رئيس اللوبي الإسرائيلي: سورية أوقفت المحادثات غير الرسمية لمصلحة تطوير قناة أساسية

الأسد: المفاوضات مع إسرائيل ستكون معلنة وعبر الطرف التركي

صورة ارشيفية تعود الى عام 1997 تظهر مواطنا سوريا يلوح بالعلم السوري قبالة هضبة الجولان السورية المحتلة (أ ف ب)
TT

كشف رئيس اللوبي الإسرائيلي للسلام مع سورية د. ألون لئيل، أمس، ان الحكومة السورية ألغت لقاءً كان معداً بين وفد سوري ووفد اسرائيلي غير رسمي، وذلك في ضوء التطورات الجديدة الايجابية بين الطرفين. وقال لئيل انه يعتقد ان السلطات السورية لم تعد ترى حاجة في محادثات غير رسمية، بعد أن بدأت الوساطة التركية تؤتي ثمارها.

وكان لئيل قد بدأ حواراً مع مجموعة من الأكاديميين السوريين في السويد ثم مع السفير السوري في واشنطن، ونظم له لقاء في احدى الدول الأوروبية مطلع الشهر القادم. لكن السوريين أبلغوه تأجيل اللقاء الى موعد غير محدد، وهو لم ير غضاضة في ذلك. وقال لئيل ان مهمته ورفاقه ستتركز حاليا على دعم وتشجيع أولمرت على التقدم في المفاوضات مع سورية وتجنيد لوبي أميركي يضغط على ادارة الرئيس جورج بوش كي لا تعرقل هذا المسار.

واعتبرت هذه الخطوة من دمشق تأكيدا على الرغبة في مفاوضات مباشرة. وحسب مصادر سياسية مطلعة، فإن تطورا جديدا سيحصل في القريب على صعيد المحادثات الاسرائيلية ـ السورية، ستعرف ماهيته خلال الزيارة التي سيقوم بها رئيس الوزراء التركي، رجب طيب اردوغان، في غضون الأيام المقبلة. وحسب تلك المصادر، فإن أردوغان لم يخطط للقدوم الى دمشق للمشاركة في المؤتمر الاقتصادي التركي ـ السوري الذي سيُعقد في دمشق، ولكنه قررَ المجيءَ إليه كغطاء لمواصلة الحديث عن استئناف المفاوضات بين البلدين.

وقالت هذه المصادر إن العقبة الوحيدة أمام استئناف المفاوضات اليوم هي في موقف الادارة الأميركية، المصرة على ان استئناف المفاوضات سيكون بمثابة حبل نجاة لسورية، التي تعاني من «ضائقة الاجراءات العقابية الأميركية بسبب النشاط السوري لدعم قوى الارهاب في العراق». ولكن تركيا ستحاول اقناع الادارة الأميركية بتغيير موقفها. بيد ان المصادر الاسرائيلية مقتنعة بأن هذه الجهود لن تنجح، وان استئناف المفاوضات لن يتم قبل انتهاء فترة الرئيس جورج بوش.

يذكر أن المحادثات غير الرسمية التي أجراها عدد من الشخصيات الاسرائيلية، برئاسة لئيل، من الجانب الاسرائيلي، والسفير السوري في واشنطن، عماد مصطفى، أسفرت عن صياغة مسودة اتفاق سلام بين البلدين. وحسب هذه المسودة، فإن اسرائيل ستنسحب الى حدود الرابع من يونيو(حزيران) 1967 وتعترف بالسيادة السورية عليها، ولكنها ستحتفظ بمكانة خاصة في الثلث الغربي من الهضبة، بحيث ستبقى المصالح الاقتصادية الاسرائيلية لفترة 5ـ 15 سنة، وستبقى بعض المستوطنات لخمس سنوات وسيتاح للاسرائيليين ان يدخلوا الهضبة من دون تأشيرة دخول، كما هو حال الاسرائيليين الذين يدخلون بعض المناطق في سيناء المصرية (شرم الشيخ وطابا) بموجب اتفاقيات كامب ديفيد. وسيكون الثلث الغربي من الهضبة بمثابة محمية طبيعية.

وأما في الجانب الأمني، فستكون هضبة الجولان ومنطقة جغرافية مساوية لها بالمساحة في الشمال الاسرائيلي (الجليل) منطقة منزوعة السلاح وستوضع نقطة إنذار مبكر فوق قمة جبل الشيخ، يديرها السوريون بمشاركة قوات أميركية ومراقبين اسرائيليين. وسيكون السلام كاملا، مع تبادل سفراء وعلاقات اقتصادية مفتوحة.

