الوثائق السرية البريطانية ـ 1977 عام الســادات العاصف ـ خلاف واضح بين القاهرة ودمشق حول مفهومي التكتيك والاستراتيجية

وقع الزيارة على سورية: الأسد عقد مؤتمرا صحافيا بعد مغادرة ضيفه السادات وعبر عن أسفه * الإسرائيليون كونوا صورة للسادات جمعت بين الشجاعة والكرامة والسحر والحس العالي

السادات مصغيا الى بيغن رئيس وزراء اسرائيل
TT

وثيقة رقم: 17

* التاريخ:18 نوفمبر 1977

* من: جيمس كريغ، السفير، دمشق.

ـ إلى الخارجية، عاجل.

الموضوع: مؤتمران صحافيان للأسد والسادات 1 ـ عقد الرئيس السادات مؤتمرا صحافيا بقصر الضيافة صباح أمس أكد فيه اختلافه مع الأسد حول زيارته المقترحة لإسرائيل. 2 ـ 3 ـ 4 ـ (الفقرات تحمل مواقف من السادات ورؤيته ستحملها وثائق لاحقة.. الإيضاح من «الشرق الأوسط»).

5 ـ السادات قال إن إسماعيل فهمي وحده كان من يعلم بقراره بالذهاب الى إسرائيل (وقد ظل يولي طباخة القرار في ذهنه لفترة طويلة)، وأن السادات لن يناقش الأمر مع القادة في إيران، رومانيا، بل حتى أميركا لم تتم إحاطتها أو التشاور معها.

6 ـ السادات قال إنه يعرف أن الأسد يعارض الزيارة لإسرائيل، ولكن هذا خلاف في التكتيكات، وليس هناك خلاف حول الإستراتيجية، وقال بعد ذلك بقليل إنه لا يبحث عن إجماع عربي.

7 ـ الأسد عقد مؤتمرا صحافيا بعد مغادرة السادات، وقال أنه يتأسف بشدة لأنه لم يستطع إقناع السادات بمخاطر الزيارة وتداعياتها المؤثرة على القضية العربية.

8 ـ وحين سئل عما إذا كان الخلاف فقط حول التكتيكات، قال إنه ليس من السهل الفصل بين التكتيك والإستراتيجية مثلما ليس من الممكن تحقيق استراتيجية ناجحة بتكتيكات غير ناجحة.

9 ـ تكرار لمواقف معلومة (الإيضاح من «الشرق الأوسط»).

10 ـ الأسد قال إنه وفي ضوء الأوضاع الجديدة فعلى السوريين إعادة تقييم توجهاتهم.

11 ـ الأسد لا يرى خطرا من حصول السادات على سلام منفرد وأشار إلى أن السادات نفى أي احتمال كهذا من قبل المجيء الى دمشق.

12 ـ وحينما سئل عما إذا كانت سورية ستغير وجهة نظرها إذا حققت زيارة السادات بعض النجاح، قال إن الزيارة لا يمكن أن تصل لأي هدف يحقق مصلحة لا لمصر ولا لسورية، وسورية مهتمة بشأن شقيقتها مصر اهتمامها بنفسها.

* توقيع : كريغ ـ السفير ـ دمشق.

الفقرات من 1 الى 7 حملتها حلقة امس.

8 ـ فيما لم يحاول السادات وبيغن تخفيف خلافاتهما، إلا أن السادات في عداد الرجال الكيسين، والإنسان يخرج بانطباع عبر حديثهما أن أيهما كان يقاوم من أجل أن يتجنب إثارة الآخر. والى ذلك وفي أول مواجهة لهما، لا بد من القول إن السادات جاء في المقدمة، وقام بخدماته على مدار اللقاء فيما أبقى على بيغن مشغولا بإرجاع الكرة من نهاية الملعب، ونادرا ما يصل إلى الشباك. والأمر الأهم في أي حال، لم يرد شيء علني ورسمي على الأقل، مما يمكن أن يؤخذ بموضوعية كشيء يضيق الفجوة بين المصريين والإسرائيليين على صعيد أي من القضايا الجوهرية محل الخلاف بينهما.

