سرية عراقية تخلي مواقعها في مدينة الصدر وسط استياء أميركي

تركت خط المواجهة بدون حماية شاكية من ضعف التسليح وعدم تلقي تعزيزات

طفل عراقي يجمع بقايا معدنية لبيعها، يتفحص عربة عسكرية عراقية مدمرة، في مدينة الصدر أمس (أ.ف.ب)
TT

أخلت سرية من الجيش العراقي مواقعها في مدينة الصدر الليلة قبل الماضية، متحدية الجنود الأميركيين الذين ناشدوا أفرادها عدم الانسحاب في مواجهة الميليشيات الشيعية. وخلف هذا الانسحاب جزءا مهما من شارع على خط المواجهة غير محمي لعدة ساعات فيما دخل الجنود الاميركيون في مناوشة كلامية، مع ما يقرب من 50 جنديا عراقيا قرروا الفرار.

وناشد الكابتن لوغان فيث آمر السرية من فرقة المشاة الخامسة والعشرين الأميركية، المقدم العراقي الذي كان يقود جنوده خارج القتال الدائر في مدينة الصدر، العودة إلى الجبهة. وقال الكابتن فيث: «إذا رجعت فسيتبعك هؤلاء الجنود، وإذا هربت بجبن فإنهم سيتبعونك أيضا».

لكن مناشدات الكابتن فيث فشلت، بينما قام آمرو وحدات أميركيون وعراقيون بالتحرك سريعا لاسترجاع المواقع التي انسحب الجنود العراقيون منها. وتحركت وحدة عراقية بدعم الأميركيين، حيث بدأت تقاتل باتجاه الشمال.

وجاءت مبادرة التخلي عن المواقع العسكرية من قبل وحدة عراقية مترددة، لتثير تساؤلات في نفوس الجنود الأميركيين عن مدى صلابة حلفائهم العراقيين. وقال السارجنت جورج لويس من سرية بي، التي يقودها الكابتن فيث: «نحن لا نرى أي تقدم إطلاقا. نحن نسمع هؤلاء الرجال خلال المعارك. ونحن نعرف أننا إن لم نساعد هؤلاء فلن نتمكن من تحقيق أي تقدم يذكر».

وتحركت السرية بي إلى مدينة الصدر في اواخر مارس (آذار) الماضي كجزء من جهد أوسع لتأمين مدينة الصدر، التي تتمتع بأعلى كثافة سكانية في العاصمة العراقية. وكانت الميليشيات تستخدم المنطقة لإطلاق صواريخ عيار 107 ملليمتر في اتجاه المنطقة الخضراء. والمهمة الاميركية تهدف الى وقف اطلاق الصواريخ ومساعدة الحكومة العراقية على فرض سيطرة محدودة. وقد قاتل بعض الجنود العراقيين قتالا شديدا. وكانت القوات الاميركية تدربهم بطريقة منتظمة على كيفية حماية قواعد دورياتهم، والحفاظ على الذخيرة وإجلاء جرحاهم.

