أذرع تحركها الأفكار وأيد تؤدي 90% من عمل اليد الطبيعية

قفزة في تقنية الأطراف المزروعة التي تتحرك بالأفكار

TT

يقول المؤرخون إن أقدم قدم صناعية في العالم عثر عليها العلماء في بقايا مومياء مصرية قديمة عمرها 3000 سنة. وخلال القرون الثلاثين الماضية تطورت الأطراف الصناعية من أخشاب جامدة تؤدي وظيفة شكلية فقط إلى أعضاء شبه حية تعوض المتضرر عن الكثير من العجز الذي أصيب به. وتمتد البدائل الحديثة اليوم بين الأطراف الصناعية التي تستخدم المحركات المصغرة أي الأطراف التي يمكن تحريكها بقوة الأفكار .

حققت التقنية البيونيكية، أي تقنية المزج الوظيفي بين الأنسجة الطبيعية والصناعية Bionic، قفزة نوعية جديدة من خلال الأذرع الروبوتية التي يحركها الإنسان بالدماغ مباشرة. وتستعرض شركة اوتو بوك النمساوية أذرعا كاملة يحركها البشر بواسطة الأفكار في معرض «تقنية العظام وإعادة التأهيل» في لايبزغ (شرق) بين 21-24 مايو الجاري. كما عرضت شركة توتش بيونيكس الاسكوتلندية، بالتعاون مع جامعة هايدلبيرغ الألمانية، يدا صناعية تؤدي 90% من حركات اليد الطبيعية.

وذكرت مصادر شركة اوتو بوك أن فاقد الذراعين النمساوي المعروف كريستيان كاندلباور، الذي سبق له أن استخدم النماذج الأولى من الذراعين الصناعيتين، سيستعرض أول ذراعين من نوعهما في العالم تحركهما الأفكار. وفقد كاندلباور ،20 سنة، ذراعيه في حادث أليم ويضع نفسه منذ نوفمبر 2007 تحت تصرف مهندسي الروبوتات من شركة اوتو بوك. وذكر كاندليباور أنه حقق الكثير على صعيد تأدية الحركات بقوة الأفكار وأن ذلك بحاجة إلى صبر طويل. وتمت صناعة الذراع الصناعية الجديدة من مادة التيتان الخفيفة وألياف الكربون الخاصة التي تبدي مطواعية كبيرة في الحركة. وطبيعي فإن استخدام الذراع وتحريك الأصابع بقوة الأفكار ستحتاج إلى مران وإرادة كبيرتين. وتعمل شركة اوتو بوك النمساوية مع العالم الاميركي تود كويكن على تطوير جيل جديد من الأذرع يقوم النمساوي الشاب بتجربتها أيضا.

وذكر هيربرت أيجر، رئيس قسم «تحريك الأعضاء بالأفكار» في شركة اوتو بيك، أن الأذرع مازالت في مرحلة الاختبار، لكنها حققت الكثير لحد الآن. ويمكن لكاندلباور الآن تحريك كل المفاصل السبعة التي تحتويها الذراع بقوة أفكاره. لكن الحركة المركبة متعذرة حتى الآن. ويجهد العلماء للتغلب عليها، بمعنى تعذر إدارة مفصل اليد وطي مفصل الساعد في وقت واحد. وقدر ايجر الحاجة إلى 3 سنوات أخرى للانتهاء من استكمال تقنية تحريك الذراع بواسطة الأفكار. وستزود الذراع بثمانية محركات صغيرة تعمل عمل المفاصل وبالعديد من الأقطاب التي ستربط على الأعصاب المتبقية. واضطر الجراحون إلى إخضاع كاندلباور إلى عملية جراحية للعثور على الأعصاب المتبقية في الكتف والصدر وربط الأقطاب عليها.

وعمل العلماء من معهد فراونهوفر الألماني المعروف على تطوير الذراعين بالتعاون مع شركة توتش بيونيكس. ويعتمد عمل اليد الصناعية المسماة i-Limb على أقطاب كهربائية صغيرة تربط بالأعصاب السليمة في مفصل اليد وتوصل الإيعازات العصبية إلى الدماغ، كما تقود إيعازات الدماغ إلى الذراع واليد. والنتيجة أن التقنية أعادت للإنسان حاسة اللمس وتقدير حرارة الأجسام والنعومة ... إلخ. والمهم، حسب مصادر الشركة، أن اليد الجديدة قادرة على تنفيذ 90% من الحركات البشرية التي تؤديها اليد الطبيعية. وكمثل يمكن لليد تأدية الحركة الدائرة عند شد بعض الباغي أو إدارة مفتاح في الباب، الإمساك بالقلم والكتابة، ورفع الأشياء الصغيرة مثل البلى. وتحرك اليد خمسة أصابع يحرك كلا منها محرك صغير وتؤدي الحركات الصعبة كاليد الطبيعية. وتؤهل هذه التركيبة المستخدم لتحريك كل اصبع بمفرده وتسهيل الحركات المعقدة مثل استخدام السبابة في الضغط على أزرار الكومبيوتر. وتبدو اليد قوية، وتستقر بشكل محكم على الذراع، لأنها، حسب تصريح الشركة، قادرة على رفع حقيبة وزنها 20 كغم دون مشاكل.

وكان معهد أبحاث كارلسروهة (غرب) قد أنتج النموذج الأول من «اليد السائلة» بالتعاون مع جامعة هايدلبيرغ الألمانية. وأطلق العلماء على اليد اسم السائلة بسبب استخدام السوائل في تقنية تحريك مفاصلها. ويقول العلماء إن التجارب الأولى أثبتت أن اليد «السائلة» تتحرك بانسيابية لا مثيل لها بالمقارنة مع التقنيات الأخرى. ويوفر هذه السيولة في الحركة مفاصل تستخدم سوائل فيها فقاعات صغيرة تقلل الاحتكاك وتتيح الحركات الدورانية.

ويبدو أن تقنيات مساعدة فاقدي الأطراف ستتحول، في الحقل الرياضي في الأقل، إلى تهمة بسبب تطورها. فالأطراف الجديدة استطاعت أن تحول بعض فاقدي الأقدام إلى رياضيين عالميين كما هي الحال مع الأفريقي الجنوبي اوسكار بيستوريوس (21 سنة) حامل اللقب العالمي في ركض 400 متر للمعوقين. إذ تعاملت اللجنة الأولمبية مع القدم الصناعية التي يستخدمها كما تتعامل مع «المنشطات». ومنعت اللجنة بيستوريوس من المشاركة في الألعاب الأولمبية المقبلة في الصين بسبب قدمه التقنية المتطورة التي تؤهله لمنافسة العدائين الاعتياديين. وكان أوسكار بيسترويوس قطع مسافة الـ 400 متر برقم قياسي قدره 45,56 ثانية، أي أقل بنصف ثانية فقط من الرقم القياسي المسجل أولمبيا.