صرح وكيل وزير الخارجية السويدي فرانك بيلفراج، بان بلاده قررت استضافة مؤتمر «العقد الدولي» بين العراق والامم المتحدة في 29 مايو (ايار) المقبل، لأن بلاده مقتنعة بأنه يجب دعم العراق «والنظر الى الامام» بدلاً من التمسك بالخلافات حول حرب عام 2003. واضاف في لقاء خاص مع «الشرق الاوسط»: «اننا وصلنا الى ما وصلنا اليه، والآن علينا جميعاً ان نظهر التزامنا وانشغالنا وتضامننا مع العراق»، مشدداً على اهمية الدور الاكبر الذي تلعبه الامم المتحدة في العراق. ولفت الى ان هناك حاجة الى تضامن اكبر مع العراق على الصعيد الانساني، وخاصة اللاجئين العراقيين، لافتاً الى ان بلدة سويدية صغيرة هي سودريتلا، استقبلت عددا من اللاجئين العراقيين اكبر من العدد الذي استقبلته الولايات المتحدة وكندا معاً. وفي ما يلي نص الحوار:
* اعلنت السويد انها قررت استضافة لقاء «العقد الدولي» للعراق في مايو (أيار)، كيف تم اتخاذ هذا القرار؟
ـ بدأ ذلك في نهاية الصيف الماضي وبداية الخريف، عندما قرر وزير الخارجية السويدي كارل بيلدت الذهاب الى بغداد ليرى الامور بنفسه وبدعوة من (وزير الخارجية العراقي) هوشيار زيباري. تزامن ذلك مع زيارة وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير الى بغداد. وشعرت دولتانا وحكومتانا بأنه من الضروري ان تظهر اوروبا والامم المتحدة المزيد من الالتزام تجاه العراق ورفع حضورهما. وكانت الفكرة أننا لن ننظر الى الخلف، بل ننظر الى الامام. واردنا ان نرى تنمية ومصالحة وتطورات سلمية في العراق. هذا تفكيرنا. وسألنا امين عام الامم المتحدة بان كي مون ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في بداية ابريل (نيسان) اذا كنا مستعدين لاستضافة المؤتمر الذي سيراجع ما تقرر في شرم الشيخ قبل عام ووضع الاطار لرؤية التقدم في العراق. وقد فكرنا بالامر، وبالطبع التحدي كبير جداً، فكان لدينا 6 اسابيع للتحضير لاجتماع دولي كبير مع عدد من الوفود وحضور أمين عام الامم المتحدة ورئيس الوزراء المالكي ووزراء خارجية الكثير من الدول. اعتبرنا ذلك امراً مهماً واردنا ان نظهر التزامنا تجاه العراق ودعمنا لتنميته ورأينا ايضاً ان التوقيت مناسب. فكان هناك قرار مجلس الامن 1770، وهذا عامل جديد، وجاء بعد لقاء شرم الشيخ، كما ان لدينا ممثلا خاصا لامين عام الامم المتحدة ستيفان دي ميستورا، وهو نشيط جداً، كما انه صدفة نصف سويدي ونصف ايطالي، ويقوم بعمل ممتاز. هذا الاجتماع يتزامن مع جهودنا لتوسيع دور الامم المتحدة في العراق، كنا نشعر بأن هناك تقدما في العراق وأمنه. فنرى ان هناك عوامل عدة تتقارب وتظهر أنه من الممكن ان مشاركتنا ستساهم في تقوية العملية تجاه المصالحة.
ولكن كل ذلك يعتمد على عدد من العوامل، بما فيها استعداد الحكومة لشمل كل الاطراف، كي نرى تطور عملية مصالحة حقيقية، كما يعتمد على وجود ميزانية وخطة تنمية تشمل كافة اطراف العراق، بالاضافة الى تعهد من البنك الدولي والامم المتحدة لمساعدة العراق على ايجاد طريق التنمية. وكل هذا ممكن ولكن علينا ان نرى التقدم، فكل العوامل متوفرة ولكن يجب انتقالها الى عمل ملموس. قول ذلك اسهل من تطبيقه، ولكننا نؤمن بأنه من الممكن تطبيقه والحكومة السويدية تريد المساعدة في هذه العملية. ولكل هذه الاسباب قلنا نعم، السويد ستكون سعيدة باستضافة المؤتمر.