* المحادثات الخاصة:

9 ـ كان هناك بالطبع، وفي غياب معلومات صلبة، الكثير من التأويل حول ما دار في المحادثات الخاصة. ومعظم تلك التأويلات يمكن استبعادها بسهولة. وبرغم أن ديان ربما يكون قد لوّح بجزرة، لا أعتقد من جانبي أن هناك أي نقاش بين الطرفين حول صفقة منفردة مع مصر. فالكل يفترض أن إسرائيل ستقفز إلى هذا الخيار إذا كانت ضمن العرض، وباستبعاد تقديم أية شروط استثنائية، وكثيرون هنا يستبعدون حدوثها كليا خلال المدى الزمني الطويل. ولكني لا أرى سببا للشك في إصرار الرئيس السادات المتكرر بأنه يرغب فقط في تسوية شاملة، وفي قبول إسرائيل لذلك، أقلها في الوقت الراهن. ومع ذلك الحال، أتوقع، أن يشرح الأمر بمنتهى الوضوح للإسرائيليين بأن أي عرض علني حول الحدود في سيناء سيكون محل عدم ترحاب واضح للرئيس.

10 ـ أحاط البروفسور يادين، نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي، رئيس القسم القنصلي لدينا، بأن البيان الذي قرأه بيغن في نهاية المؤتمر الصحافي (النص ببرقيتنا رقم 398) تم إعداده بصورة مشتركة بينه وبين حسن التهامي نظيره المصري، وأنه لم تطلق صفة (التصريح المشترك عليه) لأن هذا كان سيسبب مصاعب للسادات مع القادة العرب الآخرين. والأمر الأهم، قال البروفسور يادين إنه تم الاتفاق بين الطرفين على حوار مستمر.

11 ـ من المثير أن نفترض أن السادات قدم لبيغن خلفية مقدما عن مقترحه حول (اجتماع بالقاهرة)، ولكن ليس لديَّ أيُّ دليل على أن السادات قد فعل. ولا شك أن المسؤولين الإسرائيليين يشعرون بالألم من التجاهل، وعلى كل، ففي مقابلة تلفزيونية يوم 23 نوفمبر(قبل حديث الرئيس السادات لمجلس الشعب المصري يوم 26 نوفمبر)، قال موشي ديان إن هدف السادات هو الخروج من المشاكل الإجرائية، وأن يتجه إلى مناقشة القضايا الحيوية المتعلقة بالإعداد لمؤتمر جنيف، وأنه مستعد للذهاب الى جنيف على أساس ورقة العمل الأميركية الإسرائيلية، ولكن ليس قبل إتمام استعدادات كافية، وأنه لم يعجبه البيان الروسي ـ الأميركي، وأن لديه تحفظات حول مفاوضات تحت رئاسة روسية مشتركة. وبالنظر للأمر من هنا، يكون هذا الحساب لأهداف السادات متماسكا كليا مع فكرة اجتماع تحضيري بالقاهرة. والى الآن، لم أكتشف أية إشارة لعدم الرغبة الإسرائيلية في أن يمارسوا السياسة معه. وحتى إذا ما استدار اجتماع بالقاهرة ليصبح شأنا ثنائيا، فلا بد للمصلحة الإسرائيلية أن تكون في الإبقاء على الحوار مستمرا، خاصة إذا، مثلما يبدو الآن محتملا، كان الرئيس السادات على استعداد ليعتبر أعيان الضفة الغربية وغزة ممثلين للفلسطينيين.

12 ـ إذا أسست زيارة الرئيس السادات مناخا يمكن الإسرائيليين والمصريين من الجلوس الى محادثات جادة وجها لوجه، سواء ثنائيا أو مع الآخرين بنفس القدر، فهذا سيكون اختراقا حقيقيا. ولكن، وكما قلت، فمسطح المياه يبقى واسعا كما هو ولن تتمكن النيات الحسنة وحدها من عبوره. ولا أحد هنا يصدق، على الأقل كل الحكومة الإسرائيلية، أن إعلان الرئيس السادات (لا حرب أخرى) من غير شروط. وفي الحقيقة، وإذا ما كان لكلماته أن تؤخذ حرفيا، فعرضه للسلام العادل وعبارته المكررة «نحن نرحب بكم للعيش بيننا بسلام وأمن»، مربوطتان بانسحاب إسرائيلي كلي وقبول إسرائيلي بدولة فلسطينية. وفي تقديري، ليست هناك أية فرصة أمام الحكومة الإسرائيلية الحالية، أو أية حكومة بديلة منظورة، لقبول هذه الشروط، وعلى الرئيس السادات أن يدرك ذلك. فبالطريقة التي يرى بها الإسرائيليون الأمر، هناك ثلاث قضايا للمفاوضات هي: طبيعة السلام، أو كما يقولون الآن: تطبيع العلاقات، والحدود والترتيبات الأمنية والقضية الفلسطينية. وفي القضية الأولى، قطع السادات سلفا شوطا بعيدا، (رغم أن الإسرائيليين لم يستطيعوا أن يقاوموا إشاراتهم إلى أن السادات كان حريصا على عدم إلزام نفسه خلال زيارته بأي محتوى إيجابي بشأن علاقات إسرائيل بجيرانها في حال تسوية سلمية). وفي شأن القضيتين الثانية والثالثة، يزعم بعض الإسرائيليين ممن اشتركوا في الزيارة أنهم اكتشفوا إشارات لما يمكن أن يكون وجود مساحة للمناورة. فهم مستغربون، على سبيل المثال، ما إذا كان وصف الرئيس السادات لحديث شيمعون بيريس في الكنيست بأنه (بنّاء) يمكن أن يشير الى أن مساومات حدودية ليست أمرا مستحيلا بالمطلق. وبصورة أكثر عمومية، فربما يكون هناك شعور بأن الرئيس السادات، وإذا ما كان جادا في موضوع السلام، فلا بد له أن يكون قد زود نفسه بمنظور للمساومة. ومن المفترض أن يفكر بذات هذه الطريقة حول الإسرائيليين.

