قال كبير المدعين الاميركيين السابق في قضايا جرائم الحرب في غوانتانامو في شهادته: إن المحاكمات معيبة وان وراءها دوافع سياسية وان الادلة انتزعت من خلال انتهاك حقوق السجناء.
وقال الكولونيل موي ديفيز من سلاح الجو الأميركي الذي تنحى عن عضوية محكمة جرائم الحرب العام الماضي، إن رجال السياسة وكبار الضباط كانوا يضغطون على المدعين لتوجيه الاتهامات حتى من قبل وضع أحكام المحاكمة.
وذكر ديفيز أن مستشارا قانونيا من المفترض ان يكون محايدا طلب من المدعين الحرص على ان يكون المتهمون في القضايا التي يرفعونها يحملون آثار دماء على ايديهم، لان هذا يؤثر على الرأي العام أكثر من قضايا تزوير الاوراق الرسمية والاتهام بتسهيل أنشطة القاعدة.
وحضر ديفيز يوم الاثنين إلى منشأة الاحتجاز المثيرة للجدل بغوانتانامو للإدلاء بشهادته لصالح أحد الإرهابيين المشتبه فيهم، من خلال القول إن نظام العدالة تحت مظلة المؤسسة العسكرية قد لوثه الفساد بسبب التوجهات السياسية والنفوذ غير الملائم الذي يمارسه عليه كبار مسؤولي وزارة الدفاع الأميركية.
وعلى بعد قدم واحدة من منصة الادعاء التي كان ينوي في يوم من الأيام الوقوف بها لتقديم دعواه ضد محتجزين عسكريين، وقف عقيد القوات الجوية، في المكان المخصص للشهود لكي يعلن بعد إدلائه بالقسم أنه تعرض لضغوط بالغة للمضي قدماً بسرعة في القضايا بحيث تتمكن إدارة بوش من الادعاء قبل عقد الانتخابات القادمة بأن العدالة تحت إشراف المؤسسة العسكرية نظام فعال. يذكر أن ديفيز تقدم بشهادته لصالح سالم احمد حمدان، الذي زعمت السلطات أنه عمل سائقاً لابن لادن مما ساعد في تسليط الضوء على كيفية ممارسة كبار المسؤولين السياسيين النفوذ، حسبما يدعي الشاهد، في نظام العدالة الذي تم إنشاؤه خصيصاً لمحاكمة الإرهابيين المشتبه فيهم خارج نطاق المحاكم العسكرية والمدنية القائمة. جاءت ادعاءات دافيز، التي سبق أن نفاها البنتاغون في وقت أوشكت فيه المحكمة العليا على إصدار قرارها بشأن ما إذا كان قانون المحاكم العسكرية الصادر عام 2006 والذي أرسى الأساس القانوني لجلسات الاستماع الخاصة بالإرهابيين المشتبه فيهم، ينتهك الدستور من خلال منع أي من قرابة الـ275 محتجزاً المتبقين في غوانتانامو من السعي لاستصدار قرار بإجراء مراجعة قضائية مدنية لاحتجازهم.
