مصر: تجدد الجدل حول برنامج حركة «الإخوان» وخلافات حول ولاية النساء والأقباط

إبراهيم منير لـ«الشرق الأوسط»: الصورة النهائية لبرنامج الحزب ستستغرق شهورا

متظاهرة مصرية ترفع لافتة كتب عليها (من أجل صحة أبنائنا.. لا لمشروع «أجريو») وهو مصنع للسماد بدمياط (أ.ف.ب)
TT

عاد الجدل حول البرنامج السياسي لحركة «الإخوان المسلمين» في مصر يتجدد مرة أخرى عقب أخبار ترددت عن استجابة الجماعة لآراء عدد من الباحثين السياسيين وإقدامها على حذف بعض البنود من البرنامج، وهو ما أكده ضياء رشوان خبير الحركات الإسلامية في مركز الأهرام السياسية والاستراتيجية قائلاً: «إن اللجنة المنوطة بصياغة البرنامج السياسي للجماعة قررت حذف أكثر مواد البرنامج إثارة للجدل وهي المادة التي تنص على أن تتولى هيئة من كبار العلماء المنتخبين الرقابة الشرعية على قرارات السلطتين التنفيذية والتشريعية».

وأَضاف رشوان أنه حضر منذ فترة لقاءً جمع قيادات من الجماعة وعددا من الباحثين والمفكرين غير المنتمين لها، وأن الحضور اعترضوا على المادة الخاصة بهيئة الرقابة الشرعية وهو ما استجابت له لجنة الصياغة بحذف هذه المادة بشكل نهائي من البرنامج .

وكانت ردود فعل سياسية واسعة قد ثارت عقب إعلان الإخوان عن برنامجهم في صيف العام الماضي بسبب النصوص التي تحدثت عن هيئة الرقابة الشرعية وعن عدم جواز تولي النساء والأقباط لرئاسة الجمهورية.

يذكر أن الجماعة كانت قد أرسلت نسخاً من البرنامج السياسي للحزب الذي تعتزم تأسيسه لخمسين باحثاً ومفكراً مصريا في شهر يوليو (تموز) من العام الماضي لاستطلاع الآراء بخصوص البرنامج.

وبحسب ضياء رشوان فإن النصوص الخاصة بعدم جواز ولاية النساء والأقباط ستشهد مزيداً من الجدل داخل صفوف الجماعة وستدور حولها خلافات أكبر بسبب اعتقاد كثير من قيادات الجماعة أن حذفها ينطوي على مخالفة للشريعة الإسلامية، وأوضح رشوان أن حذف المادة الخاصة بهيئة الرقابة الشرعية جاء تغليباً لآراء داخل الجماعة وليس استجابة للنصح المباشر من الباحثين والمفكرين الذين تم إطلاعهم على مسودة البرنامج. وفي حين أكد قيادي الجماعة الدكتور عصام العريان لـ«الشرق الأوسط» انه تم حذف المادة الخاصة بهيئة الرقابة الشرعية من البرنامج، وأضاف أن الجماعة لن تعلن عن برنامجها السياسي في وقت قريب، وعليه فالمشاورات بخصوص مواد أخرى في البرنامج ما زالت مستمرة.

واعتبر عبد المنعم أبوالفتوح عضو مكتب الإرشاد بالجماعة أن ما تردد في هذا الشأن هو سوء تفسير، وأوضح أنه «في ظل وجود البرلمان بمجلسيه (الشعب والشورى)، والمحكمة الدستورية العليا، لا مجال لوجود هيئة أخرى أيا كان اسمها لمراجعة القوانين أو الدستور»، مؤكدا أن فكرة هيئة العلماء أو ولاية الفقيه موجودة في الفقه الشيعي، لكن لا وجود لها في الفقه السني.

وكانت تقارير صحافية نشرت في القاهرة أمس قد ذكرت أن اجتماعا ضم قياديين بالجماعة مع بعض المفكرين والسياسيين، وشهد تراجع الجماعة عن فكرة وجود هيئة لكبار العلماء لمراجعة القوانين والدساتير.

ومن جانبه، اعتبر محمد مهدي عاكف مرشد جماعة الإخوان المسلمين أن الحديث عن اجتماعات تعقدها الجماعة مع المفكرين والسياسيين، للتباحث حول برنامج الحزب السياسي الذي تعتزم الجماعة تأسيسه «قديم جدا». وقال عاكف لـ«الشرق الأوسط»: «لا أدري ما الجديد في هذا الأمر.. نحن دائما ما نجتمع بالمفكرين والسياسيين، لبحث برنامج الحزب أو غيره من أمور الوطن».

