معلولا.. عربية تتكلم الآرامية

منتجع التاريخ والجغرافيا والهواء العليل

بيت من معلولا محفور في الصخر («الشرق الأوسط»)
TT

كانت ثلوجاً خفيفة تهطل بين الفترة والأخرى في دمشق، حيث تعود الدمشقيون على استقبالها بسعادة وفرح رغم تأخرها في شهر فبراير ورغم قلتها... عندما انطلقت بنا السيارة شمالاً على الطريق الدولي الذي يربط العاصمة بحمص وحلب واللاذقية، قال مرافقي: سيزداد الثلج انهماراً كلما اقتربنا من مرتفع الثنايا وكلما لامسنا جبال القلمون، والثلج سيكون أشد انهماراً في (معلولا) حيث مقصدنا الأخير، وبالفعل حصل ما كان توقعه صاحبي.. فجبال القلمون التي تبعد عن دمشق أقل من 50 كيلو متراً ظهرت ببياض قمتها وتوشحها بالثلج كأنها ملتصقة بالسماء، أو كأنها جبال لبنان بثلجها الشهير، وهي التي تجاور تلك الجبال وتلامسها من جهة الشرق.. انعطفت بنا السيارة يساراً لندخل في طريق مرتفعة وبعد دقائق كانت معلولا أمامنا لوحة بيضاء رائعة الجمال.. بيوت تغطيها الثلوج وصخور فوق البيوت حتى حسبناها ستقع على ساكنيها.. إنها معلولا مقصدنا، حيث التاريخ يتجمد ويستقر هنا منذ آلاف السنين .. وحيث اللغة الآرامية ما زالت سارية المفعول وهي لغة السيد المسيح عليه السلام فسكان معلولا مصرّون على التحدث بها حتى أنهم أنشأوا مركزاً لتعليمها للآخرين. وحيث الهواء العليل وهي المرتفعة عن سطح البحر آلاف الأمتار وحيث الجغرافيا القاسية، فالبيوت المحفورة بالصخر والمبنية في كهوف الجبال تثير الدهشة والرعب في آن معاً. الوصول إلى معلولا: يمكن للسائح أن يصل إلى معلولا من داخل دمشق باتجاه منطقة التل وصيدنايا ومن ثم التوجه إلى معلولا في طريق جبلي جميل. والطريق الثاني وهو الأحدث والأوسع، حيث يأخذ السائح الطريق الدولي شمالاً وعلى بعد 50 كلم وحوالي ساعة من الزمن في السيارة سيشاهد لافتات تدل على مفرق معلولا والتي تبعد عن الطريق العام حوالي عشر دقائق فقط بالسيارة حيث سيدخل السائح في فج جبلي كبير ليصل بعدها إلى معلولا. في هذا الموقع الجبلي الفريد وحيث تحتضن السفوح الشرقية لجبال القلمون أجمل الجبال الجرداء في سورية بلدة معلولا هنا تنام معلولا في ذلك الحضن الجبلي الوادع مرتفعة (1500) متر عن سطح البحر مشرفة من علوها المهيب على ما دونها من مكان تراقب مجرى التاريخ وتشهد على حوادث الزمن. بيوت من الصخر وأساطير وحكايا: ومعلولا بحد ذاتها كلمة آرامية تعني المدخل من المكان الضيق إلى المكان الفسيح، حيث تعتبر هذه البلدة من البلدات الفريدة في نوعها في العالم بما لها من صفات متميزة خاصة أوابدها التاريخية والأثرية التي جعلتها مقصداً للسائحين والزوار حيث يأتونها من كل أصقاع الدنيا. فالداخل إلى معلولا يحس بعالم هو أشبه ما يكون بعالم السحر والأساطير، ففي معلولا تحرث الجدران الجبلية الشاهقة التي تحيط بالقرية وتدهش الزائر روعة البيوت التي تتشبث بالصخور كما تتشبث أعشاش الطيور بشواهق الشجر والصخر، بيوت يرتفع بعضها عن بعض طبقات لا تعلو الطبقة الواحدة منها أكثر من ارتفاع بيت واحد بحيث تحولت سطوح المنازل إلى أروقة ومعابر لما فوقها من بيوت.. كل شيء في معلولا ينتمي إلى الماضي ومع ذلك فإنه يعيش في قلب الحاضر، تاريخها العريق الطويل تحكيه أوابدها وأحجارها الضخمة ومغاراتها المحفورة في الصخر تحكي آلاف السنين من التاريخ منذ العهد الآرامي وقبله، فهي سكن الإنسان القديم الأول في كهوف ومغاور جعلها المأوى الأمين الذي يحميه من الأخطار المختلفة فأوحت له أشكال صخورها بمختلف الأفكار الخيالية.. فمعلولا التي تضم الكثير من المواقع الأثرية المهمة لها أساطيرها وحكاياتها الغارقة في الزمن والتي تدور حول بنائها وصخورها ومياهها ومعالمها وسكانها.. وفيها يوجد شق جبلي يسمى (الفج) بجواره يقع دير مار تقلا التي ذكرت كتب التاريخ قصتها، إذ دفعها الخوف من أهلها للهروب فأقامت في معلولا في ذلك الموقع الحصين المنيع البعيد عن الأنظار والأشرار والأخطار فعاشت بسلام واطمئنان طيلة حياتها، وقد اتخذت أحد الكهوف العلوية من الجبل مأوى لها تتأمل في الكون والكائنات واعتبرها أهل البلدة قديسة وشيدوا لها مبنى صغيراً متواضعاً جداً يعتمد على الكهف الجبلي المرتفع وصخوره، وتوسع هذا المبنى فيما بعد وصار يعرف باسم دير القديسة تقلا. وقرب كهف رقاد الفتاة مكان ترشح من سقفه الصخري الطبيعي قطرات ماء فأوحت إلى الأجيال المتعاقبة بقصص عجائبية متعلقة بخصائصها الشفائية.. وفي أعالي البلدة وعلى علو 1612 متراً يوجد دير مار سرجيوس أو مارسركيس الذي يضم أجمل وأروع الأيقونات ذات القيمة الوثائقية والفنية والجمالية وقرب دير مارسركيس هناك كهف جنائزي مهم يتميز بسعته وتزيينه بأعمال فنية منحوتة على سقفه وجدرانه من العهد الروماني وفي أسفل البلدة يوجد معبد روماني توارثت الأجيال المتعاقبة القصص والأساطير المتعلقة به وقد دعي باسم حمام الملكة وفي العصر البيزنطي تحول إلى كنيسة. البيوت واللغة: حكايا وحكايات: أما بيوت معلولا الصخرية فلها حكاية قديمة يرويها السكان وهي ان الملك ميلوس ومن قبله وبعده منذ أكثر من ستة آلاف عام كان يسأل كل شاب يريد الزواج: هل حفرت بيتاً في الصخر. وما زالت هذه البيوت قائمة بدهشتها وخيالها اللامحدود حيث التاريخ تجمد هنا فيشعر السائح والزائر أن سكان الكهوف كانوا هنا يجلسون ويأكلون وينامون في هذه البيوت التي ما زالت مسكونة بعد أن أضيفت إليها بعض الحجرات والتحسينات الحديثة ويندر أن ترى في معلولا بيتاً لا يضم كهفاً من هذه الكهوف لأن هذه البيوت صممت أصلاً على أساس هذا الكهف، وقد أصبح الكهف بالنسبة للبيوت الحالية بمثابة قبو أو غرف داخلية أو مستودعات أما خارج المناطق العمرانية فالكهوف لا تزال موجودة وبعضها لا يزال يحتفظ بالكثير من معالمه. أما حكاية أهل معلولا واللغة الآرامية فهم يصرون على التحدث بها مع قريتين مجاورتين لها، ولولاهم لاندثرت هذه اللغة القديمة التي تكلم بها السيد المسيح واعتبرت هذه اللغة في معلولا كنزاً إنسانياً نادراً، ولذلك يؤمها الكثير من الباحثين و السياح من دول العالم لسماع هذه اللغة. وقبل أشهر قليلة وفي سابقة نادرة الحصول تم افتتاح مركز لتعليم اللغة الآرامية والتي عمرها 3500 سنة في معلولا وبإشراف جامعة دمشق الحكومية السورية، حيث انطلقت دورات تعلم اللغة الآرامية في صيف عام 2007 وهو المركز الوحيد في العالم الذي يدرس اللغة الآرامية بالحروف الأصلية المربعة.

