حكومة هنية قلصت آلاف الموظفين لتنهي «حالة الهدر العالي للأموال»

برهوم : الحكومة لم تحتج لدعم حماس ولها موازنتها ومصادرها الخاصة

TT

نجحت حركة حماس خلال عام من سيطرتها على قطاع غزة، بإدارة «دولتها المؤقتة» المحاصرة. فاستمرت بتشغيل كل القطاعات الصحية والتعليمية والدينية، وسدت الفراغ الوظيفي سريعا وعززته، بل، إنها شكلت شرطة ونيابة جديدتين، واستبدلت نظما قضائية، وشغلت المحاكم المعطلة، وفرضت النظام بالقوة.

ويرى فوزي برهوم الناطق باسم حماس، ان أهالي القطاع أرادوا التغيير فعلا .. بل يعتقد ان ما سماه «شريعة الغاب»، وفساد الأجهزة الأمنية والمؤسسات، «كانت دائما حاضرة في ذهن المواطن الذي اراد التخلص من هذه النظم، فاحتضن بدوره المنظومة الأمنية لحماس».

إلا أن الحركة رغم كل ما قاله برهوم، كانت بحاجة إلى أكثر من «الاحتضان». فتشغيل القطاعات المختلفة وبناء الاجهزة الشرطية، كانا بحاجة إلى الكادر البشري والمالي. اما البشر، فيقول برهوم لـ«الشرق الأوسط»، إنهم دائما كانوا حاضرين، وبعضهم بقي متطوعا لحماية واستمرار المنظومة الجديدة، وهم الذين كذلك يمولون الآن جزءا من خزينة الحكومة المقالة في القطاع، لكن ليس هذا كل ما يدخل الحكومة التي هي بحاجة أكثر من البشر للمال أيضا.

وبحسب برهوم، فان الحكومة عملت اولا على «ترشيد آليات التوظيف»، وأنهت «حالة الهدر العالي للأموال». وهو ما وفر بحسب برهوم مبالغ وصفها بالكبيرة. وقالت مصادر في حماس لـ«الشرق الأوسط» مثلا بدل 50 ألف موظف شغلنا 10 آلاف، وهؤلاء سدوا الفراغ بافضل من قبل». وكانت حكومة سلام فياض في رام الله أمرت الموظفين بالجلوس في منازلهم، واخذت تقطع رواتب الذين بقوا على تعاون مع حكومة حماس، مما اجبر الاخيرة على دفع كل رواتب العاملين الملتزمين في الوزارات والقطاعات المختلفة في غزة.

