هيمن موضوع الأزمة الغذائية على مؤتمر المدن العربية الأميركية، وهو الأول من نوعه، وتشارك فيه 44 مدينة من اميركا والعالم العربي. وأشار تقرير ألقي على المشاركين، في المؤتمر الذي ترعاه ثلاث مدن هي شيكاغو والدار البيضاء وعمان، الى ان مشكلة المدن الحقيقية في المستقبل تكمن في انها لا تنتج موادها الغذائية، وكل ما تأكله يأتي من خارجها.
وقال الباحث الاميركي أرثر مارتن جونسون من جامعة الينوي شيكاغو، إن وتيرة التزايد في بعض المدن العربية تجعل مسألة توفير الغذاء مشكلة عويصة، وأشار في هذا الصدد الى ان مدينة مثل القاهرة يولد فيها 24 شخصاً على رأس كل ساعة. وعزا جونسون الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية في الآونة الاخيرة، وهو ما أطلقت عليه وسائل الاعلام الاميركية «بداية الجوع في العالم»، الى عدة أسباب منها ان سكان المدن ليست لهم مزارع، وكذلك ساهمت بعض الظروف المناخية في تفاقم الوضعية، حيث وصلت الى حد الجوع الحقيقي كما هو الشأن في بنغلاديش، كما وقعت مشاكل بسبب مشكلة الغذاء في بعض العواصم العربية، مثل القاهرة والخرطوم والرباط. وقال إن سبب الأزمة يعود بالدرجة الاولى الى الجفاف الذي ضرب أستراليا، وسياسة التصنيع في الصين على حساب الزراعة، حيث كانت الرقعة الزراعية تقدر بحوالي 33 مليون هكتار عام 1989 وأصبحت حالياً 29 مليون هكتار، وتخصيص نسبة 25% من الذرة الاميركية الى انتاج مادة الاثينول كواحد من الطاقات البديلة، مشيراً الى ان ارتفاع اسعار المواد النفطية التي تدخل في الانتاج الزراعي ونقل المواد الغذائية، ساهم ايضاً في الأزمة.
ولاحظ جونسون أن عدد سكان الكرة الأرضية ارتفع ليصل الى 6.5 مليار نسمة بزيادة مليارين، مما أدى الى انخفاض نصيب الفرد من المواد الغذائية من 40 كيلوغراما سنوياً الى 17 كيلوغراماً فقط. وقال جونسون إن استهلاك الحيوانات كميات كبيرة من المواد الغذائية ساهم ايضاً في الأزمة، وأشار في هذا الصدد الى ارقام طريفة، حيث ذكر ان زيادة كيلوغرام واحد في وزن البقرة يتطلب ان تأكل سبع كيلوغرامات من الحبوب يومياً، في حين يحتاج زيادة كيلوغرام في وزن دجاجة الى تغذيتها بحوالي كيلوغرامين من الحبوب. وقال جنسون إن أهم تحدي سيواجه عمد ورؤساء البلديات في الوقت الحاضر هو توفير الغذاء لسكان مدنهم.
وكان ريتشارد ديلي عمدة مدينة شيكاغو قد افتتح المؤتمر، الذي انعقد في ظل إجراءات أمنية استثنائية في مباني مركز جامعة الينوي شيكاغو، وقال إنه أول منتدى بين العرب والاميركيين يهدف الى «تبادل المعلومات وتنفيذ استراتيجيات تهدف الى بناء اقتصاديات محلية تكون على مستوى المنافسة في المجتمع العالمي». وأضاف قائلا «نحن كرؤساء وقيادات للحكومات المحلية نواجه التحديات والمشاكل نفسها..عندما يتعلق الامر بالتعامل مع القضايا العامة مثل النقل والتعليم والجريمة والبيئة نيابة عن سكان مدننا نكون في الخطوط الأمامية».
وشدد محمد ساجد عمدة مدينة الدار البيضاء على إن اللقاء سيساهم في تعزيز العلاقات بين الحكومات المحلية في الولايات المتحدة والبلدان العربية، وهو ما سيؤدي الى تطوير العلاقات بين الدول العربية واميركا. وقال عمر المعاني أمين مدينة عمان «نحن نتطلع الى تبادل الخبرات، إذ ان التحديات التي تواجهها المجالس البلدية متشابهة نسبياً بين جميع المدن». وتطرق المعاني التي المشاكل في عمان وقال إنهم يعانون بالدرجة الاولى من ارتفاع الايجارات، ومشاكل بيئية، مشيراً الى ان معظم الأسر تنفق مداخليها في أمرين لا علاقة بينهما وهما تسديد الايجار، وفاتورة الهواتف الجوالة. ولاحظ ان انتشار الأحياء الفقيرة في العاصمة الاردنية يعرقل تخطيط المدينة، إضافة الى مشكلة الازدحام السكاني.
ونقلت نانسي بنكر مديرة البروتوكول في وزارة الخارجية الاميركية، اهتمام البيت الابيض والوزارة بالمؤتمر باعتباره يشكل جزءا من «الدبلوماسية العامة»، وقالت بنكر وهي من الشخصيات المقربة من الرئيس الاميركي جورج بوش، إن المؤتمر فرصة نادرة للتواصل بين الاميركيين والعرب من أجل بحث مبادرات جديدة للتعاون بين الجانبين، وأكدت ان «لقاء الناس بعضهم بعضاً هو ما تهدف اليه الدبلوماسية العامة التي انتهجتها إدارة الرئيس بوش»، وأشادت بمشاركة رؤساء بلديات من النساء في المؤتمر، وقالت إن ذلك يعد نقلة مهمة في نشاط المرأة في العالم العربي.
وعكف المشاركون في جلسات مغلقة تستمر ثلاثة ايام، على مناقشة ثلاثة محاور رئيسة؛ وهي التعليم والشباب، والتنمية الاقتصادية وتحسين نوعية الحياة، والبيئة والاستدامة. وبالنسبة للمحور الاول سيتم التركيز على ما يمكن ان يفعله رؤساء البلديات لتقديم أكبر مساعدة للشباب للرفع من مهاراتهم وتحسين مستوى التعليم والحد من ظاهرة الانقطاع عن الدراسة. وفي ما يتعلق بالمحور الثاني سيركز المشاركون حول الاستراتيجيات الجديدة التي تعتمدها المدن لتحقيق الرخاء، ويشمل ذلك التنوع في الصناعات وإقامة شراكة بين القطاعين العام والخاص لتحسين البنى التحتية الاساسية وحسن استغلال الموارد الطبيعية. وفي المحور الثالث سيتم التركيز على أحدث الابتكارات التي تحمي البيئات المحلية، مثل تطوير معايير «المباني الخضراء» غير الضارة بالبيئة، وهي تجربة من شيكاغو أثارت اهتمام المشاركين.