«مدينة الورد» تحتضن أضخم تجمع عالمي للورود

شركة أعلنت إنتاج 240 نوعا منه وتنوي توزيعه لمحلات التجميل في العالم

عرفت الطائف موطنا للخضرة والجمال منذ عهود سحيقة
TT

مدينة الورد او هكذا اختار ان يطلق على الطائف أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل خلال اطلاق اكبر مهرجان للورد، الذي تنظمه هيئة السياحة والاثار وشاركت فيه احدى كبريات الشركات العالمية باول انتاج من نوعه لـ 240 منتجاً من الورد الطائفي الخالص الذي تخرجه 2100 مزرعة موجودة في الطائف وتنوي الشركة توزيعه في انحاء العالم لأول مرة كماركة عالمية خاصة.

ولان اسم الورد اقترن بالطائف، معبقا باريجه، فليس في الامر عجب، فقد عرفت الطائف موطنا للخضرة والجمال منذ عهود سحيقة، واقترنت رحلة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام الى الطائف بالحدائق الغناء، وذاع صيت الورد الطائفي منذ العهد العثماني، حين فرض الورد الطائفي عبقه الأخاذ على الأسواق العالمية، وبلغ مداه جميع قارات الأرض دونما استثناء.

ولصناعة الورد اسرار يملكها المختصون، فالعطور المستخلصة من الأزهار يُطلق عليها اسم «السوسينونية»، أما العطور المستخلصة من الجذور فيُطلق عليها اسم الرائحة «الكوستونية» بينما يسمى المخلوط من الزيوت المستخلصة من الأوراق والسيقان والأزهار والجذور فتسمى رائحته بالـ«الميجاليونية».

وبرع أهل الطائف في صناعة الورد وتقطيره وتكللت دور ضيافتهم بالورد الطائفي، واطلقوا على اسم ماء الورد «العروس» حيث عرف عنهم رش ماء الورد للضيوف يهدونه ويقدمونه لرفع معنويات بعضهم ويستخدمونه في الطب وتحبذه النساء وتستخرج منه نكهةً للشاي، ونكهة لماء الشرب، وكانوا يهدونه لبعضهم ولزوارهم ويجففونه في دولاب الملابس بل كان بعضهم يوصل أنابيب التقطير إلى مجالس الضيافة كدليلٍ على الحفاوة العربية الأصيلة.

في هذا الشأن يقول عبد الله النمري الباحث والمتخصص في الورد الطائفي لـ«الشرق الأوسط» إن أهل الطائف برزوا رجالا ونساء بالاهتمام بالأعشاب العطرية حيث كانت لهم طرقهم الخاصة التي تفننوا بها في التطيب حتى أصبحت دليلاً لهم، ويقال «غرزة» فلان أو فلانة ـ الغرزة مجموعة من الاعشاب العطرية توضع كحزمة تحت عصابة الرأس، وكذلك يستخدمها النساء بفن شديد كحزمة مطوية في جوف غطاء الرأس خضراء أو جافة ـ وكان من النادر ان تجد بيتا في المنطقة يخلو من حوض زراعي صغير لزراعة الازهار، وعادة ما يكون الحوض بالقرب من الباب الخارجي حتى يتسنى للضيوف القطاف منه اثناء الخروج.

ويضيف النمري أنه لا يختلف الورد الطائفي عن غيره ونستطيع القول إنها هي نفس الشجيرة في الهند أو تركيا أو بلغاريا وكما هي شجرة المشمش في أي مكان في العالم لا يفرق بينها وأخرى إلا اختلاف البيئة التي تزرع فيها فما ميز الورد الطائفي عن غيره هي رائحته الشذية وقيل إنه انتقل قبل 420 عاما إلى المنطقة من الشام وقيل من الهند المهم إنه نجح فيها ومنها سمي بملك الورد، أما عن بداية هذه الصناعة فلم يوجد أثرٌ يدل على بدايتها قبل أكثر من 120 عاما.

ويشير الى أنه يتم تقليم نبات الورد الطائفي بهدف تجديد أفرع النبات والحصول على فروع جديدة وأكثر حتى يزيد من الإنتاج الزهري وكذلك للمحافظة على شكل وطول النبات فما يخص فصل الخريف وكذلك شهر سبتمبر من كل عام وهو تقليم جائر حيث يحتاج من كل نبتة من 3-5 فروع حديثة النمو ومنتظمة التوزيع على النبتة ثم تزال الأفرع الأخرى كما يتم فيه تقصير الفرع المختارة.

وعطر الورد دليل جاهزية الرجل في الطائف وجوهر كمال أناقته، ويرش منه في المناسبات الرسمية والاحتفالات وعند لقاء كبار الشخصيات فهو يوحي بإيماءات النجاح ووثبات الإنسان الواثق ويلازم عبيره الفواح الجزء الخلفي من (ياقة الثوب) لكيلا يترك أثراً على أقمشة الثياب فيصعب حينئذٍ غسلها لأن أثرها لا يبقى فقط في القلوب بل يرتسم على هندام عاشقيه.