وتعتمد حكومة هنية على أربع مصادر أساسية للتمويل، كما قال برهوم، المصدر الأول: مدخولات خزينة الحكومة من الضرائب والمعارف والعمل الخدماتي والجمركي، الخ. والثاني: استغلال بعض المستوطنات المخلاة في تنمية القطاع الزراعي. والثالث: الموظفون المتطوعون واخرون متبرعون بالاموال. والرابع: دعم عربي وإسلامي من خارج قطاع غزة، ومن بينها مؤسسات كبيرة تتبرع لصالح الحكومة. وتُعتبر حماس التي تنتمي لتنظيم الاخوان العالمي، «الابنة المدللة»، للإخوان. ويعمل التنظيم ومؤسساته الكبيرة في الخارج، وآخرون اغنياء، غير منظمين، يدعمون المد الإسلامي، اضافة إلى بعض الدول التي تدعم مشروع المقاومة، على جمع، والتبرع لصالح الحركة بشكل سخي بحسب المعلومات، وتتهم فتح دولا مثل ايران بانها تدعم المد الاسلامي في القطاع كما تغمز تجاه دولتي قطر وسورية بانهما تدعمان الحركة. الآن برهوم يضع حدا فاصلا بين الحركة والحكومة، ويقول ان حركته استفادت تماما من تجربة فتح التي وصفها «بالفاشلة». واضاف «لم نذب داخل السلطة، ولنا موازنتنا المستقلة كما للحكومة موازنتها المستقلة ولنا مصادرنا كما للحكومة مصادرها». ولا يعتبر برهوم ان الاجهزة الشرطية التي أسستها حكومة حماس في غزة، تتبع الحركة، وقال «ليس لدينا الا جهاز القسام، وهذه اجهزة تتبع الحكومة فقط». واضاف «يرأس جهاز الشرطة مثلا فتحاوي». ويباهي برهوم بقدرة حكومة هنية على التواصل وإدارة القطاع، حتى انه قال ضاحكا، ردا على سؤال ماذا كانت حماس التنظيم تدعم حكومتها، «ان الحكومة لم تحتج دعما من حماس ولا في شهر من الشهور». وبرغم ذلك فانه يقر بان عقبات كثيرة تواجه الحركة في القطاع واهمها، الحصار المفروض على غزة الذي احدث بحسبه جرائم كثيرة واضر بالواقع الصحي والتعليمي والبيئي في غزة. اضافة الى الاجتياحات اليومية واستهداف المؤسسات والآمنين المدنيين. ومقاطعة الأوروبيين للحكومة ووزرائها ومسؤولي حماس، والصمت العربي». كما أشار الى «بعض الخلايا التي تمولها رام الله لخلق بلبلة». وفي الوقت الذي تهيئ فيه كل من حماس وفتح لعودة الحوار، تمضي حماس في بناء «دولتها». وقال محمد عوض، أمين عام الحكومة المقالة انها قررت تفعيل عمل هيئة الرقابة لتقوم بدورها في العملية التصحيحية للعمل الحكومي، وللتأكيد على شفافية الحكومة والعلاقة مع المجتمع. وأكد عوض في بيان صحافي على أن الهيئة ستعمل على التأكد من أن القوانين منفذة والقرارات محترمة، والعمل يسير في إطار القانون واللوائح، إضافة إلى التأكد من أن الخدمات الحكومية تقدم للجميع بدون تفرقة، وأن الموظفين لا يستغلون ولا يسيئون استعمال سلطاتهم. وقال عوض إن الحكومة ستعمل على إقرار خطة عمل الحكومة لعام 2008-2009 وسيتم عرضها على مجلس الوزراء قريباً، كما وستعمل على إقرار موازنة 2008 ورفعها للمجلس التشريعي للمصادقة عليها، لافتاً الانتباه إلى أن أولوية عمل الحكومة في المرحلة القادمة ستكون تعزيز صمود المواطنين في مواجهة إجراءات الاحتلال وتخفيف المعاناة عنهم. وكانت مؤسسة مجموعة الأزمات الدولية، قالت في بيان لها قبل شهرين، إن سياسة عزل حركة حماس، وفرض العقوبات على قطاع غزة، هي سياسة «مفلسة» أدت إلى عكس النتائج المرجوة.

وحسب التقرير، فإن الحركة الإسلامية استطاعت إعادة تشكيل النظم القانونية والتشريعية، وأصبحت تتمتع بحرية أكبر في إعادة تشكيل المجتمع من خلال إدارة قطاعات الصحة، والتعليم، والشؤون الدينية.

واضاف «عندما قامت السلطة بمقاطعة أجهزة الأمن الجديدة والقضاء والقطاعات الحكومية الأخرى، بالإضافة إلى تقليص الصلات الإدارية مع حكومة حماس، فإنها خلقت فراغاً قامت حركة حماس بتغطيته».

ووفق المركز الدولي، فإن حماس استطاعت أيضاً أن تسجل عدداً من النجاحات، فقوات الأمن الجديدة التابعة لها استطاعت تدريجياً استعادة النظام، كما سيطرت على استخدام السلاح، والمشاكل العشائرية، وتمت السيطرة على الأنشطة الإجرامية والعداءات بين العصابات بشكل ملحوظ. لكن هذا ليس رأي كل الفلسطينيين، ففتح وأنصارها وبعض فصائل منظمة التحرير ترى في حماس حركة ديكتاتورية حكمت القطاع بالقمع والنار والسلاح، واختطفت معارضين وعذبتهم. وأفقرت الغزيين، في الوقت الذي بقيت فيه تغدق الأموال على عناصرها. كما جلبت الموت الى غزة عبر الصواريخ واسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، وهو ما تعتبره حماس في المقابل «مقاومة مشرفة».