لماذا نخشى أزمة الرهن العقاري؟

سـعود الأحمد

TT

عندما نكتب عن أزمة الرهن العقاري العالمية، فإن أهمية هذا الأمر تنبع من قناعتنا بتأثيرها البالغ على الاقتصاد العالمي. والأمر الأهم في هذه الأزمة أنها ترتبط بالبنوك. فكما هو معروف أن أي هزة في ملاءة وكفاية رؤوس أموال البنوك التجارية العالمية، معناه انهيار الاقتصاد العالمي. وبالتالي فإن الأضرار، حتى لو عُرف فاعلوها ومن تسببوا بها، تعم آثارها السلبية (لا تصيبن الذين ظلموا خاصة). ومن هنا تبرز أهمية ودور مراجع الحسابات الذي يعتبر بمثابة صمام الأمان للاقتصاد الوطني. وبهذا الصدد.. كنت قد كتبت عدة مقالات (منذ زمن طويل) عن موضوع أهمية دور مراجع الحسابات، كان أولها مقال مطول نُشر في جريدة «الجزيرة» بالعدد (4638) بتاريخ (11/6/1985) بعنوان «نظرة على أهمية ودور مراجع الحسابات».. للحديث عن أهمية عدالة القوائم المالية ودور مراجع الحسابات باعتباره صمام الأمان للاقتصاد القومي، وبتركيز على البنوك التجارية. ولا أزال أؤكد خطورة ذلك. وهو أمر يسهل تصوره، لأن مجرد الشك في ملاءة البنوك التجارية، يعني أن المودعين سيهرعون لسحب ودائعهم من هذه البنوك في وقت واحد. وكما هو معروف فإن البنوك التجارية لا تحتفظ بكامل أموال مودعيها في صورة أموال نقدية. بل إن البنوك التجارية تعيش على توظيف ما لديها من ودائع في قروض واستثمارات مالية. ولذلك تحرص الجهات الرسمية على حماية البنوك التجارية، وهو السبب الذي يبقي عيون البنوك المركزية دائماً وأبداً مفتوحة على هذا الأمر باعتباره أهم وظائفها.

ومن هنا يفهم سبب تدخل البنوك المركزية العالمية (المدعوم سياسياً) لحماية الوضع المالي والائتماني للبنوك التجارية. ليس بهدف حماية المستثمرين في الشركات العقارية العالمية أو في الأسواق المالية، ولا حتى حماية للمؤسسات المالية ومساهمي البنوك. ولكن خوفاً من شبح نقص السيولة النقدية، من تداعيات أزمة الرهن العقاري وحماية لاقتصادات الدول العظمى من تداعيات الركود الاقتصادي العالمي، ورغبة في حماية الاقتصاد الكلي العالمي. ويؤكد ذلك ما ذكره الكاتب مارتن وولف في مقاله بعنوان «لا يجدر بالبنوك المركزية أن تنقذ الحمقى من حماقتهم» ويقول إن الحمقى ثلاثة؛ الأول: المدين الذي اقترض فوق طاقته لشراء المسكن، والثاني: المستثمر أو الصندوق الاستثماري الذي اقتنع بشراء هذا القرض، والأحمق الثالث: هو الشعب (دافع الضرائب) الذي يقبل أن يدفع ثمن حماقة الاثنين السابقين. ولذلك، فإن التدخل لا يعقل بحال من الأحوال أن يصل إلى أن تشتري البنوك المركزية هذه القروض.

ولعل من المفيد، التفريق بين الأثر المتمثل في خسائر الشركات والصناديق العقارية بالأسواق المالية العالمية وبين تداعيات هذه الخسائر على اقتصادات العالم. وإن كانت العلاقة بينهما حتمية على الأمد الطويل. لكن الأثر يبقى مباشرا عندما يتسبب ذلك في نقص السيولة، يقابله زيادة عرض بالأوراق المالية (أسهم وسندات وغيرها) ونقص في الطلب فيحدث ركود في الأسواق المالية.

وبالتالي فإن أثر الأزمة على الاقتصاد العالمي واحتمال حدوث كساد عالمي، سيبقى مهما بذلت الحكومة الأمريكية بالتعاون مع البنوك المركزية العالمية لحلحلة أزمة الرهن العقاري، لأنها مجهودات لا تعدو مجرد مسكنات للأسواق المالية العالمية، لامتصاص الأثر النفسي عن طريق تأمين السيولة، حتى لا تنهار أسعار الأسهم والسندات والأصول الأخرى. إلا إذا نجحت الدبلوماسية الأميركية في مساعيها لبحثها عمن يدفع الفاتورة نيابة عن الاقتصاد الأميركي. وعلى الطريق سيتم البحث عن كبش فداء. وقد يكون كبشَ الفداء هذا، مراجعو الحسابات أنفسُهم ليلقوا عليهم بالمسؤولية، جراء تقصيرهم المهني في تقييم هذه القروض من قبل مختصين، والتأثير بذلك على القوائم المالية للفترات السابقة التي حدثت فيها.

وختاماً.. فإن السيناريو المتوقع لهذه الأزمة أن البنوك المركزية ستبقى على أهبة الاستعداد لتأمين المزيد من السيولة. لكن من خسر في سوق الرهن العقاري سيدفع ثمن خسارته، وأن تأخر في الإفصاح عن خسائره. كما أن العالم مقبل على حالة من الكساد.

* كاتب ومحلل مالي [email protected]