* نرى دورا اكبر للسويد وفرنسا، واوروبا بشكل عام في العراق بعد 5 سنوات من الحرب. هل تشعر بأن اوروبا تقدمت الى الامام بعد الخلافات التي نتجت عن قرار الحرب؟
- سأقول نعم، لهذا السبب قلت اننا لا ننظر الى الخلف بل الى الامام. اننا وصلنا الى ما وصلنا اليها والآن علينا جميعاً ان نظهر التزامنا وانشغالنا وتضامننا مع العراق – علينا النظر الى الامام.
* تنتهي ولاية ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش بنهاية هذا العام، الى اية درجة تساهم نهاية ولاية هذه الادارة في جعل اخرين يعملون بتقارب اكبر مع العراق؟
- من الصعب الاجابة على ذلك. اشعر بأنه بغض النظر عن نهاية ولاية الادارة الحالية أو من سيكسب الانتخابات الرئاسية المقبلة، ستبقى هناك مصلحة اميركية والتزاماً (في العراق). ومن الواضح اننا نتحول من مرحلة القوات المتعددة الجنسية الى اتفاقية ثنائية بين العراق والولايات المتحدة مستقبلاً، في ما يخص الأمن. ولكن بالطبع، تغيير الادارة دائماً يطرح علامات استفهام في ما يخص تغيير السياسة، ونرى ذلك في كل الحكومات. وعلينا الانتظار لرؤية ما سيحصل.
* ما اهمية مشاركتكم في الاجتماع الموسع لوزراء خارجية الدول المجاورة للعراق في الكويت، وهل حصلتم على تعهدات من الوفود المشاركة بالنسبة للاجتماع في ستوكهولم؟
- كان الاجتماع مهماً جداً للسويد، ونحن نقدر دعوة حكومة الكويت لنا ودعوة العراق والامم المتحدة لنا. لقد التقينا بعدد من اللاعبين الاساسيين للاستعداد للاجتماع المقبل. لقد اثارني النقاش الذي دار (في الكويت) الذي اظهر تقارب وجهات النظر حول الطريق الى الامام بالنسبة للعراق وهذا امر مشجع جداً.
* هل ستساهمون في تحديد من يدعى الى اجتماع ستوكهولم؟
- العراق والامم المتحدة سيرسلان الدعوات الى اعضاء الامم المتحدة ولكننا مسرورون بالتواصل مع الوفود التي ستأتي الى السويد.
* ما عدد الدول التي قالت انها ستحضر؟
- لا نعلم بعد، ولكن في شرم الشيخ كان حوالى 80 وفداً.
* ما هي الانجازات الملموسة التي ترغبون في تحقيقها في اجتماع العقد الدولي؟
- اتصور ان الانجازات الملموسة تعتمد على شعور المجتمع الدولي بأن هناك تقدما حقيقيا في العراق، من الناحية السياسية من خلال المصالحة ومن الناحية الاقتصادية من خلال توزيع الثروات وتوفير العمل والبنى التحتية والكهرباء والتقدم في اصدار قانون النفط واثبات ان هناك تقدما لاجراء انتخابات المحافظات في موعدها المقرر في الأول من اكتوبر (تشرين الاول) المقبل. ونأمل ايضاً في ان تقدم الامم المتحدة خططها للتنمية البشرية كي نرى ما يخطط له العراق والامم المتحدة لنرى المشاريع الملموسة. اننا نوفر الاطار ونريد ان نساعد، ولكن في نهاية المطاف الحكومة في العراق هي التي تملك مشروع العقد الدولي مع الامم المتحدة. هما في كرسي القيادة.
* هل انتم متفائلون باصدار قانون النفط قبل الاجتماع؟
- نعم، ولكن لا ادري ما اذا سيكون كل شيء جاهزاً بحلول نهاية مايو ولكني ارى تقدماً وهناك سبب للتفاؤل.
* ما هي مصالح السويد في استقرار العراق؟ بالطبع هناك نوايا حسنة ولكن الدول تعمل على المصالح الوطنية...