ويطالب أولمرت بالتوصل الى تفاهمات مع سورية أيضا في موضوع العلاقات الاقليمية، حيث انه يريد ضمانات ألا تواصل سورية تعاونها العسكري مع ايران وأن تغلق مكاتب حماس وغيرها من قوى الرفض الفلسطينية في دمشق وتوقف دعمها لحزب الله اللبناني.

وفي دمشق، قالت مصادر سورية لـ«الشرق الأوسط» حول ما يقال عن شروط جديدة للعودة إلى المفاوضات مع إسرائيل بخصوص السلام، إن موقف سورية معلن وهو «السلام العادل والشامل الذي يقوم على تنفيذ قرارات مجلس الأمن 242 و338 ومبدأ الأرض مقابل السلام».

وأشارت المصادر إلى أن الرئيس الأسد في اجتماع للجنة المركزية لحزب البعث، الأحد الماضي، تحدث عن إمكانية فتح حوار مع إسرائيل عبر طرف ثالث «ما دام هناك إطار متفق عليه والتزام إسرائيلي بانسحاب كامل» لكنه لا يقبل أن تكون هناك قنوات سرية وكل تطور يحصل في هذا الاتجاه سيتم الإعلان عنه. وعاد وأكد الأسد على ذلك في حوار له مع صحيفة «الوطن» القطرية سينشر كاملا الأحد القادم قائلا إنه «لن تكون هناك مفاوضات سرية مع إسرائيل، بل ستكون معلنة إن حصلت، ولن تكون مباشرة بل عبر الطرف التركي، وسنبحث أولا في موضوع استرجاع الأرض لنرى المصداقية الإسرائيلية، لأن علينا أن نكون حذرين ودقيقين في مناقشة هذا الموضوع، وربما مع إدارة مقبلة في الولايات المتحدة، نستطيع أن نتحدث بعد ذلك عن مفاوضات مباشرة». وأشار الأسد إلى «أن إسرائيل تطرح فكرة المفاوضات المباشرة، وهذه لها أسس مختلفة ونحن الآن لا نتحدث عن ذلك، ولكن نتحدث عن دور تركي. إنها وساطة تركية تقوم بنقل المعطيات والمعلومات الأساسية من أجل إيجاد أرضية مشتركة، وهذه تكون القاعدة لانطلاق مفاوضات مباشرة لاحقة». وأشار إلى أن «المفاوضات المباشرة بحاجة إلى راعٍ ولا يمكن أن يكون هذا الراعي سوى الولايات المتحدة مع كل أسف، ولكن هذا أمر واقع، فهذه الإدارة لا تمتلك لا رؤية ولا إرادة لعملية السلام إنها لا تمتلك شيئا».

وقال الأسد «أبلغني أردوغان استعداد إسرائيل للانسحاب من الجولان مقابل سلام مع سورية»، مضيفا أن «الوساطات بين دمشق وتل أبيب تكثفت بشكل أساسي بعد العدوان على لبنان صيف 2006، وبعد انتصار المقاومة، ولكن دخول تركيا على الخط منذ العام الماضي، وبالتحديد في شهر إبريل (نيسان) 2007، أثمر تفاصيل إيجابية جديدة، حيث أكد أولمرت لرئيس الوزراء التركي استعداده لإعادة الجولان. وتلقينا هذا الخبر منذ أسبوع. وبعد ذلك، سمعنا تصريحاً لأولمرت يقول فيه: «نحن نعرف ماذا تريد سورية، وهي تعرف ماذا نريد». وأكد الأسد: «أن ما نحتاج إليه الآن هو إيجاد الأرضية المشتركة من خلال الوسيط التركي».

وديعة رابين

* ما أصطلح على تسميته «وديعة رابين»، هو تعهد قدمه رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين، في شهر يونيو (حزيران) من سنة 1994 الى وزير الخارجية الأميركي وورن كريستوفر، وفيه يعرب عن موافقته على الانسحاب من الأراضي السورية التي احتلت عام 1967، مقابل علاقات ثنائية ودبلوماسية كاملة وضمانات أمنية مريحة لاسرائيل.

