قمة دولية في روما لإيجاد حلول للأزمة الغذائية العالمية وسط توجه خليجي للاستثمار في الزراعة

توقعات بأن تقفز فاتورة استيراد الغذاء للدول النامية بـ40% عام 2008 إلى 169 مليار دولار

الارتفاع القياسي لأسعار المواد الغذائية زاد من تكبيل القدرة الشرائية للافراد في كل أنحاء العالم («الشرق الأوسط»)
TT

يصل رؤساء دول وحكومات العالم غدا الثلاثاء الى روما للمشاركة في قمة لمنظمة الامم المتحدة للاغذية والزراعة (فاو) مخصصة للامن الغذائي تستمر حتى الخميس المقبل سعياً لتنسيق مواقفهم في مواجهة ارتفاع اسعار السلع الغذائية. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصادر دبلوماسية قولها ان الامين العام للامم المتحدة، بان كي مون، الذي سيلقي كلمة لدى افتتاح المؤتمر، سيكشف عن «خطة عمل» للتصدي للازمة الغذائية. واوضحت المصادر نفسها ان خطة العمل هذه تتضمن مبادئ للتحرك من اجل مواجهة الارتفاع الجنوني للاسعار. وقد أعدتها «خلية ازمة» شكلت قبل شهر وتضم رؤساء وكالات الامم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وستناقش الدول الاعضاء الـ193 اثناء المؤتمر الذي يستمر ثلاثة ايام خطة العمل التي ستكون مدرجة في البيان الختامي لتبنيها المحتمل من الجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك في سبتمبر (ايلول)، بحسب مصادر في الامم المتحدة. وفي وقت تصيب فيه الأزمة الغذائية البلدان الاكثر فقراً على وجه الكوكب في الصميم وتثير اضطرابات في افريقيا ومنطقة الكاريبي وآسيا، اعلن العديد من القادة مشاركتهم في هذه القمة التي تنظمها الفاو. ومن القادة الذين أعلنوا مشاركتهم الرؤساء الفرنسي نيكولا ساركوزي والمصري حسني مبارك والايراني محمود احمدي نجاد والارجنتينية كريستينا كيرشنر والبرازيلي لويس اينياسيو لولا دا سيلفا، اضافة الى رئيسي الوزراء الاسباني خوسي لويس رودريغيز ثاباتيرو والياباني ياسو فوكودا. كما سيحضر فضلا عن بان كي مون رئيس البنك الدولي روبرت زوليك والمدير العام لصندوق النقد الدولي دومينيك ستراوس كان.

وبحسب وكالة الانباء الألمانية، من المتوقع أن تتجاوز فاتورة استيراد الغذاء هذا العام بالنسبة للدول النامية 169 مليار دولار بزياد قدرها 40 في المائة عن العام الماضي. ونقلت (د.ب.أ) عن جاك ضيوف، مدير عام منظمة الفاو، قوله «الوضع الدراماتيكي الحالي للغذاء يذكرنا بهشاشة التوازن بين إمدادات الغذاء العالمي وحاجة سكان العالم، وحقيقة أن التعهدات السابقة بتكثيف الجهود نحو القضاء على الجوع لم يتم الوفاء بها».

من جهة أخرى، قال نائب مدير المنظمة خوسي ماريا سومبسي لوكالة فرانس برس معلقاً ان «تلبية هذا العدد من المسؤولين السياسيين الدعوة تدل على الاهمية التي بات يوليها المجتمع الدولي للمسائل الغذائية والزراعية». الى ذلك، يُنتظر ان يكون الوقود الحيوي بين المواضيع الشائكة التي ستبحثها القمة بعد ان اتهمت بالاسهام في ارتفاع الاسعار، وكذلك مسألة السياسات التجارية، مثل الدعم المالي للقطاع الزراعي والقيود على الصادرات، التي يعتقد انها تفاقم الازمة. وفي تقرير مشترك نشر هذا الاسبوع حذرت الفاو التي تتخذ من روما مقراً لها ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية من ان اسعار المنتجات الزراعية ستبقى على مستويات مرتفعة جدا خلال العقد المقبل، حتى إذا عاودت التراجع تدريجيا عن المستويات القياسية المسجلة في الاشهر الاخيرة. وتطالب الفاو بما بين 1.2 و1.7 مليار دولار لتمويل برامج عاجلة لتوزيع البذور والاسمدة بغية انقاذ الانتاج الزراعي خلال 2008-2009. كما تأمل الوكالة الدولية في الحصول اثناء القمة على التزامات مالية، وإن لم يكن هدف هذا المؤتمر جمع الاموال.

