سباحة ضد التيار.. الإيطاليون يغزون الصين

دار فيراغامو الإيطالية للأزياء الباذخة تحتفل بذكرى ولادتها الثمانين في شانغهاي

برعت دار فيرا غامو في صناعة الاحذية والجلديات («الشرق الأوسط»)
TT

ايطاليا كانت دوما تحلم بغزو الصين تجاريا منذ القرن الثالث عشر حين زارها الرحالة ماركو بولو متبعا مع والده «طريق الحرير» البري من البندقية الى القسطنطينية ثم عبر بلاد العرب والفرس والمغول في أواخر الحروب الصيليبية، والآن نجد ثلاثمائة ألف مستورد ومصدر ايطالي الى الصين خاصة في عالم الملابس والأزياء. لا عجب أن دار سيلفاتوري فيراغامو العريقة من فلورنسا قررت الاحتفال هذا الشهر بعيد ميلادها الثمانين في أكبر مدينة تجارية في الصين، وهي شانغهاي التي يسمونها مدينة المستقبل، وأطلقت بهذه المناسبة منتوجين جديدين لها: عطر روح توسكانا (على اسم المقاطعة بوسط ايطاليا وعاصمتها فلورنسا) ودخولها لأول مرة عالم الساعات الفاخرة.

بدأت احتفالات ميلاد الدار منذ أواخر الشهر الماضي وستستمر حتى اوائل شهر مايو (أيار) الحالي واقيم في شانغهاي نموذج لقصر سبيني فيروني من القرون الوسطى ومقر فيراغامو في فلورنسا منذ عام 1938 حتى الآن كما أقيم عرض للباليه لمع فيه راقص الباليه الايطالي المذهل روبرتو بوليه الراقص الرئيسي في دار اوبرا لاسكالا ميلانو وخلفه الثريات الباهظة القادمة من فينيسيا والمصنوعة يدويا من زجاج مورانو الشهير وتبع ذلك عرض للأزياء الرجالية والنسائية لخريف وشتاء 2008. ثم افتتح عرض بالصور بعنوان «فيراغامو.. الأسطورة المتطورة 1928 ـ 2008» في معرض الفن الحديث بشانغهاي يعطي الزائر فكرة عن مؤسس الدار الذي اشتهر في هوليوود بتصميمه وتفصيله لأحذية نجمات السينما أمثال آفا غاردنر وريتا هيوارث ومارلين مونرو كما كان من الرواد الايطاليين الذين ركزوا اهتمامهم على آسيا اذ زار طوكيو عام 1958 للتعامل التجاري معها في حقل الأزياء الباذخة والمنتجات الجلدية، ويشمل المعرض أيضا 300 من ابتكارات سيلفاتوري فيراغامو الثمينة التي ابتدعها خلال حياته من عام 1898 الى 1960. صرحت زوجته واندا التي مازالت على قيد الحياة وترأس الشركة «لقد اخترنا الصين وخاصة شانغهاي ومتحفها المهيب للفن الحديث عن عمد نظرا لثراء تاريخ الصين وتقاليدها العريقة، ونعرض لأول مرة الصرح الذي أقامه زوجي بابتكاراته وقيمه ومعاييره العالية لا قصة حياته فقط». ويقسم المعرض الى عدة أقسام أولها جذور سيلفاتوري فيراغامو حيث ولد في عائلة فقيرة قرب نابولي بلغ عدد أفرادها 14 طفلا وثانيها نجاحه في كاليفورنيا وكيف تهافتت عليه نجمات هوليوود القديمات من أيام السينما الصامتة كماري بيكفورد وغلوريا سوانسون وجون كرافورد وظهرت أحذيته في الأفلام التاريخية العتيقة مثل «الوصايا العشر» لسيسيل دي ميل و«لص بغداد» لراول ولش. القسم الثالث هو بناء نسخة مصغرة طبق الأصل عن قصر سبيني فيروني، مقر دار فيراغامو، الذي بناه ممول البابوات في فلورنسا في القرن الثالث عشر والقسم الرابع يحتوي على صور بالابيض والأسود لمنتجات فيراغامو القديمة التي تظهر المهارة اليدوية الحرفية في ايطاليا وهي مأخوذة من متحف فيراغامو الذي افتتح في فلورنسا منذ عام 1995 والقسم الأخير يشمل المواد المبتكرة الرخيصة التي تستعمل في صنع بعض البضائع كالقش والخرز أو المواد الباهظة مثل معدن التيتانيوم المستعمل في الساعات الجديدة التي تصنعها شركة تايمكس السويسرية لحساب فيراغامو. خطة الدار هي التركيز على السوق الآسيوي المهتم بالساعات الفاخرة لأن الصيغة التي تغزو قلوب الزبائن هناك ترتكز الى مزج الجودة مع الابداع .

دار فيراغامو ليست الوحيدة التي تتوسع أعمالها في الصين فالايطاليون يريدون لعب دور هام في السوق الصينية فهناك منذ شهر اسبوع خاص في بكين بعنوان «أنا أعشق الأحذية الأيطالية» كما وصل وفد من ثلاثين شركة ايطالية لاسبوع الموضة للكنزات الصوفية والجلود والاكسسوار وبالطبع الانتاج الايطالي قوي في كل من هذه المجالات حيث بلغ استيراد الصين من الأصواف حاليا 535 مليون دولار يأتي ثلثها من ايطاليا وقد زادت مبيعات الموضة الشيك القادمة من ايطاليا الى الصين من 138 مليون دولار عام 2006 الى 201 مليون دولار في العام الماضي أي بزيادة 25 في المائة ويستخدم الايطاليون عارضات الأزياء الصينيات ليقدمن الأزياء الاوروبية كما افتتح أغنى المصممين الايطاليين جورجيو أرماني خمسين متجرا جديدا منتشرة في 12 مدينة صينية وهو سادس مستثمر في قطاع الأزياء بعد هوغو بوس وارمنجيليو زينيا ورالف لورين وبوربوري وفيراغامو وبعد نجاح فندقه في دبي سيبني أرماني عشرة فنادق في الصين سيكون أولها في شانغهاي.

خطة فيراغامو لغزو الصين جريئة وكما ألهم ماركو بولو من فينيسيا فيما بعد كريستوفر كولومبوس من جنوى للسفر غربا الى الصين بالطريق البحري فاكتشف القارة الاميركية بالصدفة تثير الصين مخيلة دار فيراغامو لأنها لم تدخل بعد عصر الاستهلاك الغربي لكن الثراء المتزايد فيها لطبقة معينة سيدفعهم مثلما دفع اليابانيين قبلهم قبل نصف قرن الى اختيار بضائع فيراغامو الباذخة والهادئة لأن الذوق الصيني يتسم بالاتزان وضبط النفس على خلاف الذوق الروسي للاثرياء الجدد الذين يميلون الى الالوان الزاهية القوية. ميزة فيراغامو أن منتوجاته مصنوعة في ايطاليا بيد حرفية ماهرة لذا يقول جيمس فيراغامو حفيد المؤسس «الصينيون يحبون كل شيء صنع في ايطاليا لأنهم يدركون قيمة الجودة وبراعة الحرف اليدوية الفنية ولا يغترون بالمظهر والتباهي ولفت الأنظار».

وتضيف كريستينا اوريتز مصممة الأزياء النسائية لدى الدار «المرأة الصينية ليست من ضحايا الموضة» .