وقد سبق اعطاء هذه الوديعة وأعقبها العديد من التطورات، اللافتة:

لقد بدأ اهتمام الإدارة الأميركية بالسلام الاسرائيلي السوري في الولاية الأولى للرئيس بيل كلينتون، فأرسل وزير خارجيته وورن كريستوفر، الى كل من القدس ودمشق في عدة جولات مكوكية، بدأت في شهر أغسطس (آب) 1993 ورافقه فيها المساعد الخاص لشؤون الشرق الأوسط، دنيس روس. ففي هذا الموعد أبلغ كريستوفر الرئيس الراحل حافظ الأسد، ان رابين مستعد للانسحاب الكامل من هضبة الجولان، مقابل علاقات تطبيع كاملة بين البلدين وضمانات أمنية. لكن الرئيس الأسد لم يتقبل الرسالة بارتياح، وأرسل الى رابين سؤالين: هل الانسحاب الكامل هو الى حدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967؟ وأية ضمانات أمنية يريد. وخلال الجولات المتلاحقة فيما بعد، اتضح ان رابين يتحدث عن الانسحاب الى الحدود الدولية، التي كانت قد أقرت في اتفاقيات سايكس بيكو، وما أعقبها من رسم للحدود في سنة 1923. والفارق بين هذه الحدود وبين حدود 1967، ان الأخيرة توصل السوريين الى بحيرة طبريا، بينما في الأولى لا يوجد لهم شيء في البحيرة. وقد رد الأسد بغضب على الاقتراح وقال: «ان رابين يريد أن يحدد لنا الحدود الامبريالية». ورفض الأسد اقتراحا آخر لرابين حول الضمانات الأمنية، يقضي بتقسيم سورية الى 4 مناطق جغرافية، الأقرب الى اسرائيل تكون منزوعة السلاح ومنطقة أخرى توجد فيها قيود على القوات المسلحة، كما هو الحال في اتفاقيات كامب ديفيد مع مصر، والثالثة يكون فيها وجود محدود للأسلحة الثقيلة، ومنطقة رابعة قريبة من الحدود العراقية تتركز فيها معظم القوات السورية. وقال الأسد ساخرا: «رابين يريد أن أخلي له الأراضي السورية، حتى يتمكن من اجتياحها متى يريد». في نهاية هذه الجولات، وتحديدا في 24 من مايو 1995، توصل السوريون والاسرائيليون الى وثيقة غير ملزمة «non paper»، يتضح منها ان رابين تراجع عن الاقتراحات المسيئة التي رفضها الأسد، وتوصلا الى الانسحاب الكامل مقابل سلام كامل، وضمانات أمنية بواسطة اعلان الجولان منطقة منزوعة السلاح، ومقابلها يتم نزع منطقة جغرافية مساوية في اسرائيل. واتفق على ان يكون التعهد بالانسحاب الى حدود 1967 شفهيا وغير مكتوب. ولكن، أمام الإصرار السوري، اقترح الأميركيون أن يكتبوه باسمهم كوديعة محفوظة في جيب الرئيس كلينتون، لكن رابين اعترض على ذلك. ومع هذا، فقد صاغ الرئيس كلينتون هذا التعهد، في رسالة بعث بها الى الأسد، يوم 6 يونيو 1995، وذلك مع بدء المفاوضات المباشرة بين سورية (رئيس أركان الجيش، حكمت الشهابي) واسرائيل (رئيس اركان الجيش، أمنون لفكين شاحك). والسبب في هذه الرسالة يكمن في طلب رابين عدم ابلاغ الشهابي أو شاحك بأمر حدود الانسحاب، لأن ذلك سيسبب له مصاعب ائتلافية داخلية في اسرائيل. فبعث كلينتون بالرسالة وجاء فيها: «كما سبق وقلت لك في دمشق وقلت لوزير خارجيتك، فإنني أبلغك أنه يوجد في جيبي التزام من رئيس الوزراء رابين، بالانسحاب الى حدود الرابع من يونيو 1967 في اطار اتفاق سلام كامل وآمن». المعروف ان رابين قد قتل، وهو في عز المفاوضات. ولم يكن يعرف في اسرائيل بأمر هذه الوديعة سوى رئيس طاقمه، ايتمار رابينوفتس. وعندما تسلم مكانه في رئاسة الحكومة، شمعون بيريس، أبلغه كلينتون بتلك الوديعة، فوافق عليها من دون تحفظ. الأمر الذي جعل كلينتون يتحمس ويتصل مباشرة بالرئيس السوري ويبلغه بذلك. لكن بيريس لم يشدد على الاجراءات الأمنية بقدر تشديده على ترتيبات التعاون الاقتصادي.