الجيش الأميركي درب محللين عسكريين في شبكات التلفزيون

استثمار الولاءات الآيديولوجية والعسكرية للدفاع عن سياسات البنتاغون تجاه العراق وغوانتانامو

TT

في صيف عام 2005 واجهت ادارة بوش موجة جديدة من النقد بشأن خليج غوانتانامو. فقد وصف مركز الاتجار باعتباره «غولاغ عصرنا» من جانب منظمة العفو الدولية، وكانت هناك مزاعم جديدة بانتهاكات عبر عنها خبراء حقوق الانسان في الامم المتحدة وتصاعدت الدعوات الى إغلاقه.

ورد خبراء الاتصالات في الادارة بصورة سريعة. وفي وقت مبكر وضعوا مجموعة من ضباط الجيش المتقاعدين على متن احدى الطائرات التي تستخدم عادة من جانب نائب الرئيس ديك تشيني وتوجهوا بهم الى كوبا للقيام بجولة مرتبة بعناية في غوانتانامو. وبالنسبة للناس يعتبر هؤلاء الرجال أعضاء في جماعة مألوفة، وقد ظهروا في عشرات آلاف المرات في الاذاعة والتلفزيون باعتبارهم «محللين عسكريين» أهلتهم خدمتهم الطويلة لاعطاء احكام جديرة بالثقة حول القضايا الأكثر الحاحا لعالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر. غير ان ما يختفي وراء مظهر الموضوعية ذلك هو جهاز معلومات في البنتاغون استخدم أولئك المحللين في حملة لتغطية إخبارية ايجابية لاداء الادارة في زمن الحرب، وفقا لما كشفت عنه «نيويورك تايمز».

وقال تقرير للصحيفة يبحث العلاقات بين ادارة بوش ومسؤولين كبار سابقين عملوا محللين تلفزيونيين بأجور، إنهم حصلوا على افادات خاصة ورحلات بالاضافة الى السماح لهم بالاطلاع على معلومات سرية بهدف التأثير على تعليقاتهم.

وأضاف يبحث العلاقات بين ادارة بوش ومسؤولين كبار سابقين عملوا كمحللين تلفزيونيين بأجور انهم حصلوا على افادات خاصة ورحلات بالاضافة الى السماح لهم بالاطلاع على معلومات سرية بهدف التأثير على تعليقاتهم. والتسجيلات والمقابلات توضح كيف أن ادارة بوش استغلت سيطرتها على امكانية الحصول على المعلومات في محاولة لتحويل المحللين الى نوع من حصان طروادة الاعلامي.. كأداة تهدف الى تشكيل تغطية الارهاب من داخل شبكات التلفزيون والاذاعة الكبيرة.

وهذا الجهد، الذي بدأ منذ الاعداد لحرب العراق ويستمر حتى اليوم، يسعى الى استثمار الولاءات الآيديولوجية والعسكرية وكذلك آلية مالية فعالة. فلدى معظم المحللين صلات مع شركات التعاقد العسكرية التي تستثمر في سياسات الحرب ذاتها التي يطلب منهم تقييمها على الهواء. ويردد أفراد هذه المجموعة آراء الادارة وفي بعض الاحيان حتى عندما كانوا يرتابون بأن المعلومات غير صحيحة أو مبالغ فيها. ويعترف بعض المحللين انهم يكبتون الشكوك لأنهم يخشون من التعرض الى مخاطر عدم الوصول الى المعلومات. وعبر عدد قليل منهم عن الشعور بالندم جراء المشاركة في ما اعتبروه مسعى لتضليل الشعب الأميركي بدعاية ترتدي لباس التحليل العسكري المستقل. وقال كينيث ألارد، المحلل العسكري السابق في «ان بي سي»، ان الحملة وصلت الى عملية معلوماتية رفيعة المستوى. وقال «كانت تلك سياسة متماسكة وفعالة». ودافع البنتاغون عن عمله مع المحللين قائلا إنهم لم يتم اعطاؤهم سوى المعلومات الدقيقة. وقالت الصحيفة ان كثيرين من المعلقين لهم صلات أيضا بالمتعاقدين مع الجيش الذين لهم دور راسخ في الجهود الحربية الاميركية، ولكن نادرا ما يتم كشف هذه الصلات للمشاهدين بل وأحيانا للشبكات التي يظهرون فيها. وبذل بوش جهودا حثيثة لوقف تراجع التأييد العام لحرب العراق التي قتل فيها أكثر من أربعة آلاف جندي أميركي وتعزيز التأييد لحربه ضد الارهاب بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول).

