آبار جدة المدفونة تثير جدلا واسعا عن مصدرها

خبراء ومؤرخون يختلفون على المصدر ويتفقون على صلاحيتها للشرب

أحد المواطنين يقف بجوار البئر التي حفرها
TT

تباينت الآراء بين خبراء ومؤرخين ومسؤولين، حول مصدر مياه آبار جدة المدفونة، التي حفرها الأهالي في احياء السبيل والكندرة والهنداوية لمواجهة أزمة المياه، وسط اتفاق بصلاحيتها للشرب. وكانت «الشرق الأوسط»، نشرت السبت الماضي 12 ابريل، خبرا عن تمكن مواطن يدعى نعيم العقيلي، يقطن بحي السبيل جنوبي المدينة، من اكتشاف بئر ارتوازية كانت عائلته في صغره تستقي منها، وتعرف باسم بئر «الصهريج»، وهو ما تبعه عدد من السكان بحفر الآبار.

وأوضح المهندس سامي نوار مدير عام الثقافة والسياحة بمحافظة جدة، في حديث لـ«الشرق الأوسط»:«ان سبب حلاوة مياه الآبار التي حفرها سكان الحي، تعود الى أنها مياه جوفية كما هو معلوم»، مشيرا الى أن السبيل منطقة تجمع للمياه الجوفية ومنطقة تصلها مياه الأودية الجارية.

وأضاف:« ان ارتباط الحي وبعض الأحياء الأخرى ببعض الآبار القديمة والموجودة الى الآن، لكنها لا تستخدم، خصوصا في منطقة البلد أو حتى الآبار الموجودة في المنطقة القريبة من مشروع الأمير فواز كيلو ثمانية، فإن أمانة جدة تستعين بإحداها لسقيا أشجار المدينة».

وتابع نوار «كذلك ارتفاع المدينة كلما اتجهنا جهة الشرق»، محددا بعض المناطق القريبة من حي السبيل، كحي غليل، وامتداده الى جهة الخمرة، التي كانت تعد مجاري للسيول في المدينة.

من جهته يرى العمدة عبد الصمد محمد، عمدة حارة اليمن والبحر، واحد المهتمين بتاريخ المدينة، ان البازان هو عبارة عن شبكة مياه بها مواسير تسمى «الأشياب» يقف السقا ببرميل الماء ذي العجلتين المشبوك بالحمار ليقوم بتعبئته ومن ثم بيعه على الناس، أي أنها عبارة عن شبكة مواسير وليس عينا جارية أو نحوه.

الى ذلك اورد الدكتور عادل بن محمد نور غباشي، الأستاذ المشارك بقسم الحضارة والنظم الإسلامية بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى في الحقائق التاريخية التي اعدها «أن السهل الساحلي في جدة ينقسم إلى قسمين رئيسيين، قسم غربي منخفض قد لا يتجاوز الارتفاع به عن مستوى سطح البحر ثلاثة أمتار، وقد ينخفض إلى 0.8 ، كما هو الوضـع في جنوب جـدة عند منطقـة المينـاء، ويتكون من ترسبات مرجانية، إضافة للرمال والحصى والحجر البحري. أما القسم الآخر فيقع في الشرق مرتفعا عند التلال. وتابع: ان التجمع السكاني في جدة منذ نشأتها إلى نهاية العصر العثماني، نجد أنها أخذت منطقة مسطحة نسبياً بانحدار من الشرق إلى الغرب، وتحوي بعض المنخفضات التي تسهل ركود الأمطار فيها، وتشكل مستنقعات لا تجف مياهها إلا بعد بضعة أيام، وكانت تأتيها السيول قديما غزيرة بعض الأحيان.

ويقول المهندس سامي نوار مدير عام التراث والثقافة بجد:«تقع في شرق جدة سلسلة تلال جبلية يقطعها عدد من الأودية شديدة الانحدار، وأهم هذه الأودية الموجـودة في جـدة وادي مريـخ، الذي يصب في شـرم أبحر، ووادي دغبش، ووادي بني مالك، ووادي عشير، ووادي قوز، ووادي غليل، ثم وادي فاطمة الذي يعد أطول هذه الأودية وأكثرها أهمية». وأضاف نوار:«قد تكون للقصبات أو القنوات الارضية، التي كانت تمتد من المناهل وعيون المياه قديما الى البازانات قديما علاقة، وترجع كلمة البازان الى كلمة تركية، وهي اسم لمهندس تركي قام بتصميم شبكة المياه لسقاية الناس ومع الزمن اطلق اسم «البازان» على مواقع السقاية. واستطرد «كان للسقايا شيخ يقال له شيخ السقايا «السقايين»، الذي يجلب الماء ويبيعه للناس بالزفة، والزفة تتألف من وعائين من الزنك يوضع بهما الماء يتصلان ببعضهما بعضا بواسطة قصبة من الخشب تسمى عود الزفة أو البومة. يذكر ان جدة كانت تحتوي قبل نحو ثلاثين عاما على العديد من البازانات، منها بازان حارة اليمن وبازان حارة المظلوم، اضافة الى بازان الكندرة وبازان البغدادية وبازان في النزلة الشرقية، وأيضا بازان في مدائن آل فهد، وبازان غليل وكان موقعه بين النزلة اليمانية وحي غليل، بازان الهنداوية وبازان السبيل في برحة الجيلان وهي المقصودة بهذه القصة وألغيت هذه البازانات منذ حوالي 30 عاما تقريبا نتيجة لتوسع مدينة جدة وتوفر شبكة مياه تغذي أحياءها.

وتعددت مصادر أهالي جدة للحصول على المياه وطرق تخزينها عبر التاريخ المديد لهذه المدينة، وما زال حتى عهد قريب هناك بعض الصهاريج التي أعدت خصيصا للاحتفاظ بالمياه لأطول مدة ممكنة، عندما كانت مدينة جدة داخل السور فقط، قد تصل الى مدة سنتين في حالات القحط، وقد تستمر أكثر في حال هطول الأمطار على مدينة جدة، ولعل اشهر هذه الصهاريج هو صهريج العيدروس، وكانت المياه تجلب الى مدينة جدة من بحرة والجموم ووادي فاطمة على ظهور الحمير والبغال حتى إنشاء العين العزيزية، فبدأت تجلب بالسيارات ذات التوانك أي الوايتات.

وقد أنشئت أول تحلية أو كنداسة، كما يسميها أهل جدة في عام 1325 هـ قبل العهد السعودي. إلا انها توقفت، كما تم انشاء أول محطة لتحلية مياه البحر في العهد السعودي في مدينة جدة عام 1948، وسميت فيما بعد بالكنداسة أيضا وكانت هذه المحطة أول الحلول لمشاكل جدة مع المياه.