المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار يبدأ أعماله اليوم في السعودية

برعاية خادم الحرمين الشريفين وبحضور 500 شخصية

جانب من المؤتمر الصحافي الذي عقد في رابطة العالم الاسلامي في مكة المكرمة (تصوير: غازي مهدي)
TT

يفتتح خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز فعاليات المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار اليوم بقصر الصفا في مكة المكرمة، وسط حضور أكثر من 500 شخصية إسلامية من مختلف دول العالم الإسلامي، بهدف وضع أسس ومبادئ لحوار المسلمين مع غيرهم من الأمم والحضارات.

وأعلنت رابطة العالم الإسلامي، التي تتولى تنظيم المؤتمر الأول من نوعه ومكانته في العالم الإسلامي، اكتمال كافة استعداداتها التنظيمية ووصول المتحدثين من علماء وفقهاء يمثلون كل المذاهب والأقليات المسلمة في العالم، وذلك خلال المؤتمر الصحافي للدكتور عبد الله التركي أمين الرابطة الاثنين الماضي.

وقال الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي وعضو هيئة كبار العلماء في السعودية لـ«الشرق الأوسط»: «إن عقد المؤتمر العالمي للحوار: الذي يبدأ أعماله اليوم مرتبط بضرورة فتح قنوات حوارات ونقاشات للوصول إلى قواعد مشتركة تخدم الإنسانية وتجنب العالم والأمم شرور الصراعات والتجاذب والانقسام، موضحاً أن اهتمام المؤسسات الإسلامية، ومن بينها الرابطة، بالحوار في هذا التوقيت يأتي استجابة لدعوة خادم الحرمين الشريفين التي جاءت في وقتها وفي وقت يشهد العالم فيه حلقات نقاش موسعة لوضع أسس لحوار موضوعي يسد الطريق أمام مؤسسات معادية للإنسانية تعمل لخلط الأوراق».

وأوضح الدكتور التركي أن الإسلام دين حوار وإقناع واقتناع لأسباب كثيرة أولها أنه يحترم العقل الإنساني ويحث على استخدامه.. وأن الحوار عند المسلمين ثمرة التصور الإسلامي للإنسان القائم على تحديد غاية الوجود الإنساني وهي عبادة الله والخضوع له، ومدّ الوعي لدى هذا الإنسان إلى ما وراء الحياة الدنيا القصيرة، إلى الحياة الخالدة الباقية.

وقال إن المؤتمر مناسبة للتأكيد للعالم أنه لا توجد في الإسلام مشكلة في التعامل مع الأطراف الأخرى. وقد نجح سلفنا الصالح في وضع نواة أمة كبيرة ضمت شعوباً وألواناً عديدة، وتعايشت فيها حضارات عريقة عملت لنصرة الدين الواحد، دون أن تكون مضطرة للتخلي عن الصالح من حضاراتها ولغاتها وتقاليدها.

وأكد الأمين العام للرابطة إلى أن قواعد الحوار الحضاري القائمة على مفهوم عالمية الإسلام توجب علينا إدارة حوار بالتي هي أحسن، مع الالتزام بالحقيقة في التعامل مع الوقائع. وقال إن التاريخ مليء بالجوانب المضيئة في العلاقة بين المسلمين وغيرهم، وهو يشهد بسماحة الإسلام وعدالته مع غير المسلمين.

وقال إن ترحيب المسلمين بالحوار يفتح لهم باب التأكيد على تعميم القيم المشتركة بين أبناء البشرية، مع تحديد نقاط واضحة للحوار لنبذ الاستعلاء الحضاري أو العنصري، مقابل التعريف بمبادئ الإسلام وعرض أحكامه في القضايا المختلفة وهو ما يجعل النقاش والحوار وسيلة من وسائل الدعوة ونشر قيم الإسلام لمواجهة الظلم وقهر المادة للإنسان في هذا العصر.

وأشار الدكتور التركي إلى أن التواصل مع الأمم، والحوار مع الآخر مسؤولية إسلامية فقد أمرنا الله تعالى بذلك في قوله «دع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين».

وأبان أن العالم اليوم يعاني من انتشار الحروب التي لا يخمد أوارها، وتتفشى أنواع من الظلم والعدوان في العديد من المناطق مما يزيد من قلق الإنسانية جمعاء، مع ما تسخره الآلة الإعلامية الضخمة من إمكانات لترويج معلومات خاطئة مضللة تعمق الخلاف وتزيد في التباعد بين الشعوب والأمم.. وكل هذا ـ يضيف د. التركي ـ يضعنا أمام مسؤولية وضع أسس للمحاورة والاتصال مع الآخرين لبيان موقفنا في كثير من القضايا الإنسانية المشتركة من منطلق التعريف بما أوجبه الله تعالى من بيان الحق «وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه» آل عمران 187.

وقال إن عالمية الإسلام لها أصولها وقواعدها، منها الدعوة لبني الإنسان عامة على اختلاف الأعراق والألوان واللغات، وإن مبادئ الإسلام لا تمنح ميزة قومية أو وطنية، وليس فيها وعود تخص جنساً أو عرقاً معيناً، بل الوعد الإلهي يتوجه إلى البشر جميعاً بالفلاح في الدنيا والسعادة في الآخرة إذا هم آمنوا وأحسنوا العمل في حياتهم.