ومن بين الحالات التي أشارت اليها صحيفة «نيويورك تايمز» ما حدث في صيف 2005 عندما كانت الاتهامات منتشرة بشأن انتهاكات حقوق الانسان في معسكر الاعتقال الاميركي في خليج غوانتانامو بكوبا، حيث يحتجز أجانب يشتبه بأنهم ارهابيون. وقالت الصحيفة ان مسؤولي الاتصال بإدارة بوش أخذوا مجموعة من ضباط الجيش المتقاعدين الى المعسكر في طائرة يستخدمها عادة ديك تشيني نائب الرئيس لاعطائهم وجهة نظرهم في القضية. وظهر كثيرون من هذه المجموعة فيما بعد كمعلقين في شبكات التلفزيون الاميركية.

ونقلت الصحيفة عن الضابط المتقاعد والمحلل السابق بشبكة فوكس نيوز روبرت بيفيليكوا، قوله ان لسان حال ادارة بوش كمن يقول انها بحاجة لتحريك أفواه المحللين وكأنهم دمى.

ومع تدهور الوضع في العراق رصد الارد فجوة بين ما كان يقال للمحللين في افادات خاصة وما كشف عنه فيما بعد في تحقيقات وكتب. وأضاف للصحفية يوميا «كنت أشعر أننا نخدع». وقال بعض المحللين انهم أخمدوا شكوكهم بشأن الوضع في العراق خشية تعريض عملهم للخطر. وهناك آخرون نفوا أن يكونوا تعاونوا أو سمحوا لمصالحهم المتعلقة بالعمل بالتأثير على عملهم، في حين قال البعض انهم أنقذوا أنفسهم من التغطية التي تمس مصالح العمل. وذكرت الصحيفة أنها اعتمدت في الكثير مما ورد في تقريرها على ثمانية آلاف صفحة من رسائل البريد الالكتروني والنسخ والسجلات التي حصلت عليها بالتودد الى وزارة الدفاع. وقالت الصحيفة ان هذه الوثائق تصف سنوات من الافادات والجولات الخاصة.

وقالت ان وثائق وزارة الدفاع أشارت الى المحللين العسكريين بوصفهم «قوة نشر الرسائل» أو وكلاء يمكن الاعتماد عليهم في نقل «أهداف ورسائل الادارة لملايين من الاميركيين» في شكل آراء خاصة. ودافع برايان ويتمان المتحدث باسم وزارة الدفاع عن عمل الوزارة مع المحللين العسكريين قائلا انهم حصلوا فقط على المعلومات الحقيقية عن الحرب.

وبعد خمس سنوات على بدء الحرب في العراق ما زالت تفاصيل أكثر الخطط المتعلقة بتنفيذها مغطاة. لكن صحيفة «نيويورك تايمز» رفعت دعوى ضد وزارة الدفاع كي تتمكن من الوصول إلى ما يقرب من 8000 صفحة من الرسائل الالكترونية والمسودات والسجلات التي تصف سنوات من المذكرات السرية والرحلات إلى العراق وغوانتانامو. وتكشف كل تلك السجلات العلاقة التكافلية حيث تم طمس الخطوط الفاصلة عادة ما بين الحكومة والصحافة. وتشير وثائق البنتاغون الداخلية باستمرار إلى المحللين العسكريين باعتبارهم «مضاعفين لقوة الرسائل» أو «الحاضنات» التي يمكن الاعتماد عليها لإصدار «رسائل وأفكار» إدارة بوش لملايين الأميركيين «بشكل يماثل آراءهم». وعلى الرغم من أن المحللين تدفع لهم أجورهم باعتبارهم مستشارين، إذ يحصلون على كل ظهور ما بين 500 إلى 1000 في لقاءات البنتاغون وأحيانا يتكلمون إن كانوا يعملون وراء خطوط العدو ضمن مقابلات. والبعض منهم يقدم نصائح للبنتاغون حول كيفية التفوق على مناورات الشبكات الإعلامية. والبعض حذر من قصص مخطط لها أو أرسل نسخا من مراسلاتهم للبنتاغون مع رؤساء شبكات الأخبار الإعلامية التنفيذيين. والكثير منهم ـ بالتأكيد ليس كلهم ـ يرجعون وبصدق نقاط النقاش الذي يهدف إلى مواجهة المنتقدين.

ولا تظهر الوثائق التي كشف البنتاغون عنها أي تمييز ما بين التعليق والعقود. لكن بعض المحللين قالوا إنهم كانوا يستخدمون الوصول الخاص الذي يمتلكونه من حيث ظهورهم على شاشات شبكات الأخبار وميكروفوناتها باعتبارها فرصة أو نافذة لمجالات عمل أخرى في المستقبل. ومن بين هؤلاء هناك جون غاريت الكولونيل المتقاعد والمحلل من دون أجر لصالح أخبار فوكس التلفزيونية. وهو من المساهمين في نشاطات اللوبي داخل باتون بوغز لمساعدة الشركات كي تحصل على عقود من البنتاغون بما فيها تلك العقود في العراق.

*خدمة «نيويورك تايمز»