* كيف يمكن للسائح أن يستمتع بزيارة معلولا وأن ينام ويأكل فيها ويحضر كرنفالها السنوي؟

* إذا كان البعض من الباحثين يقول إن لفظ معلولا في المعاجم السريانية يعني المضيق، وذلك لضيق الطريق المؤدي إليها فإنه في المقابل يذهب بعض الباحثين مذهباً آخر في سبب تسمية معلولا، حيث قال هؤلاء إنها سميت بذلك نظراً لهوائها العليل، وهي فعلاً ذات مناخ رائع وطقس جبلي منعش، خاصة للسياح والزوار الباحثين عن الهدوء والسكينة، ففيها سيجد السائح ما يرغبه من هدوء وتأمل في حضن الطبيعة الصافية حيث المناخ الجبلي الجاف والنسمات العليلة والمياه العذبة الرقراقة.. كما أنها تتميز في كل عام بالعديد من الاحتفالات التقليدية والمهرجانات الفلكلورية. ويمكن للسائح أن يبرمج زيارته لمعلولا مع هذه الاحتفالات، خاصة الاحتفال الكبير الذي يقام يوم 14 سبتمبر (أيلول) من كل عام حيث يأتيها الناس من دمشق ومناطقها لحضور احتفال عيد الصليب، وتقام الكرنفالات والحفلات الشعبية التراثية والألعاب النارية. ويتميز أهل معلولا بحبهم للضيف والزائر الغريب حيث انه لا يشعر بأنه غريب أبداً فيها. كما أن هناك في معلولا فندقا بني قبل أكثر من ربع قرن هو سفير معلولا يشرف الزائر من هذا الفندق على معالم معلولا الأثرية والسياحية وهي التي تعتبر متحفاً طبيعياً يمتزج فيها الخيال بالواقع والأساطير بالحقائق، فيحلق الإنسان فيها بين أجنحة التاريخ والتضاريس الجبلية. ويمكن للزائر السائح أن ينام في البلدة في فندق سفير معلولا (وهو أربع نجوم) هاتف: (011770250) ويمكنه أن يتجول لساعات في معلولا وأن يعود لدمشق أو أن يتناول الطعام في المطاعم القريبة من معلولا كمطاعم صيدنايا وهناك أيضاً يمكنه أن ينام في فنادقها الفخمة ومنها: شيراتون معرة صيدنايا خمس نجوم (هاتف 5958000) أو صيدنايا السياحي (نجمتان) هاتف (5950356) أما مطاعمها فهناك: التلال (خمس نجوم) هاتف (5950001) وقصر الرحاب (ثلاث نجوم) (5922991) والمزار السياحي (نجمتان) هاتف (5950330) والأرض المرحة (5950077) وسمايا (5952237) وغصن الزيتون (595950) وسناك الصخر (5950546).