حديقة الحيوان في السليمانية.. بلا حيوانات مفترسة

المسؤولون فيها يشكون من قلة الموارد المالية و«اعتداءات» الزوار

طفلان يراقبان طاووسا في حديقة الحيوان بالسليمانية (تصوير: كامران نجم)
TT

المتعارف عن حدائق الحيوان في العالم انها تخصص فقط لجمع مختلف انواع الحيوانات الأليفة والمفترسة، ومن بيئات عديدة بغية اتاحة المجال امام الجميع لمشاهدة الحيوانات الغريبة، التي تتعذر رؤيتها في الحياة اليومية، وخصوصا الحيوانات المفترسة كالاسود والنمور والفهود، او الكواسر بانواعها، او الحيوانات الضخمة كالفيلة والزرافات ووحيد القرن، او الحيوانات والطيور النادرة المهددة بالانقراض مثلا.

أما حديقة الحيوان في مدينة السليمانية باقليم كردستان العراق فتعتبر أفقر حديقة من نوعها في العالم بلا منازع، من حيث العدد البسيط من الحيوانات الأليفة التي تضمها والمألوفة جدا لدى عامة الناس في الاقليم، مثل الاوز والبط والارانب والماعز والدجاج وزوجين من الطاووس وزوج واحد فقط من الغزلان والجمال وبعض الكلاب المحلية ونعامة هزيلة واحدة تساقط معظم ريشها من فرط الاهمال، اضافة الى اربعة قرود شمبازية افريقية الاصل، تعتبر النوع الوحيد من الحيوانات غير المتوفرة في كردستان تفوح منها روائح كريهة تزكم الانوف. ووضعت تلك الحيوانات في اقفاص بائسة محاطة بشباك معدنية توحي بمدى الاهمال الذي تعاني منه تلك الحيوانات، التي يبدو عليها اثار النقص الغذائي.

واللافت في هذه الحديقة المتواضعة انها محاطة بمدينة كبيرة من الالعاب المسلية للصغار والكبار، مثل سكة الموت ودولاب الهواء والسفينة الطائرة والسيارات الكهربائية والمراجيح المختلفة وغيرها، الى جانب عدد من الحدائق الجميلة المغطاة بالعشب والمحاطة بأسوار من الياس والورود الغناء، التي يرتادها المئات من العوائل من اهالي السليمانية وزوارها من بقية المحافظات، وبالاخص العاصمة بغداد في الاحتفالات والمناسبات الدينية والوطنية وايام الجمع، وعلى نحو منتظم طوال ايام فصل الصيف، ومعهم القدور المملؤة بالاكلات العراقية الشعبية في مقدمتها اكلة «الدولمة» التركية الاصل، ليفترشون تلك الحدائق على شكل مجاميع، ويمضون ساعات المساء هناك بعيدا عن ضوضاء وصخب المدينة واجواء المنزل الرتيبة.

رواد هذه الحديقة المسماة بحديقة المشتل، والواقعة في ضاحية سرجنار غرب السليمانية، غالبيتهم من البسطاء الذين يسعون لتحقيق غايتهم في الجمع بين مشاهدة عدد من الحيوانات وتناول العشاء في تلك الحدائق الغناء وفي الهواء الطلق والاستمتاع بالالعاب المتنوعة والمسلية في مكان واحد وبكلفة زهيدة جدا لا تتجاوز الف دينار عراقي (اقل من دولار واحد) هي قيمة بطاقة الدخول الى حديقة المشتل، التي غدت المزار الثاني لسكان المدينة بعد متنزه آزادي الشهير.

والمدهش في حديقة الحيوان هذه ان عدد الحيوانات في تناقص مستمر، فقبل عامين تحديدا كانت تضم بعض الحيوانات الغريبة عن بيئة كردستان، مثل الاسد والنمر والدب القطبي والقرود الكبيرة وحمار الزرد وغيرها، الا ان تلك الحيوانات اختفت مع تغير الطاقم الاداري للحديقة.

وعزا خسرو ميرة حمو المدير المالي للحديقة، اسباب عدم وجود الحيوانات المفترسة، الى خشية ادارة الحديقة من ان يتعرض الزوار وتحديدا الاطفال الى الاذى، لاسيما ان الاماكن المخصصة لرعايتها غير آمنة، علاوة على عدم توفر العمال المحليين المتخصصين في رعاية الحيوانات المفترسة، وابدى حمو تذمره الشديد من تصرفات الكثير من زوار الحديقة، الذي قال ان اغلبهم، وخصوصا الصبية والاطفال «الاشقياء» يسيئون معاملة الحيوانات بتمرير العصي من فتحات السور المحاط بها ثم طعنها في عيونها وانوفها واعضائها الحساسة او رميها بالجمرات، إما بدافع الشغب او من باب التسلية، واضاف في حديثه لـ«الشرق الاوسط»، ان احدى الناقتين اليتيمتين في الحديقة تمرضت أخيرا فتم نقلها فورا الى العيادة البيطرية وخضعت هناك لعملية جراحية في كرشها الذي استخرج منه نحو 20 كيلوغراما من اكياس النايلون التي كانت الناقة قد ابتلعتها بسبب القاء الاكياس على حظيرتها من قبل الزوار، مشددا على ان ادارة الحديقة تحرص على توفير الرعاية الجيدة والمناخ الملائم والتغذية الممتازة للحيوانات، لكن الامكانات المادية والفنية المتوفرة حاليا لا تسمح بالمزيد، منوها بان رسوم الدخول الى حديقة الحيوان زهيدة جدا، ولا تشكل مصدرا ماليا جيدا بحيث يمكن من خلاله تطوير الحديقة على جميع المستويات. اما هاوري خليل المدير الفني والمشرف على الالعاب الكهربائية في الحديقة فقد اوضح ان لدى الادارة خطة لتوسيع نطاق الحديقة واستيراد العديد من الحيوانات الاليفة والمفترسة من عدة قارات، مثل الزرافات والاسود الافريقية والدببة والقرود والنمور، ولكن بعد توفير الاماكن المناسبة لها، بحيث يكون الزوار في مأمن من مخاطر الحيوانات المفترسة، اضافة الى العمل لتوسيع نطاق مدينة الالعاب وادخال العاب جديدة اليها، مشددا على ان اسعار ركوب تلك الالعاب زهيدة جدا ولا تتناسب مع كلف استيرادها وتشغيلها ورواتب طاقم القائمين عليها. وشكا خليل كثيرا من سوء تصرفات الكثير من العوائل التي تتناول وجبات العشاء في تلك الحدائق وتترك مخلفاتها متناثرة هنا وهناك، ولاتكترث باليافطات المعلقة في كل زاوية من الحديقة، التي تدعو الجميع الى المحافظة على النظافة، واضاف ان عدد العمال المكلفين بتنظيف ارجاء الحديقة لا يزيد عن 15 عاملا فقط، وهو عدد متواضع جدا قياسا بمساحة الحديقة التي تزيد عن عشرين كيلومترا مربعا.

وقال ياسين احمد 30 عاما من اهالي بغداد، انه يزور السليمانية منذ اسبوع مع افراد اسرته وثلاث عوائل اخرى من اقربائه، بغرض السياحة والاصطياف، واضاف في حديثه لـ«الشرق الاوسط»، ان حديقة الحيوان تكاد تخلو تماما من الحيوانات غير المتوفرة في العراق، ناهيك من افتقارها للرعاية المطلوبة، لكنه اكد ان حدائق المتنزه رائعة جدا وتسر القلوب، وقال لذلك سنعود الى السليمانية كلما سنحت لنا الفرصة بذلك.