معرض لمنحوتات كاميل كلوديل في متحف رودان في باريس

مأساة الفنانة العاشقة المعتوهة التي كان شقيقها الشاعر الكبير يزورها مرّة في السنة

من أعمال كاميل كلوديل («الشرق الأوسط»)
TT

تعود النحاتة الفرنسية كاميل كلوديل (1864 ـ 1943) الى الذاكرة بكل فنونها وجنونها بمناسبة المعرض الذي يجمع منحوتاتها في متحف رودان في باريس، حالياً، ويستمر حتى العشرين من يوليو (تموز) المقبل. واختار منظمو المعرض أن يطلقوا عليه اسماً يختصر مأساتها هو «كاميل كلوديل أمرأة فنانة». فتلك المخلوقة الشفافة التي تآمر الغرام ولوثة الفن عليها فأوصلاها الى مصحات الأمراض العقلية، لم تتمكن من أن تفصل بين إبداعها الخاص وبين عبقرية النحات رودان، أُستاذها الذي هامت به حباً، وعانت من نزواته وتقلبات مزاجه. كما لم تنس أنها شقيقة بول كلوديل، الشاعر والكاتب الذي كان ملء السمع والبصر وربطتها به علاقة ملتبسة أيضاً.

نحتت كاميل أشكالاً ووجوهاً هشّة وملتاعة ومتشابكة، كأنها تنحت ما في داخلها من مشاعر فوارة وتأتمن الصلصال والشمع والرخام على مكنونات روحها. لقد أرادت أن يقدّر الناس فنّها، لكن ظلّي العشيق والشقيق سحقاها. ولما تذكرها الفرنسيون لكي ينقلوا حكايتها الى الشاشة الكبيرة في فيلم اضطلعت ببطولته إزابيل أدجاني، عاشقة الأدوار الهستيرية والمصائر النسائية الكسيرة، فإن ما شاهدناه على الشاشة كان المرأة التي سحقها الحب، على حساب الفنانة التي تريد أن تحفر اسمها بإزميلها في الصخر.

عملت كاميل كلوديل في مشغل رودان الذي كان يكبرها بربع قرن، وتحت حمايته وتوجيهه. لكن فيرونيك ماتيوسي، محافظة المعرض الحالي، ترى أن المهارة الوحيدة التي علّمها الاستاذ لتلميذته، هي كيف تشكّل المنحوتة بالدوران حول الموضوع. فهي نحتت أجساداً ملتوية على نفسها، وأذرعا تمتد في توق لامتناه الى أمل ما، ووجوه بنات بريئات كالملائكة، بقبعات من القش، مثلما نحتت سحنات مرعبة لا يدري الناظر اليها هل هي تبتسم سروراً أم تكشّر من الألم. وكانت منحوتتها لرجل وإمرأة يرقصان «الفالس» من أروع أعمالها، لأنها جسدت حمى الدوران التي تطرب الجسد لكنها تودي بالعقل. بعد وفاة أبيها وهي في بداية الأربعينات من عمرها، عرفت كاميل البؤس وضيق ذات اليد، وبسبب من تصرفاتها الغريبة وتسكعها، قررت عائلتها إيداعها مصحاً أمضت فيه السنوات الثلاثين الأخيرة من حياتها. ولم تزرها والدتها في المصح مطلقاً، ولا شقيقتها، لكن أخاها بول كلوديل كان يذهب للاطمئنان عليها مرّة في السنة.