مصادر دبلوماسية لـ «الشرق الأوسط»: رغبة ساركوزي بإنجاح القمة المتوسطية وراء الإسراع في التطبيع مع دمشق

الأكثرية اللبنانية تنتقد «تسرع» إدارة ساركوزي

TT

فيما يتصاعد الجدل حول دعوة الرئيس السوري بشار الأسد الى حضور احتفالات العيد الوطني الفرنسي التي تلي مباشرة انعقاد القمة المتوسطية الأولى في باريس في الثالث عشر من الشهر القادم، بما في ذلك حضور العرض العسكري التقليدي في جادة الشانزليزيه وساحة الكونكورد والغداء الرسمي في القصر الرئاسي، تدخل كبار رجال الدولة الميدان للدفاع عن قرار ساركوزي بوجه انتقادات المعارضة اليسارية والوسط ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان وحرية الصحافة.

وبموازاة ذلك، كان الموضوع اللبناني والتطبيع الجاري بين باريس ودمشق وملفات شرق أوسطية اخرى موضع محادثات بين وزير الخارجية برنار كوشنير ونظيرته الأميركية كوندوليزا رايس على خلفية انتقادات أميركية للمسار الذي تسلكه باريس. وستطرح المواضيع نفسها في الاجتماع الذي سيضم اليوم الرئيسين بوش وساركوزي في قصر الإليزيه والذي سيعقبه مؤتمر صحافي مشترك.

ونقلت مجلة «الإكسبرس» الفرنسية أمس عن مصادر حكومية تأكيدها أن الرئيس السوري «لن يحضر العرض العسكري يوم 14 يوليو/ تموز الى جانب الرئيس ساركوزي وسيغادر باريس في 13 يوليو/ تموز». وقالت مصادر دبلوماسية عربية لـ «الشرق الأوسط» إن الرئيس التونسي أيضا سيغادر على الأرجح باريس عقب انتهاء القمة المتوسطية. وإذا تأكدت هذه المعلومات، فإن قرار الامتناع عن المشاركة في الاحتفالات غرضه «تفادي الإحراج» للطرفين العربي والفرنسي.

وأمس، دافع كوشنير عن قرار دعوة الرئيس الأسد الى القمة المتوسطية والى احتفالات العيد الوطني. وفي حديثه الى إذاعة «أوروبا واحد» صباح أمس، برر الوزير الفرنسي تطبيع العلاقات المتسارع الجاري حاليا مع سورية بإيفاء دمشق بتعهداتها ومنها السماح بانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية «بعد أشهر من الفراغ». وقال الوزير الفرنسي إن تطبيع العلاقات «جار» مع دمشق غير أنه علق ان حضور الأسد للاحتفالات «لا يسره بشكل خاص». واستطرد «لكنني أعتقد أنه إذا كنا نبني الاتحاد من أجل المتوسط وإذا كان السوريون والإسرائيليون يتفاوضون في المرحلة الراهنة، فعلينا ألا نفرط في التذاكي وأن نتحدث الى الذين نختلف معهم». ولم يتردد كوشنير في الرجوع الى تصريحات الوزير الاشتراكي السابق جاك لانغ الذي انتقد بشدة من يأخذ على ساركوزي دعوة الأسد الى الاحتفالات. واتهم لاتغ قادة الاشتراكيين بـ «الحرتقة» السياسية واستغلال الزيارة للنيل من الرئيس. كذلك، عبر رئيس الحكومة الأسبق الاشتراكي ميشال روكار عن دعمه لمبادرة ساركوزي في دعوة الأسد بما في ذلك لحضور احتفالات 14 يوليو/ تموز.

وسئل كوشنير الذي له تاريخ طويل في الدفاع عن حقوق الإنسان عما إذا كان سيستبعد من زيارة رسمية محتملة لساركوزي الى دمشق فأجاب إنه «لا يعتقد أنه مرغوب به» في العاصمة السورية. وفي السياق عينه، دافع المستشار الخاص لساركوزي الذي ينسب اليه مشروع الاتحاد من أجل المتوسط عن دعوة الأسد فأكد أنه «غير نادم أبدا» على ذلك. وأعرب هنري غينو في حديث صحافي امس عن دهشته للجدل الذي تثيره دعوة الأسد الى باريس، خصوصا إذا كان هدف «اصحاب النيات الطيبة إيجاد طريق السلام في المتوسط». وبدوره قلل رئيس الحكومة فرنسوا فيون من أهمية المعنى الخاص لدعوة الأسد لحضور الاحتفالات «لأنه سيكون من بين خمسين رئيس دولة وحكومة».

