولن يفتح لأحد بانتظار الرئيس العتيد. نافورة باحة القصر جفت مياهها. فهي لا تتدفق الا عندما يدخل الرئيس مكتبه. لا اعلام مرفوعة. كل نشاط معلق على حبال الانتظار.

الا أن قصر بعبدا ليس فارغا كما تظن غالبية اللبنانيين. في أروقته كل شيء يعمل بانتظام ابتداء من المديريات العامة وانتهاء بالاجراءات الأمنية. كل صباح يدخل الى الجناح المخصص حوالي مئة موظف ويغادرون عند انتهاء الدوام، تنقلهم الحافلات الصغيرة من مواقف السيارات الى الباحة الخارجية للقصر. يقول مستشار الرئاسة للشؤون الاعلامية رفيق شلالا: «جناح رئيس الجمهورية وكل ما يتصل به شاغر. اما مؤسسة الرئاسة فتعمل كالمعتاد، كما كل المديريات الرسمية في الدولة». ويضيف: «استفدنا من غياب رئيس لإلحاق الموظفين بدورات تدريبية في اللغات والمعلوماتية والبروتوكول والمراسم. وذلك لإعادة تأهيلهم». ويوضح أن «صيانة جناح الرئيس تتم بشكل دوري، وذلك للمحافظة على محتوياته. فهو يضم لوحات لا تقدر بثمن وقطعا أثرية فينيقية ورومانية تمت استعارتها من المتحف الوطني ووزعت في ارجاء القصر ليتم تعريف كبار الزائرين الى حضارة لبنان، لا سيما اذا كانت زيارتهم لا تتجاوز اليوم الواحد. كذلك في القصر فسيفساء نادرة احضرت من ارض مدينة صور».

ويعتبر شلالا «ان فراغ سدة الرئاسة يجعل لبنان جسماً من غير رأس. فرأس الدولة هو الرئيس وغيابه يشعرني، كمسؤول وكمواطن، بالمرارة والحزن. لا سيما عندما اجلس كل صباح في مكتبي. المعاناة لا تقتصر على المدى الجغرافي الذي كان يربطني بجناح الرئيس وحركة الاستقبالات، انما بالخسارة المعنوية والمادية التي يعكسها هذا الفراغ على لبنان». الجولة لاستراق النظر الى الجناح المقفل تكرس الشعور بالسكون المسيطر على الباحة الخارجية وممرات الحدائق. المسؤول الامني الذي يرافق الزائرين يبدو حزيناً وخجولاً بعض الشيء، كأنه عاجز عن حسن الضيافة. قال انه يعمل في القصر منذ العام 1984. ويتمنى ان تعود الحياة الى قاعاته وحدائقه وأجنحته. لواء الحرس الجمهوري يغالب «بطالته» الحالية. يقول أحد عناصره ان فراغ سدة الرئاسة في لبنان غيّر قواعد خدمتهم. فهم حاليا يغادرون حرم القصر الى حيث يقيمون حواجز في المنطقة في إطار خطة الجيش اللبناني لحفظ الامن بناء على توجيهات قائد الجيش العماد ميشال سليمان. نستعيد مع شلالا تاريخ المكان. نلاحظ ان «اللعنة» تلاحقه منذ العام 1975. فقد تحول الى مرمى للقذائف النارية والسياسية. وبعض الرؤساء امضى في ملجئه فترة أطول مما أمضى في اجنحته.

الرئيس الراحل سليمان فرنجية وبعد اقامته فترات في الملجأ، اضطر الى النزوح عنه بعد قصف مركز استهدف القاعة الزجاجية التي كان يجلس فيها ليلعب مع اصدقائه «النرد» (طاولة الزهر). الرئيس الراحل الياس سركيس أقام ايضا في الملجأ. وواجه في العام 1982 وزير الدفاع الاسرائيلي آنذاك ارييل شارون الذي كان يرغب بالدخول الى القصر. وتحداه بقوله: «لن يدخل شارون الا على جثتي». كذلك الرئيس أمين الجميل، لاسيما بعد تعرض غرفة نومه لقذيفة مباشرة استقرت على سريره. مع انتهاء ولايته سلم القصر الى قائد الجيش عام 1989 العماد ميشال عون بعد تكليفه رئاسة حكومة انتقالية. هذا الاخير حول المكان الى متراس وثكنة عسكرية بامتياز. أعطى أوامره بصب باطون مسلح فوق هياكل مقطورات السكة الحديد ليحمي الملجأ التي كان مكان اقامته حتى 13 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما اجتاحه قائد الجيش الذي خلفه العماد إميل لحود بعد قصف مركز تولته الطائرات السورية هرب عون كما هو معروف الى السفارة الفرنسية. واعاد الرئيس الراحل الياس الهراوي ترميم القصر بهبة إماراتية، ليسلمه الى لحود بعد انتخابه رئيسا، حيث أقام الاخير تسعة أعوام. ويقول شلالا انه أجرى جردة بالمحتويات قبل مغادرته ولم يحمل لحود معه الا أغراضه وحاجياته الخاصة.

واليوم قصر بعبدا ينتظر الرئيس. لكن متى؟ اللبنانيون غير متفائلين بإنتخابه في المدى المنظور.

منى شقير، ربة منزل هاجر اثنان من أولادها فور تخرجهما في الجامعة والثالث على الطريق، تقول لـ«الشرق الاوسط»: «عن أي رئيس يتحدثون؟ قادة القوى الموالية والمعارضة يختلفون على أصغر شيء. المهم ان يحتفظوا بخلافاتهم ولا يصدروها الى الناس. نحن نواصل حياتنا من دون انتخابات رئاسية».

أبو سعيد، بائع الخضار في أحد أحياء بيروت الشعبية، يبادرنا حتى قبل السؤال بالقول: «لن تقوم قيامة لهذا البلد. المخطط الذي يسوق له بعض الاطراف يهدف الى القضاء على المؤسسات. مجلس النواب مشلول وكذلك رئاسة الجمهورية. ويبدو أن رئاسة الوزراء على الطريق». «من هم اصحاب المؤامرة؟» نسأله، فيجيب: «انتم، الصحافيين، تعرفونهم أكثر مني. لا لزوم للسؤال».

الشارع الماروني يرى الامور بمنظار خاص. عدا التشاؤم من الوضع العام، يسود شعور بأن الرئيس السابق إميل لحود هو آخر الرؤساء الموارنة في لبنان. يقول التاجر الياس حرب: «الاسلمة تشق طريقها الى لبنان، كما هي الحال في دول المنطقة. واذا نظرنا بعمق الى الساحة السياسية لوجدنا ان الفريقين المتحكمين بمفاصل الامور هما السنة والشيعة. وعلى الطرف السياسي المسيحي ان يكون تابعا لهذا أو ذاك. الفريقان يتفاوضان بشأن الرئيس الماروني وليس نحن. وهما ليسا في عجلة من أمرهما. القصر الفارغ لا يؤرقهما».