النجف.. حالة ترقب وأجواء من الريبة مع اشتداد الأزمة مع التيار الصدري

أحاديث عن «قائمة اغتيالات».. والمراجع الكبار يجدون أنفسهم في مأزق

TT

يتحدث رجال الدين والسياسة بصوت واطئ عن قائمة أسماء الأشخاص الذين سيتعرضون للاغتيال، فيما يقف حراس على أهبة الاستعداد للمواجهة، وعلى الطاولات تبقى المسدسات جاهزة للاستعمال ولا أحد هناك يمكن الوثوق به. هكذا تبدو الأجواء في النجف حيث الكل يخشى عودة الأزمنة الحالكة.

قال الشيخ علي النجفي، ابن آية الله بشير حسين النجفي الذي يعد واحدا من أهم أربعة رجال دين شيعة في العراق يقومون بتوجيه الأكثرية الشيعية وتقديم النصح لسياسيي العراق: «الوضع غامض». ويجد هؤلاء المراجع الأربعة المتقدمون في السن أنفسهم في مأزق وهم يتابعون النزاع القائم ما بين الحكومة التي تقودها أحزاب شيعية ورجل الدين الشاب مقتدى الصدر. وللمناخ المسموم من التخوين والخوف والشكوك نتائج تتجاوز الشوارع الضيقة لهذه المدينة الدينية العريقة.

فالنجف قد تحمل بيدها مفتاح استقرار العراق، وإذا سادها العنف فإن الجنوب بأكمله سينجر إليه أيضا. وستتعرض القوات الأميركية إلى مطب أكبر مما يقلل من حظوظ سحبها من العراق. ولعل الأحزاب الشيعية العراقية ستلتفت إلى إيران كي تكون وسيطا لإنهاء الأزمة. وستكون حظوظ البدء بعملية سياسية حقيقية ضئيلة.

ومثلما هو الحال مع البصرة ونفطها، فإن من يسيطر على النجف سيلعب دورا أساسيا في تحديد مستقبل العراق. فإلى هذه المدينة يأتي السياسيون الشيعة للاستماع الى توجيهات المراجع ومن هنا بدأ الصدر بتحدي المؤسسة الدينية المحافظة.

وقال صلاح العبيدي المتحدث باسم الصدر: «النجف هي المطبخ، حيث يتم طبخ أكثر القرارات الهامة». ويعمل العبيدي في غرفة موحشة داخل مطعم وفندق مغلق. ويجلس الحراس في الرواق المزين بجداريات للصدر ولآل البيت. واعترف العبيدي بأنه يعيش أزمة مستفحلة. وأضاف: «نحن خائفون من بقاء الوضع من الآن وحتى أكتوبر(تشرين الأول) في حالة غير مستقرة بالنسبة للصدريين. النجف مهمة جدا».

وتقدم المدينة دخلا جزيلا للصدر ولأتباعه من الزوار الذين يأتون إلى هنا كذلك تقدم لهم مكانا مناسبا لنشر دعوته خارج حدود النجف. ويأتي كل عام ملايين من الزوار إلى النجف للصلاة في مسجد الإمام علي بن ابي طالب حيث ضريحه. ويأتي رجال الدين الطموحون إلى هنا للدراسة في الحوزة الدينية التي لا ينافسها مكان آخر عدا مدينة قم الإيرانية.

وظلت النخبة التجارية والدينية من سكان النجف تعتبر الصدر مثيرا للقلاقل وقادرا على تحشيد المناطق الشيعية الفقيرة والجماهير الريفية للعنف. ولا أحد في النجف نسي ما حدث في أبريل(نيسان) 2003 عند سقوط نظام صدام حسين وبروز الصدر من بيت الإقامة الجبرية ليطالب بالزعامة الدينية التي كانت لأبيه القتيل. وفي ذلك الشهر، رجع عبد المجيد الخوئي ابن آية الله آخر من لندن وتعرض لهجوم على يد عدد من الغوغاء داخل ضريح الإمام علي ليموت بعد ذلك بالقرب من مكتب الصدر. ثم قام الصدر في صيف 2004 بالسيطرة على الضريح كجزء من انتفاضة ضد الأميركيين. وتسببت المعركة التي وقعت بعد ذلك في المدينة والمناطق المجاورة لها إلى تحطيم الكثير من المباني التي ظلت حتى الآن على حالها.