وأثناء الجلسة، أخبر دافيز كيث ألرد، كابتن البحرية الذي ترأس جلسة الاستماع، أن مسؤولين رفيعي المستوى بالبنتاغون، بينهم نائب وزير الدفاع جوردون انجلاند أوضحوا له أن توجيه اتهامات إلى أبرز المحتجزين قبل الانتخابات المقرر إجراؤها هذا العام ربما يحمل «قيمة سياسية استراتيجية». وأضاف دافيز أنه رغب في الانتظار حتى يصبح للقضايا (وكذلك نظام المحاكم العسكرية) أساس قانوني أكثر صلابة، مشيراً إلى أن المستشار العام بوزارة الدفاع ويليام هاينس، الذي أعلن استقالته في فبراير، رفض بشدة اقتراحاً بتبرئة ساحة بعض المتهمين، وهو اقتراح قال دافيز إنه سيعزز شرعية نظام المحاكم العسكرية لمحتجزي غوانتانامو برمته. وفي إطار رده على الأسئلة التي وجهها إليه بريان ميزر، الرائد البحري والمستشار العسكري الذي يمثل حمدان، قال دافيز: لقد قال لي: لا يمكن أن نسمح بأي تبرئة. إننا احتجزنا هؤلاء الأفراد لسنوات. فكيف يمكننا تفسير قرارات تبرئة ساحة أي منهم؟ يجب أن نحصل على إدانات لهم. أيضاً، ندد دافيز بقرار مسؤولين عسكريين رفيعي المستوى بالسماح باستخدام الأدلة التي تم الحصول عليها من خلال أساليب استجواب قمعية، باعتباره أمر غير أخلاقي. واتهم توماس دبليو. هارتمان، العميد بالقوات الجوية والمستشار القانوني لكبار المسؤولين العسكريين المشرفين على عمل المحاكمات العسكرية، بأنه أبدى استعداداً غير ملائم لاستخدام الأدلة التي تم الحصول عليها من خلال ممارسة التعذيب على المحتجزين بتغطيسهم في الماء. وأكد دافيز في إطار شهادته أنه عند السماح أو إصدار توجيهات إلى مدعٍ بالحضور إلى قاعة المحكمة وعرض أدلة يشعر أنها جاءت عن طريق التعذيب، فإن ذلك يضع المدعي في مشكلة أخلاقية. لكنه قال إن هارتمان أجاب على ذلك بأن كل شيء مباح، دع القاضي هو الذي يتخذ القرار النهائي. علاوة على ذلك، اتهم دافيز، هارتمان بتولي شؤون إدارة جهود الادعاء بأسلوب جديد تماماً وعامل المدعين بقسوة وخشونة، مستطرداً أن هارتمان حاول الاستحواذ على دور الادعاء، الأمر الذي أضر باستقلالية مكتب المحاكمات العسكرية المكلف النظر في أي من القضايا يجب عرضها على المحاكم والأدلة التي ينبغي استخدامها. وأوضح دافيز، الذي دافع في بداية الأمر عن المحاكم العسكرية، أنه استقال من منصبه كمدع عام في أواخر العام الماضي بسبب زيادة كبار المسؤولين ضغوطهم عليه لاتخاذ قرارات رأى أنها غير مناسبة. والآن، يترأس دافيز الهيئة القضائية الخاصة بالقوات الجوية وينوي التقاعد. ومن جانبه، رفض هارتمان التعليق على مجريات المحاكمة. على الجانب الآخر، أنصت حمدان، اليمني المحتجز والذي ربما يخضع الشهر المقبل لأول محاكمة عسكرية كاملة في غوانتانامو، بحرص إلى كلمات دافيز المترجمة من خلال سماعات وضعها في أذنيه، وركز بصره على خصمه السابق يدلي بشهادة تفيد بأن المحاكمات العسكرية يلوثها الفساد. إلا أنه أثناء الجلسة الصباحية، بدت على حمدان بعض الدلائل التي توحي بتردي حالته الذهنية، الأمر الذي أرجعه محاموه إلى سوء المعاملة ووضعه قيد الحبس الانفرادي لفترات طويلة. وبدا حمدان يعاني من حالة دوار أثناء اقتياده إلى داخل قاعة المحكمة وهو يرتدي الزي الموحد للمحتجزين باللون الكاكي. بعد ذلك، دخل في حديث قصير موجه إلى ألرد حول اعتقاده بأنه لا يعامل بأسلوب يحترم حقوقه الإنسانية ورغبته في دخول دورة المياه دون أن يشاهده الحراس. وخلال الجلسة، حاول في إحدى المرات النهوض والخروج من قاعة المحكمة. وقال حمدان: إنني أرفض المشاركة في ذلك، وأرفض جميع المحامين العاملين نيابة عني. إلا أنه عاد في الجلسة المسائية مرتدياً زياً يمنياً تقليدياً ووافق على الاستمرار في الجلسة.
يذكر أن عدداً من الخبراء القانونيين المستقلين انتقدوا المحاكم العسكرية بسبب سماح قواعدها بقبول أدلة مستقاة من الشائعات أو تم الحصول عليها عن طريق أساليب قمعية بموافقة قاض عسكري، إلى جانب منعها المتهمين من تقديم التماسات للنظر في مدى قانونية احتجازهم، ومن الممكن إدانة المتهمين من خلال هيئة محلفين من الضباط العسكريين دون إجماع، فيما عدا أحكام الإعدام.
* خدمة «واشنطن بوست» - خاص بـ«الشرق الأوسط»