وقالت مصادر واسعة الاطلاع لـ«الشرق الأوسط» إن السبب الرئيسي الذي يشرح استعجال باريس التطبيع مع دمشق هو «رغبة الرئيس ساركوزي بإنجاح القمة المتوسطية»، معتبرة أنه «يمكن الترويج لوجود الأسد وغيره من القادة العرب لدى الرأي العام الفرنسي من غير صعوبات كبرى، خصوصا أن إسرائيل وسورية تتفاوضان بالواسطة». وفيما تصاعدت موجة الانتقادات اليسارية ومن المنظمات الإنسانية، قالت هذه المصادر إنه «إذا نجحنا في جعل الأسد وأولمرت يقفان جنبا الى جنب في باريس فإن ذلك سيشكل تقدما مهما في النزاع العربي ـ الإسرائيلي ومن شأنه تغيير الخارطة السياسية في المنطقة». وتؤكد هذه المصادر على رغبة فرنسا في أن تلعب الدبلوماسية الفرنسية والأوروبية دورا في النزاع المذكور، خصوصا في ظل الغياب الأميركي. وأكدت هذه المصادر لـ «الشرق الأوسط» أن التطبيع مع سورية «لن يكون على حساب لبنان بأي حال ولا يعني التسليم بما تقوم به دمشق». وكانت راما ياد وزيرة الدولة لحقوق الإنسان قد قالت أمس إن دعوة الأسد هي «يد ممدودة وليست شيكا على بياض». وفي بيروت، لم تلق دعوة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي للرئيس السوري بشار الاسد ردود فعل إيجابية من نواب الأكثرية في البرلمان اللبناني.

وأبدى النائب الياس عطا الله رئيس «حركة اليسار الديمقراطي» تحفظه على الانفتاح الفرنسي باتجاه النظام السوري. وقال: «اعتدنا أن يأخذ النظام السوري أي إيجابية من دون ان يحولها الى سياسات ملائمة وخاصة في لبنان. واذا كانت الأمور تنطلق من تحسّن التصرف السوري، فالماضي يثبت ان هذا الأمر لم يكن ناجحا. والتجربة الفرنسية خير شاهد على ذلك». واضاف: «لا أتكلم عن صفقة، لكن الحسابات والرهانات الفرنسية قد تكون غير دقيقة. ونأمل أن تكون السياسة الفرنسية أكثر حذرا».

وقال النائب في كتلة «المستقبل» النائب مصطفى علّوش لـ«الشرق الأوسط» ان دعوة ساركوزي «خطوة متسرّعة جديدة تعطي فرصة للرئيس السوري ليحسّن أوضاعه ويفك عزلته اقليميا وعربيا». وعما اذا كان يعتبر أن هذه الدعوة اشارة الى صفقة ما تحضّر على حساب المحكمة الدولية في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، قال علوش: «لا اعتقد ذلك لأن المحكمة لا تتعلّق بدولة فرنسا بشكل احادي بل بكل الدول الأعضاء في مجلس الأمن التي لا تتجرأ، وخاصة الدول الدائمة العضوية، على اجراء صفقة بشكل منفرد بهذا الخصوص. وبالتالي المحكمة الدولية ستسير بشكل طبيعي حتى الوصول الى اعلان هوية المتورطين». كذلك شكّك النائب السابق المنسّق العام لقوى «14 آذار» فارس سعيد بالأسس التي يقوم عليها الانفتاح الفرنسي. وقال: «سورية تفك عزلتها العربية والدولية وفرنسا تحاول ابتكار سياسة الاسيتعاب. لن يكون في امكان فرنسا أن تحصل من سورية على ما تريده خيرا للبنان. وسورية لن تكون قادرة على فك عزلتها لأن الغرب لن يقبل الالتفاف على المحكمة الدولية».

بدوره قال النائب في «القوات اللبنانية» جورج عدوان: «عودة سورية الى الساحة الدولية قد تكون مفيدة جدا للبنان شرط ان تلتزم دمشق الاسس والمعايير التي يرتكز عليها المجتمع الدولي». وسأل: «ألا تتصرّف فرنسا ساركوزي انطلاقا من رغبتها بلعب دور في المنطقة بتسرّع مرة أخرى».

من جهته، قال النائب في كتلة «المستقبل» نبيل دو فريج لـ «الشرق الأوسط»، إن سورية «هي من الدول القائمة على البحر الابيض المتوسط، ولهذا السبب أتت هذه الدعوة الفرنسية لرئيسها للمشاركة في اطلاق مشروع الاتحاد من أجل المتوسط على رغم أنه كان هناك شك بإقدام الرئيس الفرنسي على هذه الخطوة». وأضاف: «الدعوة الفرنسية ليست دعوة خاصة للأسد بل دول عدة مشاركة بهذا الحدث».