لبنان: الجميزة في بيروت تحولت إلى مقصد استثماري يضج بالحركة

ارتفع بدل إيجار المتر المربع من 100 دولار إلى 600 في 7 سنوات

أحد المطاعم - المقاهي في شارع الجميزة («الشرق الاوسط»)
TT

شهدت منطقة «الجميزة» في القسم الشرقي من بيروت، والشاهد الوحيد الباقي على بيروت القديمة، تضاربا بين طابعها السكني وطابعها السياحي سرعان ما تحول الى «نزاع» فعلي تمثل في خروج سكان المنطقة الى الشارع بلباس النوم احتجاجا على الضجيج الناجم عن الملاهي والمطاعم والمقاهي، فبادرت وزارة السياحة الى اتخاذ قرار زجري ابقى المشكلة نارا تحت الرماد.

والحقيقة ان هذه المنطقة، كما يقول احد سكانها القدامى، كانت بمثابة «الجار الهادئ» لمنطقة وسط بيروت التجاري (سوليدير) بما فيها من مقار اعلامية ومحال تجارية صغيرة، وطمحت مع نهوض سوليدير لأن، تكون حي الغاليريات، ودور الازياء على غرار شارع «ماريه» في باريس، او «سوهو» في نيويورك، مع الاحتفاظ بهدوئها واسترخائها وتألقها المتوفرة في كل تجمع مدني. ولكن، قبيل نصب خيام المعارضة في وسط بيروت بقليل، بدأت الجميزة تتحول الى نقطة جاذبة سياحيا، وتحديدا على صعيد الاستثمار في المطاعم والملاهي، مستفيدة من طابعها التراثي، ووقوعها بين شارع سرسق الذي يطلق عليه اسم «شارع الذوات»، ومرفأ بيروت، ومنطقة «الصيفي» ذات السكن الفخم، وباستثناء وجود اثنين من غاليريات الفن ودار للازياء. ولكن «ما لبثت المنطقة ان ضمت في شارعيها- غورو وباستور- في مارس (اذار) الماضي 64 مؤسسة سياحية، اي ما يوازي ثلاثة اضعاف ما كان عليه العدد قبل خمس سنوات، بلغ حجم الاستثمارات فيها نحو 15 مليون دولار»، كما جاء في دراسة اعدها «مجلس الفندقة والسياحة» (هوديما) اللبناني.

وتشير الدراسة الى ان معدل الاستثمار في المؤسسة الواحدة هو 200 الف دولار، ما يعكس حجم ونوعية تلك المؤسسات المتكونة من ملاه صغيرة ومطاعم متوسطة الحجم، ومقاه ذات طابع تراثي مع وجود النارجيلة ولعبة الزهر، ولعبة «الشدة».

وقد بلغ عدد الملاهي في شارعي غورو وباستور وفروعهما نحو 29 ملهى من اصل المؤسسات التسع والستين، وتمتاز هذه الملاهي بصغر حجمها، وواجهتها الوحيدة واتصالها بالشارع الرئيسي مباشرة.

ويقول احد المستثمرين في المنطقة لـ «الشرق الاوسط»: «ان المالكين الجدد غالبا ما يشترون بيوتا او مؤسسات تتميز بطابع تراثي، او يتفاوضون على استئجارها بين اطراف ثلاثة هم المستأجر الجديد والمستأجر القديم، ومالك البناء».

وبعد تشبع شارع غورو مثلا بدأت الملاهي تستقر في الطبقات الاولى من الابنية كالملهى الارجنتيني (آل غاردل)، ومطعم «لا استانسيا» اللذين استقرا فوق مطعم « لو روج».

وقد ادى انتشار هذا العدد من الملاهي الليلية الى تحول الجميزة الى مقصد ليلي بعدما كانت مقصدا نهاريا، الامر الذي جذب المزيد من مطوري «مشاريع الليل» المتوسطة، وكان «لو كاكتوس» اول من تخطى حاجز المساحات الصغيرة ليشغل مساحة 170 مترا مربعا، وما لبث ان اقتفى اثره كل من «كوبر» و«ذي فينيو».

