لبنان.. مهرجانات الصيف قادمة

برامجها تعكس تنافسا حادا بعد غياب قسري سنتين

أحد الحفلات خلال مهرجانات بيت الدين («الشرق الأوسط»)
TT

المؤتمر الصحافي ،الذي عقدته لجنة «مهرجانات بيت الدين» يوم الخميس الماضي معلنة عودة نشاطها ببرنامج متنوع يستمر على مدار شهرين، كان مفاجأة أدهشت الجميع. فبالكاد التقط لبنان أنفاسه حتى تبين أن القيمين على الأنشطة الفنية والثقافية لم يكونوا في عطلة اثناء الأزمة التي عصفت بلبنان، والاشتباكات الدموية التي كادت تطيح بالبلد بأكمله. فقد تحولت مكاتب المهرجانات الصيفية بمجرد الإعلان عن «اتفاق الدوحة» لخلايا نحل لاستكمال استعداداتها والإعلان عن برامجها التي عملت على تحضيرها طوال الشهور السابقة. ويبدو انه بينما كان المواطنون العاديون يبحثون عن الخبز والأرز لتخزينه خشية عدم الوصول إلى مواد تموينية في حال اشتدت الأزمة، كانت لجان المهرجانات، تتحضر لسلام موعود وصل الأمل ببلوغه مستويات منخفضة جداً. وتؤكد أسمى فريحة من لجنة «مهرجانات بعلبك الدولية»، ان «الظروف التي مرت لم تمنعنا من التحضير، تصرفنا وكأن لا مخاطر تهددنا. نحن نعمل وكأن الأمن مستتب، وإذا لم تواتينا الفرصة، نلغي الحفلات، رغم ما يترتب على ذلك من التزامات مالية ومتاعب، لكننا محكومون بالعمل على هذه الوتيرة، ولا خيار أمامنا في لبنان غير هذا الخيار المربك». «ليس ذلك فحسب ـ تضيف فريحة ـ بل نعدكم بأن برنامجنا الذي سنعلن عنه خلال أسبوعين سيحمل مفاجآت من الوزن الثقيل، وسيتضمن حفلات عالمية لكل الأذواق. فنحن نعمل بجد منذ مطلع السنة ليكون المهرجان كما نتمناه». وإذ تعترف فريحة بأن المعارك الأخيرة حملت بعض الفرق العالمية على إلغاء عروضها، مما اضطر اللجنة للبحث مجدداً عن فرق بديلة. وجدير بالذكر ان المهرجانات الصيفية اللبنانية هي عصب للحركة السياحية. وكان بعضها قد باشر حفلاته بالفعل عام 2006 يوم بدأت حرب تموز الإسرائيلية، فتوقفت حينها. وحاول المنظمون الذين نشطوا طوال العام الماضي، إحياء المهرجانات عام 2007، لكن الوضع كان أصعب من ان يحتمل استقبال فرق أجنبية، بسبب الانفجارات الغادرة. وحدها «مهرجانات بيبلوس» في مدينة جبيل تجرأت وأحيت حفلاتها، ولقيت رواجاً كبيراً. وتقول مسؤولة عن أحد المهرجانات: «شعرنا بغصة حين شاهدنا الإقبال على مهرجانات بيبلوس رغم المخاطر، وتمنينا لو أننا عاندنا الظروف، وقدمنا برنامجنا الصيف الماضي. هذه السنة، قررنا ان شيئاً لن يثنينا عن العمل، نحن ننطلق من مبدأ أن كل شيء على ما يرام ولو كانت المعارك دائرة. فلبنان تتغير أوضاعه بين لحظة وأخرى». وهكذا فإن «مهرجانات بيبلوس»، وهي أصغر المهرجانات عمراً وأكثرها إصراراً على ما يبدو، ستعلن عن برنامجها لهذا الصيف خلال عشرة أيام على أن تكون اولى حفلاتها يوم 8 يوليو (تموز) المقبل. لجنة «مهرجانات دير القمر» في منطقة الشوف التي تقيم حفلاتها على مقربة من بيت الدين، تنشط ايضا، لتضع اللمسات الأخيرة على برنامج سيكون خاصاً جداً، لأنه يركز على الإنتاج الفني اللبناني المحلي. ويتم تمويل الفنانين ليقدموا أعمالهم، ولن يتم استقدام فرق أجنبية، تمايزاً لهذا المهرجان عن غيره.

