بروكسل ـ د.ب.أ: عندما يحتفل الأوروبيون بمرور 10 سنوات على انطلاق قطار الوحدة النقدية الأوروبية، بعد نحو 4 عقود من انطلاق قطار الوحدة الاقتصادية عام 1958، فإنهم في الواقع يحتفلون بأحد أشجع وأنجح مشروعات الوحدة في أوروبا.
غير أنه ومثل الكثير من الأشياء، فإن الفوائد والمزايا التي حققها هذا المشروع الطموح، لم تحظ حتى الآن بالتقدير المناسب لها. فما زال أكثر من نصف سكان الدول المنضمة إلى منطقة العملة الأوروبية الموحدة، التي تضم حاليا 15 دولة ترى أن الوحدة النقدية «لم تكن مفيدة» وفقا للمسح الذي أجرته إحدى مؤسسات المفوضية الأوروبية في سبتمبر (أيلول) 2006 وهو أحدث مسح متاح في هذا المجال.
كما أن التأييد الشعبي للعملة الأوروبية الموحدة، انخفض من 59% عام 2002 إلى 48% عام 2006 مع تنامي الشعور بأن العملة الجديدة، أدت إلى زيادة الأسعار في العديد من دول اليورو.
والحقيقة أنه رغم وصول معدل التضخم في منطقة اليورو إلى 3.5% في مارس (آذار)الماضي، على خلفية ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة بشكل خاص، فإن الاحصاءات الرسمية تشير إلى أن معدل التضخم ظل في حدود 2% في أغلب الأوقات منذ تأسيس البنك المركزي الأوروبي عام 1998.
وهذا المعدل يبدو منخفضا للغاية حتى بعد زيادته عند مقارنته بمعدلات التضخم في أوروبا خلال أزمتي ارتفاع أسعار النفط خلال السبعينات والتسعينات عندما كان معدل التضخم لا يقل عن 10%.
والآن أدى ارتفاع سعر اليورو أمام الدولار إلى الحد كثيرا من وصول الزيادة الهائلة في أسعار النفط في الأسواق العالمية إلى المستهلكين الأوروبيين، حيث يشتري الأوروبيون في دول اليورو النفط من السوق العالمية بالدولار.
ففي حين ارتفعت أسعار النفط بالدولار في الأسواق العالمية بنسبة 400% تقريبا منذ عام 2003، فإن هذه الزيادة في أسعار الوقود في السوق الأوروبية، كانت أقل كثيرا بفضل صعود العملة الأوروبية أمام العملة الأميركية.
وقالت أميليا توريس المتحدثة باسم يواكين ألمونيا مفوض الشؤون الاقتصادية والنقدية الأوروبية «لو لم يتم استخدام اليورو الآن، فمن المؤكد أن أسعار الوقود في دول اليورو كانت ستصبح أعلى بسبب ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية«.
في الوقت نفسه فإن الاستقرار النسبي للأسعار في منطقة اليورو ليست الفائدة الوحيدة التي تحققت من مشروع الوحدة النقدية لسكان دول المنطقة، الذين يبلغ عددهم 320 مليون نسمة.
فأسعار الفائدة في منطقة اليورو تظل عند مستويات منخفضة مقارنة بالأوضاع التي كانت عليها قبل تبني العملة الموحدة، وهذا أمر جيد بالنسبة لسكان المنطقة الذين يريدون الحصول على قروض.
ففي بعض الأحيان كان اليونانيون أو الإيطاليون يضطرون إلى دفع فائدة تصل إلى 20% من أجل الحصول على قروض عقارية. أما اليوم وبعد أن تبنت بلادهم العملة الموحدة لم يعد سعر الفائدة يتجاوز 7% حيث أن سعر الفائدة الرئيسية في منطقة اليورو يصل إلى 4% فقط.
ليس هذا فحسب بل إن هؤلاء الإيطاليين واليونانيين يحصلون على القروض بنفس الشروط، التي يحصل عليها نظراؤهم في فرنسا أو ألمانيا.
كما أنه من بين المزايا التي حققتها الوحدة النقدية الأوروبية الاستقرار الاقتصادي، الذي ساعد في جذب المزيد من الاستثمارات وضبط الوضع المالي للدول، مما وفر الأموال اللازمة لتمويل المشروعات الكبرى في مجال البنية الأساسية ومساعدة الفقراء.
كما أن متوسط عجز الميزانية في منطقة اليورو انخفض إلى مستوى قياسي قدره 0.6% من إجمالي الناتج المحلي العام الماضي رغم وجود بعض الحالات الشاذة التي يرتفع فيها معدل العجز مثل إيطاليا.
ليس هذا فحسب، بل إن اليورو أصبح من العملات التي تحتفظ بها دول كثيرة في العالم، ضمن احتياطياتها النقدية بعد الثقة الكبيرة التي حظيت بها العملة الأوروبية، في ظل تراجع قيمة العملة الأمريكية.
ورغم كل ذلك، فالصورة ليست وردية على الإطلاق. فمعدل النمو الاقتصادي في منطقة اليورو ما زال مخيبا للآمال. والبنك المركزي الأوروبي يواجه صعوبات بالغة في التوفيق بين الاحتياجات المتفاوتة للدول الأعضاء في ظل التباين الكبير في الوضع الاقتصادي للدول الأعضاء في منطقة اليورو التي تضم ألمانيا صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا على الإطلاق وسلوفينيا ومالطا وقبرص ذات الاقتصاديات الصغيرة.