وعلى صعيد المطاعم، تشير دراسة «هوديما» الى ان مروحة الخيارات واسعة، فهناك المطبخ اللبناني التقليدي (رائده منذ عام 1967 « قهوة القزاز»)، والمطبخ اللبناني الحديث («لا طبخة»)، مرورا بمطابخ اميركا الجنوبية (كاكتوس، جو بيناس، لا باريلا، لا استانسيا...)، والمطبخ الفرنسي (روج، بول، سنترال...)، والمطبخ الياباني (سوتو)، والمطبخ الايطالي (اوليو، كوليوني)، والمطبخ الارمني (مايريغ). وتشكل المطاعم 28% من المؤسسات القائمة في المنطقة.

وبسبب صغر مساحة المؤسسات السياحية، وغياب المرائب العامة والخاصة، وزحمة السير الخانقة، لم تجرؤ مجموعات المطاعم الكبرى على دخول هذه المنطقة، باستثناء محاولة يتيمة تعرضت لتغيير مالكها واسمها. «فلا نشاهد مثلا، كما تقول الدراسة، اي اسم من اسماء مجموعة «بروميير ليجود» كالـ «انتريكوت»، او «لا بياتزا»، او «نابوليتانا»، او «سكوزي».

وعلى مستوى المقاهي- المطاعم، نلاحظ شبه غياب، فلا «ستاربكس» موجودة، ولا «رودستر»، ما يشير الى ان الجميزة، على الرغم من طابعها الشبابي والاسعار المقبولة، إلا انها غير مهيأة لاجتذاب هذا الصنف من المؤسسات السياحية.

ويقول اميل رزوق صاحب المطعم الليلي «كاكتوس» «ومن يتتبع حركة الايجار في المنطقة يدرك ان بدل ايجار المتر المربع الواحد كان 100 دولار في عام 2000 فقفز الى نحو 350 دولارا في عام 2005 ليصل اليوم الى ما بين 500 و600 دولار».

ولكن نجم الجميزة هل سيستمر في التألق، خصوصا بعد زوال خيام الاعتصام من منطقة سوليدير؟

من جهته يقول احد الخبراء العقاريين: «لقد عرف شارع مونو ازدهارا مماثلا على مستوى المطاعم والملاهي ولكنه اليوم آخذ في التباطؤ. وشارع المعرض شهد الشيء نفسه، ولكنه ما لبث ان سقط بسرعة بفعل التعطيل الذي اصاب الوسط التجاري».

ويتابع قائلا: «الجميزة تعاني اليوم من استمرار اغلاق بعض مواقف السيارات، ما يهدد باختناقها، اذا لم يبتكر حل لمشكلة الازدحام، كالحل الذي طرحه وزير السياحة جو سركيس لجهة تحويل جزء من «محطة التسفير» (تحت جسر جادة شارل حلو) مواقف للسيارات، وانتقال الزبائن بالسيارات الخاصة الى وسط الجميزة. ولكن هذا الحل لم يلق القبول، وربما لحرص اللبناني على التجول بسيارته السبور الفخمة امام المطاعم والملاهي، وعلى مرأى من الرواد.

يبقى ان نشير الى ان اسم الجميزة يعود الى شجرة تحمل هذا الاسم، ولا تزال هناك واحدة منها، على قيد الحياة في شارع غورو، الذي يحمل اسم المفوض السامي الفرنسي في لبنان ابان فترة الانتداب (1919- 1923)، وعراب انشاء «لبنان الكبير» في عام 1920. اما الشارع الثاني الموازي لشارع غورو في منطقة الجميزة، فيحمل اسم البيولوجي الفرنسي الشهير «باستور».