متحف الصابون اللبناني يروي حكاية الحرفة من حلب إلى طرابلس وصيدا ونابلس

ريمون عودة أراد الحفاظ على تراث العائلة.. ففتح البيت ومعمل الصابون للزوار

متحف الصابون في صيدا («الشرق الأوسط»)
TT

من حرفة صناعة الصابون بدأت عائلة عودة اللبنانية والى الصابون عادت. فالنجاحات المصرفية التي حققتها هذه العائلة عبر انشاء «بنك عودة»، لم تقطع صلتها بتاريخها. لذا عمدت الى صون هذا التاريخ وتكريس ذاكرته عبر انشاء «مؤسسة عودة» التي بادرت اول ما بادرت الى انشاء متحف الصابون في مدينة صيدا الجنوبية، باعتبار ان هذه العائلة كانت تعمل في هذه الصناعة وتملك مصبغة باسمها، وتحديداً في مبنى تراثي يعود بناؤه الى القرن السابع عشر شيده آل حمود، لكنه انتقل الى آل عودة اوائل القرن التاسع عشر. وبتوجيه من رئيس مجلس الادارة في البنك ريمون عودة، تم ترميم المبنى، ومن ثم تحويله الى متحف.

تشرح مديرة المتحف السيدة كارول عازار لـ«الشرق الأوسط» كيفية ولادة هذه الفكرة واهميتها التراثية والسياحية، فتشير الى انه «عندما اشترت عائلة عودة (نقولا وشكري وحنا) البناء من آل حمود عام 1880 ابقته معملاًً للصابون يؤمن انتاجاً لتلبية حاجات السكان المحليين والحمامات العديدة التي كانت قائمة في المدينة مثل حمام المير، وحمام الورد، وحمام السبع بنات، وحمام الشيخ، والحمام الجديد. وبعدما حظي هذا المعمل بشهرة كبيرة واضيفت طبقتان فوقه لسكن العائلة، بات يطلق على المحلة اسم حارة عودة المكونة من معمل الصابون القديم وبيت عائلة عودة، ومنازل خاصة بالمدينة القديمة بنيت في مراحل مختلفة، وهي تعكس بالتالي التنوع المعماري المميز لمدينة صيدا».

تضيف عازار: «لم يشأ ريمون عودة المصرفي الناجح الا ان يحافظ على ارث العائلة وتراثها، على عادته في دعم اية مبادرة تراثية او حرفية او ثقافية، فتحول بيت العائلة ومعمل الصابون الى متحف يروي تاريخ صناعة الصابون الحرفي وتقنياتها في منطقة المشرق من حلب الى نابلس، وتعاون في اخراجه الى حيز النور عالم الآثار والمهندس المعماري، والاختصاصي في تنظيم المتاحف، والحرفي، والصحافي، و«المعلم» و«الشغّيل» وكل من يملك آلة او جزءاً من آلة كانت تستخدم في صناعة الصابون البلدي».

وتروي مديرة المتحف «ان انتاج الصابون التقليدي عرف منذ قرون في لبنان وسورية وفلسطين، ولا يزال قائماً حتى يومنا هذا. وغالباً ما تقع معامل الصابون قرب مناطق زراعة الزيتون، سواء على الساحل، ام في داخل البلاد. ولعل اهم مركز هذه الصناعة حلب في سورية، طرابلس وصيدا في لبنان، ونابلس في فلسطين».

واذا كانت هذه المدن تستعمل المواد الاولية نفسها تقريباً (زيت الزيتون، العنصر القلوي او الرماد، الكلس المخمد، الماء، والمعطر غالبا ما يكون الغار، والنطرون الذي يعرفه العامة بالقطرون) فان كلاً منها كانت لها جبلتها الخاصة. فمدينة نابلس قام اقتصادها وشهرتها في القرن الثامن عشر على انتاجها من زيت الزيتون الذي كان ينقل الى مصر ودمشق والحجاز، وعلى صناعة الصابون حتى ان «الصابون النابلسي» كان دليلاً على علامة الجودة. وفي حلب لا تزال هناك عائلات تحافظ على هذه الصناعة التقليدية مثل آل زنابيلي وجبيلي ومقيد وفنسا. اما طرابلس فكان اساس تجارتها مع بقية ولايات الامبراطورية العثمانية يقوم في القرنين الخامس عشر والسادس عشر على الصابون المحلي وحرير الجبل. وفي القرنين السادس عشر والسابع عشر كانت طرابلس تصدر الصابون والرماد الذي كان يؤتى به من السهب في صحراء حماة وحمص على ظهور الجمال. وعشية الحرب العالمية الاولى كان في المدينة 11 معملاً تنتج 40 الف قنطار من الصابون يشحن ثلثاها الى الخارج. ولا تزال هناك عائلات عدة تعمل في هذه الحرفة مثل السبيتي، وعبد، والبابا، وقمر الدين، وعويضة، وبركة، وعدرة. واما صيدا فكانت تضم ثلاثة مصابن، الاقدم عهداً منها ترقى الى القرن السادس عشر وكان يملكها مفتي المدينة جلال الدين، والثانية يملكها ملك ماجد الخوري، والثالثة لآل عودة. ونشطت هذه المصابن مع تحول صيدا بعد عام 1660 الى محور تجاري رئيسي لجنوب بلاد الشام، حيث يشحن منها باتجاه فرنسا الزيت والرماد المادتان الاوليتان الضروريتان لصناعة الصابون، والصابون البلدي، بالاضافة الى السلع الاخرى كالقطن والحرير والخام والقمح التي كانت تصل مع القوافل من الارياف المحيطة بها.

وتستعمل مجموعة من المعطرات في صناعة الصابون البلدي الى جانب الغار، الورد، والخزامى، والقرفة، والياسمين وكبش القرنفل. وعادة يلجأ القرويون الى تعطير ما يصنعونه من صابون بواسطة النباتات التي تنمو في محيطهم الطبيعي.