بلغت حصيلة الحريق، الذي اندلع أول من أمس بأحد معامل صناعة الأفرشة بالدار البيضاء، عاصمة المغرب الاقتصادية، حتى صباح أمس، 55 قتيلا و17 جريحا، وفق ما ذكره مصدر رسمي بولاية (محافظة) الدار البيضاء الكبرى. وأوضح المصدر ذاته أن 11 شخصاً من أصل 17 من المصابين بحروق وجروح متفاوتة، غادروا المستشفى بعدما تلقوا العلاجات الضرورية في الوقت الذي لا يزال الستة المتبقون تحت المراقبة الطبية.
وتواصلت أمس عملية التعرف على هوية الضحايا تحت الإشراف المباشر للنيابة العامة، وذلك من خلال أفراد عائلاتهم والمصالح الطبية والأمنية المختصة، فيما تباشر الشرطة العلمية جميع التحريات اللازمة للكشف عن هوية الجثث التي لم يتم التعرف عليها بعد. وأكد المصدر الرسمي أنه سيتم الإعلان لاحقا عن مختلف التطورات المرتبطة بهذا الحدث المأساوي.
وذكر مصدر في الوقاية المدنية أن الحريق اندلع حوالي الساعة الحادية عشرة صباحا بمصنع «روزامور للتجهيزات المنزلية» الواقع في منطقة ليساسفة الصناعية (محافظة مقاطعات الحي الحسني في ولاية الدار البيضاء)، والذي يتكون من أربعة طوابق، وكان يشتغل فيه 100 عامل وعاملة لدى اندلاع الحريق.
وللسيطرة على الحريق، عبأت الوقاية المدينة حوالي 100 رجل إطفاء و7 شاحنات إطفاء الحريق، وخمس سيارات إسعاف. وانتشر الحريق بسرعة فائقة في مختلف أجزاء المصنع، وذلك بحكم طبيعة المواد الاسفنجية والكيميائة. ولم تتم السيطرة عليه إلا بعد مرور أكثر من أربع ساعات. ولقيَّ رجال الإطفاء صعوبة كبيرة في التحكم بالحريق، وإنقاذ العمال الذين علقوا داخل المصنع، ذلك أن كل نوافذ المصنع كانت مغلقة بقضبان حديدية، بينما اغلقت أبواب مختلف مرافقه بإحكام.
وقال مصطفى الطويل، قائد الوقاية المدنية بالدار البيضاء، إن غياب أبسط إجراءات السلامة، وعدم وجود منافذ لإخلاء المصنع، بالإضافة إلى الكميات الكبيرة للمواد القابلة للاشتعال الموجودة داخل المصنع (خشب وأثواب وإسفنج ومواد لاصقة ومواد كيماوية سائلة شديدة الاشتعال)، كلها عوامل زادت من حدة الكارثة، وجعلت عملية الإنقاذ صعبة للغاية.
وحول أسباب الحريق، قال الطويل إن التحقيق وحده سيكشف عن اسبابه الحقيقية، لكنه رجح أن يكون تماس كهربائي خلف الحادث.
وقال شهود عيان إن رجال الإطفاء وصلوا إلى مكان الحادث، بعد مرور ساعة على اندلاع الحريق، ووجدوا صعوبة في العثور على مصدر (منبع) للماء. وتمكن بعض العاملين من النجاة عبر سطح البناية. وقالت إحدى الناجيات: «كنت في الطابق الثالث حيث ورشة الخياطة التي يعمل فيها زهاء 40 شخصا جلهم من النساء. وفي نحو الساعة الحادية عشرة، صعدت عاملات من الطابق السفلي حيث ورشة النجارة، وهن يصرخن بأن حريقا شب في الاسفل. فهربنا إلى الأعلى».
وأضافت العاملة أن عدد الذين استطاعوا الوصول إلى سطح العمارة لم يتجاوز العشرة، ثلاثة نساء وسبعة رجال.
وفي سطح المبنى، واجه الفارون من النار السقف القصديري، ذلك أن صاحب المصنع كان يخطط لتحويل السطح إلى مطعم. ومن حسنِ حظهم أن عمال البناء الذين اشتغلوا قبل أيام في إعلاء جدار السطح، وتسقيفه، تركوا سلماً وحبالا استعان بها الفارون للنزول إلى سطح العمارة المجاورة. وقال أحد الناجين ان أشغال توسعة المصنع عبر بناء الطابق الرابع ثم الطابق الخامس، عبر إعلاء جدران السطح، وتغطيتها بالزنك (القصدير)، تمت بشكل غير قانوني، ذلك ان أشغال البناء كانت تتم ليلا.