13 ـ لا أدري، وأشك ما إذا كان أحد في الحكومة الإسرائيلية حقيقة يعرف، الى أي مدى يمكن للإسرائيليين أن يمضوا في قضايا الحدود إذا ما أبدى المصريون علامات استعداد للانتقال من موقع المطالبة في حدوده القصوى. ولكن، وكما قال ديان في لقاء تلفزيوني به يوم 23 نوفمبر، الوقت يقترب ليكون على إسرائيل أن تتخذ قرارات، بمعنى، يوم أن تواجه إسرائيل بالمواقع العربية وأن عليها أن تختار بين السلام، بأفضل الشروط التي يمكن أن تحصل عليها، وبين استمرار الوضع الحالي.

وتلك هي في الحقيقة الرسالة التي تركها السادات وراءه وهو يغادر.

* استنتاجات:

14 ـ التأثير العاطفي للزيارة كبير جدا سواء على صعيد من وجدوا أنفسهم في قلبها، أو على الرأي العام عامة. وقد علمنا، على سبيل المثال، بأن أعضاء الوفد المصري على كل المستويات مندهشون وغيروا بجدية نظرتهم متأثرين بدفء الاستقبال، وكما قال أحدهم لمسؤول بالخارجية الإسرائيلية: كلنا ظللنا نرى الإسرائيليين كعمالقة ورجال خارقين، وقابلنا هنا موشي ديان فوجدناه شابا عاديا جدا، وغولدا مائير امرأة عجوز صغيرة الجسم، وأرييل شارون شخصية ضاحكة يستمتع بمأكله ومشربه). في المقابل، وجد الإسرائيليون ضيوفهم المصريين حميمين بصورة لا تصدق، مع جدية، ولدهشتهم، اهتمام محاط بالمعلومات الكافية عن إسرائيل. أما لدى الشعب الإسرائيلي ككل، فلم تتوقف الصورة التي حملها عن الرئيس السادات فقط عند الرجل المتحلي بشجاعة كبيرة وكرامة فقط، وإنما أيضا كرجل يملك سحرا كبيرا وحسا عاليا. ومع ذلك، لا أستطيع القول إنه نجح في إقناع الإسرائيليين بأن بوسعهم قبول مفهومه للسلام. والصيحات التي نستمع اليها الآن من الحمائم هنا عن تشكيل معتدل لمواقف إسرائيل في قضية الحدود تعكس وجهات نظر قديمة أكثر من كونها ناتجا لهذه المحادثات. ولكن، وبالحد الأدنى، فقد صنع الرئيس السادات بعض الأثر فيما وصفه هو، ووصفه صحيح، بالمشكلة النفسية، وفيما لا أرى أنا أية أرضية لافتراض أن السلام أصبح قريبا، إذ لا يستطيع أحد أن يجادل بإيمان راسخ بأن الحرب أصبحت حتمية.

15 ـ لا أستطيع أن أفكر في أي سابقة تاريخية لقياسها مع زيارة السادات، وربما يكون من الحقيقة بمكان أن شيئا مثلها لم يحدث من قبل، وربما لم يحدث من قبل أيضا أن حادثة منفردة جعلت كل شيء يتغير بصورة عامة وهو يغادر، وعلى كل، فكل شيء في القضية يبدو كثيرا كما كان عليه سابقا. 16 ـ أرسلت نسخا من هذه الرسالة لممثلي جلالة الملكة في واشنطن، القاهرة، دمشق، الخرطوم، بيروت، عمان، جدة، موسكو، بون، باريس، الممثل ببعثة الأمم المتحدة ولقنصل جلالة المملكة بالقدس.

* توقيع: جيه. سي.إم. ماسون ـ السفير