وعلى صعيد متصل، قالت وكالة الانباء الالمانية في تقرير لها إن حقيقة أن المرء لا يستطيع أن يأكل البترو دولار تثير ضيق مواطني دول الخليج الغنية بالنفط هذه الأيام. فعلى الرغم من أن الخزائن في الرياض وأبوظبي والدوحة وغيرها من عواصم المنطقة أتخمت بالدولارات بعد الارتفاع الصاروخي في أسعار النفط على مدى الشهور الماضية، فإن الجنون الذي أصاب أسعار المواد الغذائية في المقابل جعل مستوى معيشة قسم كبير من المواطنين أدنى مما كان عليه قبل عام.

وتضررت هذه الدول الصحراوية بشدة لأنها تستورد أكثر من 80 في المائة من احتياجاتها من الغذاء الذي تحتاج إليه لإطعام سكانها الذين تتزايد أعدادهم سريعا.

وفي مسعى لكبح جماح هذا التضخم الجامح الذي تؤججه تكلفة استيراد الغذاء، تبنى حكام دول الخليج استراتيجية جديدة: شراء الاراضي الزراعية غير المستغلة في الدول الفقيرة مثل باكستان وتايلند والسودان حيث أصبحوا من كبار المزارعين. ففي منتصف مايو (أيار) الحالي توجه وزير الصناعة والتجارة البحريني حسن فخرو إلى تايلند لاجراء محادثات بشأن إقامة مزرعة هناك لزراعة الارز من فصيلة «ياسمين» كبديل عن الارز البسماتي الشائع استخدامه في البحرين. وتهدف شركة «أبراج كابيتال» وهي شركة استثمارات خاصة مقرها دبي إلى العمل مع حكومة الامارات العربية على شراء مساحات كبيرة من الاراضي في باكستان لتنفيذ مشروعات زراعية كبرى. وتأمل حكومة الامارات من خلال عملها كمنتج وتاجر في خفض أسعار المواد الغذائية عبر القضاء على الوسطاء.

وبحسب وكالة الانباء الألمانية يشكل هذا التطور مثالا على العولمة في صورتها الكاملة. فالاجانب يشكلون نحو 80 في المائة من سكان الإمارات والباكستانيون هم ثاني أكبر جالية بعد الهنود. وإذا ما واصلت اسعار المواد الغذائية ارتفاعها فإن هؤلاء سيصبحون اقل رغبة في الاحتفاظ بوظائفهم كمديرين وعمال هناك.

وتعد السعودية وقطر الأشد اهتماما بالاراضي الزراعية الخصبة في السودان وغالبيتها غير مستغل أو لا يستغل بالقدر المطلوب.

أما مصر صاحبة القدرات الاستثمارية الاقل، وإن كانت تربطها بالخرطوم علاقات تقليدية وثيقة فقد أبدت اهتماما بشمال السودان. وأبرمت القاهرة اتفاقا مع حكومة الرئيس السوداني عمر البشير يقضي بزراعة مليوني فدان بالقمح في منطقة وادي حلفا التي لا تبعد كثيرا عن الحدود المصرية.

وسيوفر هذا الاتفاق على مصر كلفة شراء القمح من الخارج الذي يضطرها لدفع نسبة كبيرة من دخلها من العملات الصعبة كل عام.

على جانب آخر، قرر العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي تتصدر بلاده قائمة الدول المنتجة للنفط في العالم التخفيف من تأثير ارتفاع أسعار الغذاء ليس على السعوديين وحدهم بل على المجتمع الدولي ككل.

فقد أعلنت المملكة العربية السعودية، الاسبوع الماضي، التبرع بـ 500 مليون دولار لصالح برنامج الاغذية العالمي التابع للامم المتحدة هذا العام.