وفي عمارة مجاورة للمصنع، والتي توجد في المراحل الأخيرة من البناء، تمكن مواطنون متطوعون من إحداث ثقب في الجدار الفاصل بين العمارتين لمساعدة العالقين داخل البناية الملتهبة، بيد انهم لم يتمكنوا من إنقاذ أحد. وقال أحد المتطوعين: «كان العمال يصرخون ويطلبون النجدة من النوافذ في الطابق الثالث، وصعدنا للطابق الموازي في العمارة المجاورة، وحطمنا الجدار. لكننا للأسف وصلنا متأخرين. فما أن فتح الثقب في الجدار حتى لفحنا اللهيب ورائحة الأجساد المحترقة». وتواصلت عمليات الإنقاذ طوال الليلة قبل الماضية، وصباح أمس حيث استعانت عناصر الوقاية المدنية بالكلاب المدربة للبحث وسط الأنقاض عن جثث ضحايا.
وعاينت «الشرق الأوسط» في المستشفى حالتي شخصين قفزا من الطابق الثالث للمبنى المنكوب، بعد أن حاصرتهما النيران، اذ تمكنا من النجاة بعد إصابتهما بكسور ورضوض، وقال أحدهما «إن الإصابة بكسور أفضل من الموت متفحماً بالنيران». وخلال تدخل رجال الوقاية المدنية لإخماد الحريق اصيب أربعة منهم باختناق بعد استنشاقهم للدخان السام الناتج عن الحريق، الامر الذي استدعى نقلهم إلى المستشفى لتلقي العلاج.
وحلت الشرطة العلمية بمكان الحادث للبحث في أسباب الحريق وتحديد المسؤوليات بعد الاتهامات التي وجهتها عائلات الضحايا إلى صاحب المعمل؛ ضمنها قيامه بإغلاق الأبواب بأقفال إلكترونية، وهو ما أدى إلى محاصرة ذويهم داخل المصنع المنكوب.
وكان العاهل المغربي، الملك محمد السادس، قد أعطى، على إثر هذا الحريق المفجع، تعليماته للسلطات المركزية والمحلية لاتخاذ جميع التدابير اللازمة لإسعاف الضحايا ومواساة عائلاتهم، مع تعبئة طاقات المستشفيات المتوفرة على مصالح متخصصة في علاج المحروقين، بما فيها المستشفى الجامعي ابن رشد، والمستشفى العسكري محمد الخامس بالرباط، قصد معالجة المصابين في أحسن الظروف. ومن جهته، اكد شكيب بنموسى، وزير الداخلية، الذي انتقل إلى مكان الحادث أن وكيل الملك (النائب العام) اعطى تعلمياته لفتح تحقيق معمق وشفاف حول أسباب هذه الكارثة. وأضاف أن التحقيق سيحدد أسباب الحريق، والمسؤوليات في ما يتعلق بظروف العمل واحترام تدابير السلامة. وأبرز بنموسى أن عناصر الوقاية المدنية لم يتمكنوا من إخماد الحريق إلا بعد ساعات من الجهود، وذلك نظرا لطبيعة المواد سريعة الاشتعال الموجودة بالمعمل. وقال: «سنقدم في الوقت الراهن دعمنا ومواساتنا لأسر الضحايا، ومساندتنا للمصابين، تنفيذا للتعليمات الملكية». وأبرز بنموسى أنه سيتم، استنادا إلى التحقيق في هذا الحادث، اتخاذ جميع التدابير والإجراءات الضرورية لتفادي تكرار مثل هذه الحوادث.
إلى ذلك، قدم عبد العزيز بلخادم، الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الجزائرية، لدى وصوله أمس إلى طنجة (شمال المغرب)، للمشاركة في احياء الذكرى الخمسينية لمؤتمر أحزاب المغرب العربي، التي ينظمها كل من حزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المغربيين، تعازي الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، وتعازي الشعب والحكومة الجزائريين إلى الشعب المغربي، على إثر الحريق.