وخلال الانتفاضة تدخل آية الله علي السيستاني، موفرا لجيش المهدي التابع للصدر خروجا آمنا من صحن الامام علي كوسيلة لإنهاء المجابهة مع الجيش الأميركي التي دامت شهرا. وفي هذه المرة رفض آيات الله الكبار مساعدة رجل الدين المثير للفتن. وبعد ثلاثة أيام من حملة البصرة الأخيرة أصدر آية الله العظمى النجفي فتوى أعلنت الحكومة العراقية باعتبارها القوة الوحيدة في البلاد التي تمتلك حق حمل السلاح. ولم يترك ابنه الشيخ علي النجفي سوى قليل من الشك من أن المؤسسة الدينية دعمت عمليات الجيش العراقي. وقال «نحن نرى هذا تحسنا ايجابيا. الناس يريدون من الحكومة أن تسيطر على الشوارع وتفرض القانون».

ويعتبر موقفهم رهانا. وقد وصف رجل دين متنفذ مطلع على المحادثات بين حركة الصدر والمراجع الكبار، الوضع بتعابير محبطة: فالحكومة ضعيفة، ومساعدو الصدر يعترفون الآن سرا بأنهم فقدوا السيطرة على أعضاء يتلقون دعما من ايران. وقال «هناك جماعات في جيش المهدي يمارسون الخطف والقتل والسرقة. انهم لا يصغون الى مقتدى. ويعملون صراحة بما يتوافق مع المصالح الايرانية». وطلب رجل الدين عدم الاشارة الى اسمه لأنه يخشى الاغتيال.

وكان يرى نفوذ ايران في كل مكان وقال «في البداية كانت الدول العربية تلعب دورا سلبيا. الآن بعد أن سقطت القاعدة يأتي دور ايران. فايران تريد السيطرة على العراق وتغيير الحوزة من النجف الى قم».

ويشعر أتباع الصدر بالخوف أيضا. فالتوترات بين حركتهم الجماهيرية والمؤسسة الدينية السائدة في النجف جلية في ساحة الامام علي، حيث مبنى من الطابوق الأصفر مع قاعدة رخامية أقيم قبل عامين. انه متحف والد الصدر، آية الله محمد صادق الصدر الذي قتل في عهد صدام. وتخفق راية سوداء من البناية لرياض النوري أحد كبار مساعدي الصدر الذي قتله رجال مسلحون كانوا ينتظرون خارج بيته في شارع هادئ في 11 ابريل (نيسان) الحالي. ويقف ما يتراوح بين 20 الى 30 رجلا في الخارج وهم يراقبون الناس المتوجهين الى المرقد.

وفي إحدى الليالي مؤخرا كان رجلان هزيلان يمشيان بتثاقل على عكازات الى مكتب الصدر، أحدهما فقد رجله في القتال ضد الأميركيين خلال انتفاضة الصدر عام 2004. وكان الرجلان ينتظران للقاء حيدر فخر الدين، المحامي الموالي للصدر. ورن هاتف فخر الدين الجوال، وهو يبث خطابا لزعيم حزب الله الشيخ حسن نصر الله حول المقاومة والتضحية. وكان هناك مسدس أسود موضوعا على منضدته. ومثل العبيدي قال ان الحركة توقعت مزيدا من أعمال القتل. وتحدث فخر الدين بارتياب عميق عن الأميركيين وخصومه السياسيين الشيعة، وقال «الاغتيالات ستحدث بسبب الانتخابات» المحلية في اكتوبر (تشرين الأول).

ويتعين على المحامي أن يشعر بالقلق أيضا بشأن مقاتلي جيش المهدي الذين تساعدهم ايران. وقال ان «ايران تتدخل في كل شيء. كانت قادرة على السيطرة على مجموعة من المقاتلين لاستخدامهم لمصالحها».

وفي غضون ذلك، تمضي الحياة في سوق النجف القديم. وبقص التجار قماشا أسود وبنيا لثياب رجال الدين. وتشتري العوائل عصير الرمان والآيس كريم. ولكن اصحاب السوق يعتقدون بأن الهدوء قد يكون مؤقتا. وكان بائع كتب، بينها كتب للسيستاني ولوالد الصدر، متجهم الوجه. وقال «الهدوء لن يستمر. سيكون هناك اضطراب». ولكنه كان واثقا من أن الاضطراب سيزول، اذ قال «بعد هذا الاضطراب سيكون هناك استقرار دائم».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)