هل يلاحق «النحس» المشاريع البريطانية العملاقة؟

أزمة «الصالة الخامسة» في مطار «هيثرو» أحدث الأمثلة.. فيما يعود أقدمها لزمن الرومان

تسببت «أزمة» الصالة الخامسة بإلغاء مئات الرحلات ومشاكل مع 15 ألف حقيبة سفر (أ.ف.ب)
TT

في آخر المستجدات المتعلقة بـ«أزمة» الصالة الخامسة («تيرمينال 5») بمطار «هيثرو» اللندني، أعلنت الخطوط الجوية البريطانية (بريتيش إيرويز) أنها ستؤجل نقل إدارة الصالة لجميع رحلاتها الطويلة إلى هذه الصالة الجديدة حتى شهر يونيو المقبل. النقلة كان يفترض أن تتم في نهاية شهر إبريل الجاري، إلا أن ما يبدو هو أن الخطوط الجوية البريطانية، وهي المستخدم الحصري للصالة الجديدة، تريد «خدمة جيدة يمكن ضمانها عندما تبدأ الصالة بالتعامل مع عدد اكبر من المسافرين»، بحسب ما قال ويلي والش الرئيس التنفيذي للخطوط الجوية البريطانية مؤخرا. وكانت أزمة الصالة الخامسة بمطار «هيثرو» قد بدأت الشهر الماضي، فعلى الرغم من الاهتمام الإعلامي والرسمي الذي تمثل بحضور الملكة إليزابيث شخصيا لافتتاح الصالة، فقد تعثر المشروع الذي كلف نحو 4.3 مليار جنيه إسترليني لبنائه، مما تتسبب بذهاب 15 ألف حقيبة سفر في الاتجاه الخاطئ، وإلغاء مئات الرحلات. وكان يفترض أن تكون «الصالة الخامسة» مثالا يُحتذى من جهة التنظيم والتقنية، فهو يتمتع بـ96 منصة لإنهاء معاملات السفر، ونظام إدارة للحقائب يعمل بالكمبيوتر و112 متجرا، لكن يبدو أن الأعطال التقنية كانت، لسوء الحظ، بالمرصاد. إلا أن «الصالة الخامسة» ليست المشروع العملاق الأول الذي يواجه أقدارا سيئة في بريطانيا، ففي السنوات الأخيرة بدا، أنه كلما كبر المشروع الذي يتم تشييده، ساء حظه، وعلى كل يبدو أن البريطانيين متأقلمون مع الأزمات فيما يخص مشاريعهم، فهم في النهاية غالبا ما ينجحون في إتمام العمل. ولا عجب في ذلك التأقلم مع الأزمات، عندما تعلم أن إحدى أكثر أغاني الأطفال شعبية، هي الأنشودة الشهيرة London Bridge is Falling Down (جسر لندن يسقط)، والتي يقول المؤرخون إنها متعلقة بدورها بجسر لندن التاريخي، الذي بني لأول مرة من الطين والخشب، واعيد بناؤه مرارا على مر آلاف السنين بعد احتلال المدينة من قبل الرومان، وهجمات الفايكينغ، وغيرها قبل أن يتم بناء آخر «جسر لندن» في الستينات من القرن الماضي، وفيما يلي نستعرض مشاريع حديثة تعرضت بدورها لنصيبها من «النحس»: «عين لندن»

* على سبيل المثال، تعرض مشروع بناء ما يعرف اليوم بـ«عين لندن» أو London Eye كما يعرف بالإنجليزية (وهي عجلة عملاقة على نهر «التيمز» تمّكن راكبي مقطوراتها من رؤية معالم لندن كافة من الأعلى) إلى مجموعة عقبات، من ضمنها انقطاع أحد الكوابل المخصصة لرفع العجلة، وهو ما حدث بعد انتهاء بنائها مباشرة ومحاولة رفعها وتثبيتها أول مرة، ما أدى إلى سقوط العجلة وبقائها معلقة في زاوية حادة، وهذا الحدث دفع وسائل الإعلام البريطانية، التي لا تفوت فرصة إلا وتوجه فيها الانتقادات اللاذعة لإطلاق لقب عجلة الـ«لا حظ» على المشروع، وفي ذلك لعب على مصطلح «عجلة الحظ» Wheel of Fortune الشائع بالإنجليزية. إلا أن المشاكل التقنية ليست وحدها التي واجهت هذا المشروع، فـ«عين لندن» تسمى كذلك باسم «عجلة الألفية» لأنها كانت من ضمن المشاريع التي أقيمت من أجل احتفال العاصمة البريطانية بدخول عام 2000، وكان يفترض أن تكون جاهزة بالكامل مع آخر يوم من عام 1999 كي يتمكن رئيس الوزراء (في ذلك الوقت) توني بلير من ركوبها مع مجموعة من كبار الشخصيات، لكن فحصا للسلامة أظهر أن العجلة لم تكن جاهزة، فتم الاكتفاء بقيام بلير بتشغيلها تلك الليلة. إضافة إلى ذلك، عانى المشروع من مشاكل مالية، إضافة إلى جدل حول ايجار الأرض التي أقيم عليها، لا سيما أن المشروع كان «مؤقتا» لفترة، قبل أن يتعهد عمدة لندن كين ليفينغستون بإبقائه في لندن عام 2005. يذكر أن العجلة كانت الأكبر من نوعها في العالم عام 2006، وحاليا انتقل اللقب الى عجلة «سنغافورة فلاير» في سنغافورة. استاد ويمبلي

