الأقليات المسلمة في لندن تفضل ليفينغستون.. على أمل أن يخلصها من «الإسلاموفوبيا»

العرب ينتقدون بعض سياساته التي تكلفهم باهظاً.. والآسيويون يقولون إنه يفهم مجتمعاتهم

TT

«نرحب بعمدة لندن كين ليفينغستون في مسجدنا ونشكر له...»، بضع كلمات نطق بها محمد خليل للترحيب بعمدة لندن في مسجد «ريجنتس بارك»، أكبر مساجد بريطانيا، قبل ان ينهضَ من بين الحضور رجل ملتحٍ يرتدي عباءة رمادية وغترة على رأسه، ليقاطعه بصراخه، قائلا: «هذا اللقاء لا يمكن ان يستمر.. هذا حرام عليكم إيقاف اللقاء حالا... التصويت حرام في الاسلام... لا يجوز التصويت...». العمدة الذي حضر الى المسجد تلبية لدعوة اعضائه للتشاور مع افراد الجالية المسلمة في بريطانيا واقناعهم بالتصويت له في الانتخابات البلدية التي تشهدها لندن اليوم، بقي جالساً في مكانه إلى طاولة مستطيلة قبالة الحضور، راح ينظر بهدوء الى رجال الامن الذين تحلقوا حول الرجل الضخم البنية، يحاولون بكل قوتهم إخراجه من الباب الخلفي للصالة واسكاته. محمد خليل، أحد منظمي اللقاء الذي كان يرحب بالعمدة، كان يحاول بجهد أيضا تشتيت نظر الحاضرين عن المحتج واعادة شد انتباههم الى نقطة اللقاء الاساسية: كين ليفينغستون. فراح يرفع صوته كي يطغى على صراخ الرجل الذي كانت كلماته لا تزال تتردد في الصالة، وقد أصبح خارجها، معيداً كلمات الترحيب التي كان بدأها ولم يكملها: «نرحب بعمدة لندن في مسجدنا..». الا انه قوطع للمرة الثانية من رجل آخر، ملتحٍ ويرتدي العباءة والغترة، ويردد الكلام نفسه ولو بنبرة أقل حدة..

الهدوء «الانجليزي» لم يفارق عمدة لندن، ولو أنه من أصول اسكوتلندية، فبقي ينتظر عودة الهدوء الى الصالة لبدء الحوار مع أفراد الجالية المسلمة والذين حضروا للاستماع اليه وإسماعه صوتهم. دقائق وعاد الهدوء، وبدأ اللقاء بحرص المرحب على التأكيد ان هذين الصوتين لا يمثلان الجالية المسلمة في لندن، وان الصراخ ليس طريقة المسلمين في الحوار. استمع العمدة باهتمام الى محمد خليل يتحدث عن ارادة المسلمين بتغيير نظرة العالم اليهم، وكفاحهم للتغلب على «الاسلاموفوبيا» التي تصيب الكثيرين في لندن، خصوصا بعد اعتداءات السابع من يوليو(تموز)، وحاجتهم الى اسماع صوتهم الى العالم...

اما العمدة، فحاولَ تخفيف الحرج الذي اصيب به المنظمون في البداية، وقال ان الكثيرين من خارج المسلمين يعترضون على عملية التصويت، وان هذا الامر لا يقتصر على مجموعة معينة، مؤكدا انه يعرف مسيحيين يعارضون عملية الانتخاب والاقتراع... علاقة ليفينغستون بمسلمي لندن، ليست حديثة، ولذلك لم تكن مستغربة تلبيته لدعوة المسؤولين عن أكبر مسجد في بريطانيا، للحضور الى مسجدهم والتحدث مع أبناء الجالية المسلمة عن همومهم ودوره في مساعدتهم للانخراط في المجتمع البريطاني وإلغاء التمييز الذين يشعرون به.

وليس مستغرباً أيضا ميل الاقليات المسلمة في لندن، من أصول عربية أو آسيوية، الى ليفينغستون وتفضيله على باقي المرشحين للانتخابات البلدية، اذ حرص عمدة لندن على البقاء على تواصل دائم معهم منذ بداية مشواره في المعترك السياسي، وعلى حمل قضاياهم والمطالبة بحقوقهم كلما أتته الفرصة. وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، وقع 63 شخصا من قادة المسلمين في بريطانيا رسالة تأييد للفينغستون نشرتها صحيفة «الغارديان» البريطانية.

«لا أحب كين كثيرا بسبب سياساته في التخفيف من ازدحام المدينة والضرائب التي فرضها على سائقي السيارات للقيادة وسط لندن، الا انني سأصوِّت له لانه قريب من مجتمعاتنا ويتواصل معنا بصورة دائمة»، يقول كارمل وهو شاب بريطاني من أصول آسيوية، في الثامنة والعشرين من العمر ويعمل مدرسا في مدرسة في منطقة بريك لاين الواقعة شرق لندن، والتي تضم أقلية كبيرة من البريطانيين ذوي أصول آسيوية، من باكستان وبنغلاديش والهند..