من جانبها رحبت العديد من المراكز الثقافية الإسلامية في العالم بأهمية انعقاد المؤتمر الذي يأتي في وقت حساس تمر به الأمة الإسلامية، إضافة إلى كلمات الشكر والثناء على دعوة خادم الحرمين الشريفين ورعايته للمؤتمر التي اعتبروها توحد الصف الإسلامي بكل أطيافه، وكذلك تحقق مبدأ التفاهم والتعايش السلمي بين أمم وشعوب العالم.

وقال الدكتور إبراهيم الزيد، مدير المركز الثقافي الإسلامي في مدريد بإسبانيا، إن المؤسسات والجمعيات الإسلامية في إسبانيا تحيي مبادرة خادم الحرمين الشريفين في دعوته للحوار، وتقدر حرصه الشديد على أن يسود التفاهم بين المسلمين وغيرهم، كما أنها تنتظر نتائج (المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار) الذي ستعقده رابطة العالم الإسلامي، وستعمل بتوصياته، وستأخذ بمنهاج الحوار الذي سيتفق عليه العلماء والمفكرون المشاركون فيه.

وبين مدير المركز الإسلامي في إسبانيا أن رابطة العالم الإسلامي مؤسسة إسلامية كبرى، تمتلك رصيدا كبيرا من العلاقات مع مؤسسات الحوار ومراكز البحث والجامعات في العالم، وهي مؤهلة اليوم لتنظيم مهام الحوار وأعماله.

وأضاف الزيد «لتحقيق الأهداف الإسلامية في التعريف بالإسلام، والحد من الحملات الموجهة إليه، ومن ثم التفاهم مع الآخرين من خلال القواسم المشتركة على العمل المشترك والتعاون والتفاهم، مما يعزز ويقوي فرص التعايش بين الناس على اختلاف أديانهم وبلدانهم وأعراقهم ولغاتهم».

من جانبه، عبر الدكتور عبد العزيز اليحيى مدير المركز الثقافي الإسلامي ببروكسل في بلجيكا عن رغبة المؤسسات والجمعيات الإسلامية في كل من بلجيكا وهولندا بالتعاون مع رابطة العالم الإسلامي، من خلال تنظيم ندوات الحوار المشتركة، مشيرا إلى أن محاور المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار، ذات أهمية كبرى، لأنها ستضع نهجا شرعيا يستفيد منه المحاورون المسلمون في ندوات الحوار ومؤتمراته.

وأوضح مدير المركز الثقافي الإسلامي في بلجيكا ان من الأمور المهمة التي يتطلع إليها المسلمون في الغرب، أن تكون هناك مرجعية إسلامية عليا خاصة بشؤون الحوار الإسلامي مع غير المسلمين من أتباع الأديان والثقافات المختلفة، مضيفا «إن المحاور التي أعلنت عنها الرابطة، والتي سيعالج المشاركون في المؤتمر قضية الحوار ومشروعيته وضوابطه من خلالها سوف توجد منهجا موحدا تعتمد عليه المؤسسات الإسلامية في حوارها مع الآخرين».

وأشاد فريد خوتاني مدير المركز الثقافي الإسلامي في فيينا باهتمام خادم الحرمين الشريفين بالحوار ودعمه لحوار المسلمين مع غيرهم، مشيرا إلى أن في ذلك منافع كثيرة تتحقق للإسلام والمسلمين.

ورأى خوتاني أهمية التواصل بين المسلمين وغيرهم وأثر ذلك على التفاهم والعيش المشترك، وقال «إن رابطة العالم الإسلامي عقدت عددا من المناشط الإسلامية في المركز الثقافي الإسلامي في فيينا، ودعت غير المسلمين للمشاركة فيه، ومن أهم هذه المناشط، عقدها مؤتمرا خاصا بصورة الإسلام في المناهج الدراسية في الغرب».

وبين أن الرابطة تمكنت من تعريف الغربيين المشاركين معها في المؤتمر بالتصورات المغلوطة عن الإسلام في عدد من الكتب المدرسية التي يتلقى منها طلاب المدارس في الغرب المعرفة، مشيدا بتواصل الرابطة مع المنظمات الغربية لتعريفها بالإسلام.

ومن أميركا الجنوبية، أوضح جمعان الغامدي مدير المركز الإسلامي في البرازيل أن للحوار مع غير المسلمين منافع عديدة يلمسها بخاصة المسلمون الذين يعيشون خارج حدود العالم الإسلامي، مبينا إن إقدام الرابطة على عقد المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار عمل إسلامي كبير، والأمل أن تنطلق بعده مجالس الحوار وندواته.

وأضاف الغامدي «لأن في ذلك منافع من أهمها تعريف العالم بأن الإسلام ينبذ لغة الصراع، ولا يقبل بنظريات الصدام، وإنما هو دين سمح يدعو إلى التفاهم والتعاون بين الناس من خلال الحوار».

وركز الدكتور زهير الخطيب المدير العام لفرع رابطة العالم الإسلامي في كندا، على حاجة الأقليات والمجتمعات الإسلامية في الغرب إلى مرجعية إسلامية تعتمد منهجية واضحة للحوار الموضوعي مع غيرهم من غير المسلمين.

وأعرب الدكتور الخطيب عن أمل شعوب المجتمعات الإسلامية في خارج الدول الإسلامية في أن يتوصل المشاركون إلى تلك المنهجية، مشيرا إلى أن دعوة خادم الحرمين الشريفين «وسيلة إسلامية ناجحة للإقناع العقلي، وشرح للتصور الإسلامي لغير المسلمين في القضايا الإنسانية المشتركة».