من جانبه يوضح الدكتور سليمان آل كمال أستاذ الحضارة الإسلامية في جامعة أم القرى والمنتمي لإحدى الأسر العريقة التي امتهنت صناعة الورد الطائفي، أنه حين يزهر شجر الورد في مزارع الهدا يتم قطعه وجمعه في الصباح الباكر، ويوضع في أكياس من القماش تسمى (الدوت) مبللة بالماء حتى لا يذبل حتى يتم وزنه ثم يجمع لأحد المشتغلين الذي يقوم بعد مقدار مائتين وخمسين وردة ويضعها في إحدى كفتي ميزان فيوزن في الكفة الأخرى مثلها فيصبح العدد 500 وردة ثم بعد الوزن يتم تدوين إنتاج كل مزرعة ورد على حدة. بعد ذلك ينقل الورد المعبأ في قدور التقطير إلى المصنع حتى يتم وضع الورد بداخل أكياس القماش إلى قدور التقطير المصنوعة من النحاس في عملية تسمى بالقرع وتختلف سعة كل قدر حيث يوضع ماء في القدر بارتفاع شبر تقريباً حتى لا يحترق الورد من الحرارة أثناء التقطير ثم يوضع الورد فوق الماء بداخل القدر ويتم كبسه بالأيدي ليفرغ القدر من الهواء ثم يغطى بإحكام، ويتم تلحيمه وتلحيم مواسير التكثيف بإحكام حتى لا يصبح هناك تسرب أثناء الطبخ فلا يستفاد من التقطير فيتبخر عطر وماء الورد في الهواء وهذه العملية تعرف عند أصحاب الصناعة باسم التلقيم.

أما غطاء الورد الذي هو على شكل نصف كروي فله شفة بارزة إلى الداخل متصلة بماسورة من النحاس لكي يتم فيها تجميع البخار وخروجه عن طريق هذه الماسورة التي يتراوح طولها من مترين إلى ثلاثة أمتار تمر في داخل حوض من النهر البارد حتى يتم تحويل بخار ماء الورد لكي تسهل عملية جريان ماء الورد فيها وتكون هذه الماسورة في نهايتها معطوفة بمقدار 90 كالميزاب متصلة من أسفلها بقوارير كبار من زجاج وعندما يتجمع فيها ماء الورد المقطر إلى عنقها يشترط ألا تمتلئ لكي لا يسكب منها ماء الورد حتى يتم جمع الدهن(العطر) الذي يطفو عادةً على سطح ماء الورد وهو المعم في العملية كلها فيسحب الدهن بواسطة قطارة أو برواز الحقن. ويشير آل كمال الى أن قدور الطبخ يجب أن تكون مرفوعة على الأرض محمولة على حوامل مبنية بالحجر حتى يتم إشعال النار تحتها بأقوى ما يكون إلى أن يرى ماء الورد قد بدأ في التقطير فتنخفض النار وتصبح هادئة كنار الشمعة حتى لا يحترق الطبخ وتتلف العملية نهائياً.

وتأتي على حسب الدكتور سليمان من بعدها عملية التكرير وهو أن يوضع بدل الماء العادي أثناء الطبخ ماء ورد سبق تقطيره عند ذلك يعطينا ماء ورد مركز تزيد قيمته الشرائية في سعر البيع عن ماء الورد العادي بالضعف، وحين التقطير وتعبئة أول قارورة ماء ورد كبيرة تسمى بالعروس لأنها رائحة أكثر تركيزاً.

وفي هذا الخصوص يضيف عيسى القصير الباحث السياحي أنه اشتهرت مدينة الطائف بزراعة الورد بأنواعه وألوانه الجذابة وخاصة الورد الطائفي المميز منذ القدم وإلى الآن المعروف بعطر الورد (الدهن) وماء الورد، وقد ذكر عطر الورد في المعاجم والمصادر التاريخية وكذلك في اللغة، وهناك أنواع عديدة في الورود وخاصة الورد الجوري، ومنها الورود ذات اللونين الأبيض والأحمر.

كما انتشرت بأزهارها المختلفة الأنواع ذات الروائح العطرية كالسوسن والياسمين والنرجس والورود المتنوعة، فيستخرج منها العطر الشذا، وقد أضفت مواقع زراعة الورود منظراً طبيعياً وبيئة خلابة وجواً مشبعاً بروائح الورود والأزهار، الذي يبعث على الانشراح والسرور للفؤاد وللزائرين، وكان عطر وماء الورد في القرون الماضية وإلى الآن يصدر إلى مكة المكرمة وكانوا يطيبون به الكعبة المشرفة. وكانت بساتين الطائف تزخر بالأزهار والورود لاستخراج العطور منها، وكان ماء زندم المخلوط بماء الورد تغسل به الكعبة المشرفة أيام المواسم.

وتمتاز مدينة الطائف بإنتاج الورد الطائفي المميز محلياً وعالمياً، فقد اشتغلت بعض الأسر في الطائف في صناعة وإنتاج عطر الورد الطائفي أكثر من 150 عاماً، وهما أسرتا آل القاضي وآل كمال في إنتاج وبيع عطر وماء الورد.

وفي هذا العهد الزاهر، توجد عشرات المصانع والمعامل لتكرير عطر وماء الورد والزهر وأنواع العطور والروائح العطرية، حيث توجد عشرات المزارع والبساتين لإنتاج الورد الطائفي، والذي يبلغ تعداد الورد أكثر من 700 مليون وردة في السنة الواحدة، وهذا بفضل الله عز وجل الذي أنعم على أهالي الطائف بهذا المنتج الفريد من نوعه في العالم، وأغلب أصحاب هذه المزارع من قبائل ثقيف وقريش التي اشتهرت بهذا المنتج من أب إلى جد في صناعة عطر الورد وذلك في كل من منطقة الهدا والشفا والمناطق الجبلية التي تحيط بمدينة الطائف، فأصبح الورد عنوان أهالي الطائف مع عسلها الشهد.