كارمل ليس الوحيد في بريك لاين الذي يعتبر ان سياسة ليفينغستون في التعاطي مع ازدحام المدينة مزعجة، فالكثيرون في المنطقة من الذين التقيناهم خلال جولتنا في المنطقة عبروا عن استيائهم من التكلفة المرتفعة لتذكرة الحافلة او الغرامات المرتفعة جدا على المخالفات البسيطة لقوانين السير. آزاد مثلا، وهو رجل في الاربعين من عمره، ويعمل في مطعم ببريك لاين، يتذمر من اسعار النقل العام المرتفعة إلا انه يقول انه سينتخب كين لانه «قدم الكثير للمدينة وللأقليات فيها».

إلا انه في موازاة كارمل وآزاد، هناك شريحة أخرى من الاقليات ذات الاصول الاسيوية تؤيد كين بسبب مواقفه السياسية وصداقته مع الشيخ يوسف القرضاوي، ولعدم تفضيلها لمنافسه الاول مرشح حزب المحافظين، بوريس جونسون. ويقول رجل متدين التقيناه أمام جامع بريك لاين، عرّف نفسه بأنه «خادم الله»: «بوريس قال بعض التصريحات المسيئة للإسلام. أما كين فهو صديق للشيخ القرضاوي، لذلك فان خياري كان سهلا... ليفينغستون».

واذا كان هؤلاء يعرفون لماذا فضلوا كين على جونسون والمرشحين الاخرين، فان البعض في بريك لاين قالوا انهم سيصوتون لكين وكفى. عبد الحق مثلا يؤكد أنه سيشارك في الانتخابات ويصوت لليفينغستون، ولكنه يجيب عند سؤاله لماذا اختار هذا المرشح على غيره «لا أعرف!».

ومن الأقليات ذات الاصول الاسيوية الى الاقليات ذات الاصول العربية، يبدو ان الاهتمام بالانتخابات البلدية في لندن لم يثر اهتمام العرب بالقدر نفسه. فأصحاب المحلات في شارع ادجوار رود، المعروف بشارع العرب، كانوا أقل حماسة واهتماماً بالانتخابات البلدية.

«لن أشارك في هذه الانتخابات.. لا وقت لديَّ ولست مهتما بها كثيرا»، يقول طارق، صاحب أحد المحال في الشارع. ويبدو أن بعض التجار يشعرون بالنقمة تجاه عمدة لندن ويتهمونه بتوجيه ضربة الى اعمالهم من خلال فرض ضريبة على سياقة السيارات وسط المدينة، وقوانين أخرى فرضت على السائقين، الامر الذي أدى الى الحد من عدد الاشخاص الذين يقصدون «شارع العرب». أما أصحاب محال الشيشة، فهم أيضا يشعرون بالنقمة على العمدة الذي يتهمونه بوقف أعمالهم بعد منع التدخين في الاماكن العامة..

ويقول صبري مثلاً، وهو بريطاني مصري يعيش في لندن منذ 25 عاما، «انا مستاء جدا من سياسة كين في لندن فهو يَعِد ولا يفي، وسياسته تؤثر على أعمالنا... أما بوريس فهو لا يرقى الى المستوى المطلوب كي يتسلم مهام العمدة... لن أصوت لأحدٍ، سأقترع بورقة بيضاء». الا انه الى جانب العرب «الناقمين» على عمدة لندن، هناك شريحة ستصوت له لأنه ينتمي الى حزب العمال، انطلاقا من مبادئ سياسية ووفاءً للحزب.

في مسجد «ريجينتس بارك»، وعد ليفينغستون الأقلية المسلمة التي تشكل 10 في المائة من سكان لندن ويبلغ عدد أفرادها نحو 700 ألف نسمة من أصل 7.5 ملايين نسمة من سكان لندن، بالعمل على ايصال صوتهم بقدر استطاعته. وبعد الاستماع الى شكاواهم من التمييز ضدهم وعدم قدرتهم على ايجاد عمل بسبب الخوف من ديانتهم، وصولاً الى اعتراضات البعض على السياسة الغربية تجاه فلسطين وسؤالهم له عن موقفه مما يحصل في فلسطين والعراق.. حاول عمدة لندن طمأنة مؤيديه الى انه سيعمل على اسماع صوتهم بقدر استطاعته إلا انه ذكرهم بأنه عمدة وليس وزير خارجية، ولذلك فان دوره محدود في السياسة! بين العاطفة والعقل، تجد الاقليات المسلمة في بريطانيا نفسها منجذبة الى مرشح حزب العمال، أكثرَ من أيِّ مرشحٍ آخر، آملة ان يساعدها بقاؤه في مركزه على التغيير نحو الأفضل.. في عاصمة يشعرون أنها مصابة بـ«الاسلاموفوبيا».