الى ذلك قال ابراهيم منير، مسؤول المركز الاعلامي للإخوان في الخارج المشرف العام على «رسالة الاخوان» التي تصدر اسبوعيا من لندن، إن رؤية الإخوان بعدم جواز تولي المرأة، وغير المسلمين، لرئاسة الجمهورية، تأتي من منطلق خيارٍ فقهي استقرَّت عليه الجماعة بعد مناقشاتٍ طويلةٍ في هذا الشأن. وقال ان هناك كثيرا من الرأي والمشورة حول برنامج الحزب وسيستقر الامر على الصورة النهائية بعد شهور بعد الرجوع الى الشعب والفروع المختلفة. واضاف منير أن قرار الإخوان بعدم جواز تولي القبطي والمرأة لرئاسة الجمهورية لم يكن قرارا سياسيا، ولكنه خيار استند لأولويات فقهية ورأي عموم العلماء. وأوضح في اتصال هاتفي اجرته معه «الشرق الاوسط» ان أغلب دول العالم تستند الى هذا الامر، فملكة بريطانيا هي رئيسة الكنيسة الانجليكانية، واسبانيا واليونان وبلجيكا لا تسمح بأن يتولى رئاستها سوى الارثوذكس، أما اليابان فلا تسمح ان يكون الامبراطور فيها امرإة. وقال: «لا أفهم الهجوم والنقد لأمر فقهي تطبقه الدول العلمانية شرقا وغربا». وأكد أن ما قيل حول هيئة كبار العلماء من المسلمين في بنود برنامج الحزب الاخواني، وما تردد عنه في الصحافة، عارٍ من الصحة، حيث ينظر الإخوان إلى مجلس الشعب على أنه المؤسسة التشريعية التي لا يجوز القفز عليها، وأن مجلس كبار العلماء عبارة عن مجلس منتخب، وهي هيئة استشارية تعرض عليها القوانين وتعنى بصدور تقارير يستعين بها المجلس التشريعي، وفي حالة حدوث أي خلاف يكون للمحكمة الدستورية العليا حق الفصل، وليس لهيئة كبار العلماء. وشدد منير، وهو من أبرز قيادات الاخوان في الخارج، على أن «المحرك الأساسي للجماعة من وراء صدور مثل هذا البرنامج هو صالح الأمة، فالإخوان يعرضون برامجهم من أجل النهوض بمصر، وحتى تكون في مصاف الدولة المتقدمة».

ونفى منير وجود خلافات فكرية بين قيادات الجماعة حول برنامج الحزب الذي طرح في شهر يوليو (تموز) الماضي على عدد من المفكرين والمثقفين المصريين لأخذ رأيهم في بنوده، واوضح أن «كل ما يدور في لقاءات قيادات الجماعة والمفكرين سيدخل المطبخ الأخير، للنظر فيه واعتبار كل هذه الآراء مخزونا ثقافيا نحتفظ فيه لما فيه من قيمة تنبع من التقدير لهؤلاء المفكرين والمثقفين قبل إقراره بصورة نهائية». وقال «لقد طرح البرنامج على اسلاميين وآخرين لأخذ رأيهم فيه». وحول الفرق بين إخوان حسن البنا في اربعينيات القرن، واخوان مهدي عاكف في القاهرة اليوم، قال ردا على سؤال لـ«الشرق الاوسط»: «ان الشيخ مهدي عاكف وزملاءه هم تلامذة شيخنا حسن البنا، كل منهم ارتبط بظروف اجتماعية وسياسية خاصة، ولا فرق بينهما، ولكن يمكن القول ان مهدي عاكف هو حسن البنا 2008». إلى ذلك قال إسلاميون في لندن لـ«الشرق الاوسط» ان فكرة إرسال البرنامج للمثقفين والسياسيين من خارج الجماعة، شيء محمود، أما على الجانب الموضوعي فيحمد للبرنامج اتفاقه مع كافة قوى المعارضة على بعض القواسم المشتركة، منها: إطلاق الحريات العامة، وإلغاء قانون الطوارئ، وحق تكوين الأحزاب.

من جهة اخرى وخلافاً للكثير من التوقعات وفي موقف يتعارض مع موقفها السابق من إضراب (6 إبريل) الشهير في مصر، وفيما بدا كأنه استجابة لضغوط القواعد الشبابية في الجماعة، أعلن محمد مهدي عاكف المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين أن جماعته ستتجاوب مع الدعوة إلى إضراب 4 مايو (آيار) المقبل.

وذكر بيان صحافي صدر أمس عن مكتب المرشد العام للجماعة، أن الإخوان المسلمين «يتجاوبون مع الدعوة إلى التزام المواطنين بيوتهم يوم 4 مايو المقبل وتستثني من ذلك الفئات التي يتوقف عليها صحة المواطنين والامتحانات ومرافق الدولة الحيوية»، وتجنب عاكف أن تتضمن تصريحاته لفظ «الإضراب» مفضلاً أن يسميه «الدعوة لالتزام المواطنين بيوتهم»، ربما لتجنب المساءلة القانونية، كما حرص البيان على أن يؤكد «أن الإخوان ضد أي مساس بمؤسسات الدولة أو الممتلكات العامة والخاصة وألا يؤدي الاحتجاج السلمي إلى أي نوع من الفوضى»، واعتبر المرشد العام للإخوان أن عدم تجاوب السلطة التنفيذية في مصر مع ما أسماه بكافة دعاوى الإصلاح هو الذي دفع الجماعة للتجاوب مع الدعوة انطلاقا من موقف الجماعة التي تقف ضد السياسات العامة التي تكرس الفساد والاستبداد.

يذكر أن عدداً من مدوني الإخوان المسلمين من الشرائح الأصغر سناً داخل الجماعة قد شنوا هجوماً حاداً على المرشد العام عقب إصدار المحكمة العسكرية لأحكامها ضد قيادات الجماعة في إبريل (نيسان) الجاري بسبب ما اعتبروه تخاذلاً من قيادات الجماعة في الرد السياسي على الأحكام. وفي سياق متصل أعلنت أحزاب المعارضة المصرية رفضها المشاركة في الإضراب واعتزامها فصل الأعضاء الذين يشاركون بصفة فردية.