رولا قبيسي من «زيكو هاوس»، الذي ينظم سنوياً في شهر سبتمبر (ايلول) «مهرجان بيروت لعروض الشارع»، وهي عبارة عن عروض فتّانة، ومختارة بعناية فائقة، تجوب شوارع بيروت والمناطق، في محاولة لكسر الحاجز بين المواطن العادي والفن، تؤكد أيضاً أن العمل مع الفرق التي تم التعاقد معها لم يتوقف، وان هؤلاء كانوا يتصلون وهم يرون المعارك على شاشاتهم في شوارع بيروت، ليسألوا إن كان الاتفاق قد ألغي، فيأتيهم الجواب، بألا إلغاء ولا تراجع. وتضيف قبيسي: «كنا نشرح لهم باستمرار، أننا لن نستضيفكم لو شعرنا بأن هناك أي خطر عليكم. أتركوا لنا الأمر، امنحونا ثقتكم، وسنعلمكم بقرارنا في حينه». وتشرح قبيسي: «علمتنا التجربة أن نبقى مصرين على ما نبرمجه حتى يوم العرض. إن لاحظنا أن ثمة مخاطر جدية، نلغي الموعد في اللحظة الأخيرة». المشكلة التي تواجه المهرجانات هذه السنة هي التمويلات، فإصرار المنظمين على العمل رغم المخاطر، جعلهم يقعون في خسائر متكررة نتيجة إلغاءات تكلف غالياً. هذا يجعل الممولين أكثر شحاً، ورجال الأعمال اقل إغداقاً، لأنهم يعتبرون أن أولويات الناس ليست فنية، اقله في الوضع الحالي». وتشرح وفاء صعب من لجنة «مهرجانات بيت الدين»، ان المخاطرة لا تعني عدم العمل بحذر: «الفنانون يطالبون بمبلغ مالي عند التعاقد، وهذا لا مهرب منه في بعض الأحيان، وحين يتم الإلغاء ثمة من يعيد كل المبلغ او بعضه. لذلك لجأنا إلى بند في العقود، يسمح بالإلغاء في الحالات الطارئة. لقد عودنا أنفسنا على التأقلم. فنحن انطلقنا عام 1985 أي خلال الحرب ولم نتوقف من حينها إلا السنتين الماضيتين». وتتحفظ لجان المهرجانات عن إعطاء اي تفاصيل حول برامجها قبل الإعلان الرسمي، ولم يكشف حتى الآن إلا عن برنامج «مهرجانات بيت الدين» الذي ينطلق يوم 11 يوليو (تموز) المقبل بتحية للفنانة أسمهان من خلال حفل تحييه المطربة المغربية كريمة صقلي، التي هي اليوم مرجع في الفن الأندلسي، ورمز مغربي. وهناك حفل لعشاق الجاز يقدمه برانفورد مارساليس وفرقته الحائزة ثلاث جوائز غرامي. واحد ضيوف هذا العام، وزير الثقافة البرازيلي جيلبرتو جيل وفرقته الموسيقية، وهو حائز سبع جوائز غرامي وباع ما يقارب أربعة ملايين اسطوانة. وعلى مدى ثلاثة ايام (23-24-25 يوليو) سيغرق الجمهور في أجواء التانغو مع فرقة «كارلوس غارديل» الأرجنتينية. وواحدة من الحفلات الأكثر انتظاراً تلك التي يحييها الفنان ميكا وسط بيروت يوم 27 يوليو في «ساحة الشهداء» بتنظيم مشترك بين مهرجاني بيت الدين وبعلبك. ويقتصر شهر يوليو على ثلاثة مواعيد احدها لكاظم الساهر وآخر لماجدة الرومي. أما الختام يوم 12 أغسطس (اب) فيكون لإطلاق فنانين لبنانيين شابين هما عازف الكمان نسيب الاحمدية والمغني الأوبرالي ماثيو في حفل مزدوج يجمع الموسيقى إلى الغناء. وبإعلان وزير السياحة بأن لبنان ينتظر هذا العام مليونا إلى مليون و600 ألف سائح هذا الصيف، بمقدور القيمين على المهرجانات أن يحلموا بتعويض بعض ما فاتهم خلال العامين الماضيين.