* لعله أشهر استاد في العالم، فهذا الاستاد العريق يعود لعام 1923 ولكنه خضع مع دخول الألفية الثالثة لعملية هدم واعادة بناء بالكامل، تعرضت بدورها لعراقيل عدة مما استدعى تأجيل انتهاء الأعمال في الملعب لفترة طويلة. وكانت عملية إعادة البناء مخططا لها أساسا قبل فترة أعياد الميلاد عام 2000، وأن ينتهي العمل خلال عام 2003، لكن العملية بأكملها أجلت بسبب صعوبات مالية وقانونية لتنتهي في مارس 2007 بتكلفة قدرها نحو مليار جنيه استرليني، بعد ان كانت التكلفة المقدرة اساسا نصف ذلك. وكان التأخير بدأ منذ عام 2003 حين حذر بانو القوس الشهير الذي يزين الملعب اليوم، شركة «كليفلاند بردج»، من تصاعد التكلفة وتأخر العمل لأكثر من سنة بسبب تغيير في التصميم لم توافق عليها شركة «مولتيبليكس» (الأسترالية) المشرفة على المشروع. وفي 20 مارس 2006 سقط جزء فولاذي من السقف مجبرا 3000 عامل على مغادرة الاستاد، ومتسببا بمزيد من القلق حول انتهاء المشروع في الوقت المحدد، كما عانى المشروع من مشاكل في شبكة التصريف الصحي، وفي نهاية مارس من تلك السنة أعلن ان المشروع لن يجهز حتى 2007 مما تسبب بالغاء الحفلات والمسابقات التي كان يعتزم اجراءها في الاستاد ونقلها لمكان آخر، ولم يتم تسليم المشروع حتى مارس 2007. يذكر أن تطوير استاد ويمبلي كان جزءا من المشاريع المعتمدة التي دخلت ضمن اختيار العاصمة البريطانية لندن لتحتضن الألعاب الأولمبية في عام 2012. وتتجه الأنظار الآن الى مشروع المدينة الأولمبية شرق لندن التي يفترض ان تكون جاهزة قبل ابتداء الدورة، ولكن تزداد الشكوك حوت تمكن انجاز المشروع في الوقت المحدد.

قبة الألفية

* يعيش هذا المشروع أفضل أيامه تحت مسماه الجديد «ذا أو تو» (نسبة إلى شركة الاتصالات الخليوية The O2 التي اشترت حق تسمية المبنى بواقع 6 ملايين جنيه استرليني سنويا)، حيث يكاد لا يخلو من الزوار وأصبح المكان المفضل لإقامة حفلات نجوم الغناء من وزن مادونا، والـ«سبايس غيرلز» وجورج مايكل وسيلين ديون وفرقة بون جوفي، وكذلك يتم التفاوض حاليا مع ملك موسيقى البوب نفسه مايكل جاكسون، ليؤدي مجموعة حفلات في هذه الصالة. لكن بداية «قبة الألفية» كما كان يطلق عليها عندما افتتحت في الأول من يناير عام 2000 لا تشبه حالها اليوم على الإطلاق، فهذا المشروع مني بكارثة «علاقات عامة» ليلة افتتاحه لكبار الشخصيات والصحافيين، وكذلك انتقد المشروع بعد انتهاء فعالية «تجربة الألفية» التي كانت عبارة عن معرض ضخم نظم مع بداية الألفية الثالثة حين بدأت الصحافة تسأل الحكومة عما سيحدث بالصالة بعد انتهاء ذلك الحدث؟ ولأن الأمر لم يكن مخططا جيدا، فقد بقيت القبة مغلقة لست سنوات بعد انتهاء معرض «تجربة الألفية»، تعالت الانتقادات خاصة أن المشروع كلف 800 مليون جنيه لإتمامه، وكلف دافعي الضرائب 190 ألف جنيه استرليني سنويا لأعمال الصيانة. النجدة جاءت من شركة الترفيه والرياضة الأميركية العملاقة «أي.آي.جي» (مالكة فريق «ال.اي.غالاكسي» الذي يلعب ضمنه نجم الكرة ديفيد بيكهام)، التي اشترت المشروع وحولته لتديره بنجاح وتحوله الى وجهة تريفيهية بارزة في لندن خلال العامين الماضيين. نافورة الأميرة ديانا التذكارية

* على الرغم من أن هذا المشروع لم يكن عملاقا، مقارنة بالأمثلة السابقة، إلا أنه ذو أهمية معنوية قصوى، وما حدث هو انه بعد افتتاح هذه النصب التذكاري في حديقة «هايد بارك» في يوليو عام 2004، اضطر القائمون عليه الى اغلاقه لشهر كامل، بعد حصول حوادث بسببه. وكانت فكرة التصميم اساسا تعكس كون الأميرة الراحلة ديانا أميرة عصرية، وسهل الوصول اليها، لذلك كان الناس أحرارا في الدخول الى النافورة والاستمتاع بها، لكن نقل 3 اشخاص إلى المستشفى، بعد تزحلقهم بسبب المياه تسبب بإغلاق النافورة حتى أغسطس من العام نفسه، ليتم تركيب سور حوله، ومن ثم منع الناس من المشي والجري داخل المياه. من جهة ثانية، وقع مشكل آخر متعلق بالحشيش المجاور للنافورة الذي كاد يختفي، وبدأت مخاوف من هطول أمطار كثيفة (وهو وارد لكون الطقس الإنجليزي لا يمكن التنبؤ به) التي ستدمر المنظر العام، لذلك بدأ تعديل في ديسمبر 2004 بحيث تم الاشتغال على تصريف المياه، مع تركيب ارضية يابسة على معظم الاراضي المحيطة بالنافورة.