- اننا نعيش في عصر العولمة وعالم تعتمد الدول على بعضها البعض. ما يحصل في العراق ومنطقة الشرق الاوسط يؤثر علينا جميعاً. هناك جانب امني وجانب متعلق بالاقتصاد والطاقة. اليوم، العالم غير منقسم ولا توجد حواجز بين الدول، هناك اندماج هائل. ومن مصلحتنا الشخصية المساعدة وان نسير الى الامام تجاه المصالحة والسلام والازدهار والتنمية. كما اننا مهتمون كثيراً في قضايا حقوق الانسان. التطورات السلمية في العراق ستساعد وضع حقوق الانسان، وهو امر نهتم به كثيراً.
* ولكن لماذا تشعرون بأن الوقت مناسب الآن للانشغال بالعراق؟
- هناك عوامل عدة. كان قرار الامم المتحدة مهماً جداً، فنحن مؤمنون جداً بالقانون الدولي. هناك ايضاً اجماع يتنامى بين الشركاء بأن علينا العمل معاً وبالاجماع، كما ان هناك وعيا متزايدا بأنه لا توجد حلول عسكرية. الامر يحتاج الى وقت ولكن علينا التوصل الى حل سياسي ونضوج. لقد جاء الفرصة لنا الآن، كان من الممكن ان تأتي قبل 6 اشهر أو بعد 6 اشهر ولكن دعانا الامين العام للامم المتحدة الآن فلبينا دعوته.
* لقد ساعدت السويد العراق من جانب اخر وهو جانب استقبال اللاجئين الذي وصل عددهم الى 18500 خلال العام الماضي فقط. لقد استقبلتم لاجئين اكثر من دول اوروبية اخرى والولايات المتحدة. كيف يؤثر ذلك على علاقاتكم مع العراق؟
- انه امر مهم جداً، هناك 150 الف عراقي في السويد الآن وذلك يخلق روابط بين البلدين. اما بالنسبة الى سياستنا تجاه اللاجئين، هذا امر يعود الى تاريخنا الطويل في ما يخص الانفتاح والتضامن والحاجة الى جانب انساني في السياسة. كلما كانت هناك ازمة في العالم، فتحت حدود السويد، فكان الناس يأتون الينا من فيتنام وكمبوديا ولاوس في السبيعينات (من القرن الماضي)، كما جاءنا اللاجئون من يوغوسلافيا السابقة خلال حروب البلقان والآن يأتي الينا الناس من العراق. هذا امر يعود الى التراث السويدي فنحن نشعر انه واجبنا. قد يبدو الامر ساذجاً بعض الشيء ولكن الرأي العام السويدي يدعم سياستنا. كنا نأمل بأن نرى المزيد من تحمل الاعباء على النطاق الدولي، فقد استقبلنا عددا غير قليل وكنا سعداء بذلك ولكن شعرنا بأنه بإمكان دول اخرى تحمل المزيد من العبء. ولكن بالطبع بما اننا نرى التوجه الى جو سلمي اكثر ويتسم بالمصالحة في العراق، سنرى تباطؤ سير اللاجئين وسيحن عدد من الذين جاءوا الى السويد الى العودة الى وطنهم وسيعودون ويساهمون في اعادة الاعمار. العراق بلد غني واي شخص يعود اليه سيكون له مستقبل زاهر.
* هل هناك وعي اكبر بقضية اللاجئين والحاجة الى تحمل الاعباء من دول اخرى؟
- نعم هناك وعي متزايد، ولكن ليس بصورة كبيرة. هناك بلدة سويدية صغيرة باسم سودريتلا (فيها 82 الف نسمة) ولديها عدد كبير من المواطنين العراقيين. وفوجئنا بأن الكونغرس الاميركي طلب من عمدة سودريتلا المشاركة في جلسة استماع له قبل اسبوعين. واراد الكونغرس معرفة ما تقوم به البلدة ولماذا (تستقبل العراقيين) وكيف سارت الامور. وشرح العمدة كل ذلك ولكن انتهز الفرصة ايضاً للحديث عن المشاركة في تحمل الاعباء. فقد استقبلت بلدة سودريتلا لاجئين عراقيين بوحدها اكثر من الاعداد التي استقبلتها الولايات المتحدة وكندا معاً. ثلث سكان سودريتلا اليوم هم عراقيون.