المكسيك: «العرضحالجي» ينسخ طلبات التوظيف ويلبي حاجة الأميين الفقراء

TT

كان اليوم سيئا لألبرتو خيمينيس راميريس، بل في غاية السوء. فقد انتهى من عمله في الطرق والإصلاح والتكسير. وطلب منه الصراف في وزارة الصحة ستة أصول لكل من الفاتورتين الخاصتين به، ولكن لم يكن معه هذه الأصول. ولم تفلح أيضا الأرقام التي كتبها بسرعة على قصاصة ورق. فكان طلب الصراف واضحا: إذا لم يقدم أصول فواتير مطبوعة، فلن يحصل على نقوده.

لا يستعين خيمينيس بسكرتيرة، وليس لديه كومبيوتر، لذلك وجد نفسه في ميدان سانتو دومينيغو واقفا في ظهيرة أحد الأيام. تسري في المكان رائحة عتيقة. وتتساقط القطرات من الأسقف الخشبية التي تظلل طريقه. يعمل خايمس كـ«إيفانجليتا» وهي كلمة تعني المبشر الصغير أو الراهبة الصغيرة. ولكن المقصود بها هنا هو الكاتب المتخصص الذي ينسخ رسائل الحب وطلبات التوظيف وتقريبا أي شيء يمكن تخيله من أجل المكسيكيين الأميين الفقراء، ومن أجل بائعي المحلات المشغولين، ومن أجل أصحاب المشاريع الصغيرة. أخذ خايمس قصاصة الورق من زبونه الجديد وسحب مقعدا صغيرا من البلاستيك إلى مكتبه. وبدا على وجه خيمينيس العبوس بسبب الإجهاد الذي عاناه طوال اليوم. ولكن خايمس ربت على كتفه ليوحي له بالراحة. وقال: «سيكون كل شيء على ما يرام».

وبعد عشرين دقيقة، قام خايمس من مقعده وأشار إلى ولده سيرفاندو، 23 عاما، فجلس الابن مكان والده على المكتب بثبات ليكتب على آلة كاتبة كهربائية قديمة من طراز أي بي إم، بينما يقرأ له خيمينيس الأرقام والأعمال التي قام بها بصوت عال.

كان كُتاب ميدان سانتو دومينيغو يستخدمون الآلات الكاتبة اليدوية في الماضي. وكانت أصوات الآلات تدوي في الشارع. ولكن تأتي الحداثة إلى أقدم المهن، فبدأوا في التحول إلى الماكينات الكهربائية منذ 10 أو 15 عاما ـ لا يتذكر خايمس متى على وجه التحديد. ولكنه يذكر أن المكان أصبح أكثر هدوءا.

يعمل خايمس،51 عاما، في هذه المهنة منذ 40 عاما، حيث كتب أول حروفه على الآلة الكاتبة عندما كان صبيا. فقد عمل والده، الذي توفي منذ عدة سنوات، في الكتابة لمدة نصف قرن. وقال خايمس لصديق توقف لمحادثته قليلا: «لم يتمكن والدي من تحمل مصاريف إرسالنا إلى المدارس».

في الساعة الثانية عشرة ونصف وخمس دقائق، كان سيرفاندو ما زال يكتب، ومازال خيمينيس يقرأ له الأرقام. طاف خايمس ببصره، وكان يفحص كل شخص من المارة، مكونا رأيا سريعا عنه. وكان يقيس سرعة سير كل منهم، وينظر إلى موضع أنظارهم، وإذا ما كانوا مبتسمين أو عابسين. كان يبحث عن زبون، ولكن بعد كل هذه السنوات، كان يعرف أن عليه ألا يتصيد أي أحد. «انظر إلى هذا الشخص القادم؟» هكذا قال خايمس فجأة. «إنه ينظر حوله. ورأسه ليس منخفضا. قد يكون في حاجة إلى شيء».

ووقف مرحبا بالرجل الذي توقف، ثم قال له خايمس «ما الذي يمكنني أن أقدمه لك؟ يمكننا أن نجلد الكتب، ونكتب أوراقا قانونية. هل تريد أن تقدم شكوى ضد أحد؟».

ابتسم الرجل، ولكنه هز رأسه، وانصرف. فهز خايمس كتفيه وجلس مستندا على الحائط.

ومثل كثير من الكتاب، كان على خايمس أن ينوع من أعماله. فهو الآن يجلد المستندات في ورشة صغيرة خلف الميدان، ويصيغ أوراقا قانونية، ويقدم استشارات في الشؤون القانونية للزبائن الذين لا يملكون أتعاب المحامين.

وفي الساعة الواحدة والربع، وقف سيرفاندو وأفسح الطريق لوالده بعد كتابة الفواتير لخيمينيس، وكان إجمالي الفواتير نحو 1700 دولار. لقد تعلم سيرفاندو الكثير، ولكن ما زال والده هو المدير. وفي هذا العمل، يقوم المدير بجمع الحساب.

جلس خايمس على المقعد، واعتدل في جلسته. ثم تنهد ومد إصبعه الأيمن فوق لوحة المفاتيح، وأخذ ينقر عليها. وقال: «إنها 24 صفحة، إذن الحساب هو 90 بيزو». فأعطاه خيمينيس ما يساوي 9 دولارات. ووضع أوراقه في ملف أزرق بلاستيكي، وغادر إلى الزحام في الساعة الواحدة وسبع عشرة دقيقة. لقد مرت ساعة وسبع عشرة دقيقة. واعتنت أسرة خايمس بزبون واحد في مقابل 9 دولارات، وهو ضعف المبلغ الذي حصلوا عليه في الساعات الأربع الماضية. وقال خايمس إنهم اليوم سيتناولون وجبة غداء رائعة. * خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»