تجدر الإشارة الى ان واحدة من المشاكل الاساسية، هي ان القوات العراقية ردت على نيران الميليشيات بوابل من النيران لدرجة تعريض حياة المدنيين للخطر، بل والقوات الاميركية وقواتهم هم. واصبح وابل نيران الجيش العراقي حدثا منتظما لدرجة ان بعض الجنود الاميركيين يشعرون بالقلق من ان مقاتلي الميليشيات حاولوا دس انفسهم بين الوحدات العراقية القريبة، لدفعهم لإطلاق النار على بعضهم البعض. الا ان المشكلة التي وقعت الليلة قبل الماضية، كانت اكثر خطورة: انسحاب عراقي ترك هوة في المواقع المتقدمة في طريق في مدينة الصدر. وبدأت المشكلة عندما ظهر النقيب عبد الستار، وهو قائد سرية اتخذت مواقعها على بعد 700 ياردة امام القوات الاميركية، في مقر القيادة الميداني للسرية بي في المنطقة الجنوبية من مدينة الصدر. وكانت سرية النقيب عبد الستار قد حلت محل وحدة عراقية اخرى قاتلت قتالا شديدا، ولم يكن سعيدا بالسيطرة على مواقع امام القوات الأميركية الأفضل تدريبا وتسليحا. وقال عندما زارته القوات الأميركية يوم الاثنين «كل منزل في مدينة الصدر لديه ابن في جيش المهدي. ولذا من الصعب اقناع الناس بتأييد الجيش العراقي». وعندما وصل الى الموقع الاميركي يوم الثلاثاء، ذكر الضابط العراقي ان العديد من جنوده استبدلوا ملابسهم العسكرية وفروا من الخدمة بعدما فشلت قيادات الجيش العراقي في ارسال تعزيزات خلال معركة مع الميليشيات استمرت عدة ساعات حسب قوله. وأوضح النقيب عبد الستار بهدوء انه يقود باقي الجنود في سريته التي تضم 80 جنديا بعيدا عن المعركة. وكأنه يؤكد وجهة نظره، كانت هناك قافلة من السيارات العراقية مشحونة بالأثاث المنزلي تقف امام القوات الاميركية. غير أن مغادرة المعقل يمكن أن تسمح للميليشيات بالدخول ثانية وزرع الطريق بالعبوات الناسفة. وكانت وحدات عراقية أخرى قد تميزت بالثبات في معارك طويلة، وكان الكابتن فيث مندهشا من أن وحدة النقيب غادرت بعد أن توقفت عن مواجهة هجوم آخر للميليشيا. وسأل الكابتن فيث التقيب العراقي «لقد شاركتم في معركة بكاملها والآن تسحبون أنفسكم. هل مات احد من رجالك ؟». واعترف النقيب عبد الستار بأن وحدته كان فيها عدد من الجرحى، ولكن لم يقتل أحد. ولكن وجنودا عراقيين آخرين أصروا على أنهم يفتقرون الى المعدات اللازمة لخوض معركة مع الميليشيات. وقالوا ان القوات العراقية تفتقر الى الذخيرة وليس لديها سوى القليل من العربات المدرعة وهي تواجه مقاتلي ميليشيا قالت ان لديهم المعدات والذخيرة والتدريب من الايرانيين. وأجاب النقيب «لسنا خائفين». كما تذمر من أنه ليست لديه وسائل للاتصال مباشرة بالقوات الأميركية.

ورد الكابتن فيث «ذلك تبرير وأنت تعرف». وأكد بأن واحدا من فصائل النقيب كان على بعد 100 ياردة فقط من بعض العربات الأميركية، وان الطرفين اتفقا على ان العراقيين يمكن أن يرسلوا شخصا راكضا الى العربات لطلب المساعدة عند الضرورة.

وعاد القائد العراقي الى قافلته وتبعه الكابتن فيث، واعدا بمرافقة من عربات سترايكر اذا ما عاد الجنود العراقيون الى مواقعهم. وبدأ العشرات من الجنود العراقيين المندهشين بالمشاركة في المناقشة. وبينما تصاعدت حدة المزاج وتعالت الأصوات، أمر الرقيب أنغولو جنود السرية بالوقوف قريبا من الكابتن فيث.

وتحركت القافلة العراقية وبدأ الأميركيون البحث عن وحدة عراقية جديدة لسد الفراغ. وأسرع قادة عسكريون عراقيون كبار الى الموقع، وطلبوا من وحدة استطلاع عراقية خاصة ان تتقدم في الطريق. وبمساعدة وحدة أميركية للكشف عن العبوات الناسفة. وعربات السترايكر والهليكوبترات الهجومية اتجه العراقيون الى الشمال. ووفقا لآخر التقارير التي راقبتها السرية بي، توقف العراقيون بسبب عدد من العبوات الناسفة وخططوا لاستئناف العمل في النهار. وكانت النيران العراقية الصاخبة في طريق الجنود الى القاعدة المهجورة قد عرضت الجنود الأميركيين الى الخطر، وكانوا يجلبون الامدادات الى واحد من فصائلهم، وأصدر أحد الضباط الأميركيين نداء على جهاز الارسال وقال «انهم يضيئون كل شيء. دعهم يتوقفون عن ذلك».

* خدمة «نيويورك تايمز»