رحيل جيرمين تيّون بطلة المقاومة الفرنسية

عالمة الأجناس كانت من أبرز الذين ندّدوا بتعذيب مجاهدي الجزائر

جيرمين تيّون
TT

عن مئة عام وعام رحلت في باريس، مساء أول من أمس، المؤرخة وعالمة الأجناس جيرمين تيّون، إحدى الشخصيات الفرنسية التي كشفت وقائع التعذيب الذي مارسه الجيش الفرنسي ضد ثوار الجزائر ورفعت الصوت ضد تلك الممارسات منذ فترة مبكرة.

ولدت جيرمين تيّون في بلدة بوسط فرنسا عام 1907 وسط عائلة من المثقفين الكاثوليك، ودرست في جامعة السوربون التاريخ القديم وعلم النفس والآثار. وكانت تقول إن اهتمامها بعلم الأجناس علّمها احترام ثقافات الآخرين. وانطلاقاً من شغفها ذاك سافرت الى جبال الاوراس، في الجزائر، عام 1934 حيث كانت تتنقل على صهوة حصان وتنصب خيمتها في القرى الفقيرة وتسجل أحوال الفلاحين الفقراء. وخلال ست سنوات حققت الباحثة أربع رحلات في منطقة جبال «أحمر خدّو». مع بداية الحرب العالمية الثانية ساهمت جيرمين تيّون في تشكيل أول خلية من خلايا المقاومة الفرنسية ضد النازية، وهي الخلية التي نشطت انطلاقاً من متحف الانسان في باريس. وبسبب وشاية من عميل مزدوج كان ينقل أخبار المقاومين الى المخابرات الألمانية، تم اعتقال تيّون عام 1942، حيث أمضت سنة في سجن «فرين» جنوب باريس قبل أن يتم ترحيلها، مع والدتها، الى معتقل «رافينزبروك» الألماني. ونجت من الموت بمحض «المصادفة المريرة» على حد وصفها، لكن أُمها قضت في أفران الغاز. وحتى في ذلك الظرف العصيب لم تنس السجينة ولعها العلمي ودرست نظام التصفيات النازية وكتبت، بعد خروجها الى الحرية، دراسة بعنوان «في البحث عن الحقيقة».. وفي المعتقل، تشبثت جيرمين بقشة الحياة من خلال كتابتها نصوصاً غنائية كانت تخفيها عن أعين الحراس وتنشدها على السجينات في عتمة الليل. وبعد عقود من ذلك التاريخ، نُشرت تلك النصوص في باريس عام 2005. عادت جيرمين تيّون الى الجزائر في مهمة بطلب من الحاكم الفرنسي، آنذاك، وأنشأت مراكز اجتماعية للفلاحين للجزائريين المهجرين وكانت أول من ندّد بتشريدهم. كما حللت سوء الادارة الاستعمارية في كتابها «الأعداء المتكاملون»، واحتجت على تردي الأوضاع في السجون واستخدام التعذيب في استجواب المجاهدين. وعندما طرحت قضية التعذيب الذي مارسه جنرالات فرنسا في الجزائر على بساط البحث العلني، خلال السنوات الماضية، كانت شهادة تيّون واحدة من الشهادات الدامغة التي كشفت بشاعة ذلك الاستعمار في وقت ارتفعت فيه أصوات تتحدث عن أفضاله.

نالت جيرمين تيّون العديد من أوسمة الشرف لنضالها في المقاومة وفي العمل الانساني. وجاءت وفاتها مع افتتاح معرض لتكريمها في مدينة «رين» الخميس الماضي، على أمل أن ينتقل المعرض الى صالات متحف الانسان في باريس، الشهر المقبل.