عملية أمنية في العراق اعتقل فيها جزائري قادت إلى تحول «السلفية» إلى «قاعدة المغرب»

قاعدة بن لادن مدت مسلحي الجزائر بطوق نجاة بعدما كادوا يخسرون معركتهم المحلية

مسلحون من «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»
TT

كان بعض عناصر الجماعة المسلحة في الجزائر يختبئون في غابات تحيط بمدينة الناصرية الواقعة شرق العاصمة الجزائرية، وبدا أنهم لم يستحموا منذ فترة. وقد أوشك هؤلاء المسلّحون على خسارة معركتهم مع قوات الأمن الجزائرية. واستعاد مسلح سابق، يدعى مراد خطاب، 34 عاما، وكان يعمل ضابطا في الجيش، الذكريات وقال: «لم تكن لدينا أسلحة كافية. لم يكن هناك أفراد يرغبون في الانضمام إلينا. والمال، لم يكن لدينا ما يكفي من المال».

ومع احتدام أزمة هؤلاء المسلحين أرسل قائدهم عبد المالك دروكدال الذي تخرج في الجامعة وتخصص في الرياضيات، رسالة سرية إلى العراق في خريف عام 2004. وكانت الرسالة موجهة إلى أبي مصعب الزرقاوي قائد القاعدة في بلاد الرافدين الذي قتل عام 2006. وقد شكل الرجلان ما وصفه مراقبون مطلعون بأنه تحالف مشترك يربط بين طرفي العالم العربي. واليوم، فإنه على الرغم من أن عنف الجماعات المسلحة بدأ يتضاءل في بعض مناطق العالم، فإن العناصر الجزائرية، المنضوية تحت لواء «القاعدة في المغرب الإسلامي»، قد نمت إلى حد يمكن أن توصف فيه بأنها أهم فروع القاعدة التي يرأسها أسامة بن لادن، حيث أنها تنشط من خلال التحاق عناصر جديدة تتطلع إلى استهداف المصالح الغربية. وقد تكشفت قصة هذه الجماعة من خلال عشرات المقابلات الخاصة مع عناصرها، ومع العديد من المسؤولين الدبلوماسيين والعسكريين ومسؤولي المخابرات، إذ تبين أن قرار الجماعة الجزائرية بالالتحاق بالقاعدة كان مدفوعا بكل من القوى الفعلية وخط المواجهة العالمي الذي تشكل بفعل هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001. وقد استشهد دروكدال بدوافع دينية لتبرير انضمام جماعته إلى القاعدة. كما أفاد بعض العناصر المسلحة بأن تصنيف واشنطن للجماعة الجزائرية على أنها جماعة إرهابية بعد أحداث 11 سبتمبر ـ على الرغم من تصنيفها من قبل بعض خبراء الحكومة الأميركية على أنها جماعة إقليمية ـ قد أثر على انضمام الجماعة إلى القاعدة والتحول لمجابهة الولايات المتحدة. ويقول دروكدال في شريط مسجل رداً على أسئلة وجهتها «نيويورك تايمز»، وذلك في حوار له مع الصحافة على ما يبدو: «إذا كانت الادارة الأميركية ترى أن حربها على أراضي المسلمين أمر مشروع، فما الذي يجعلنا نرى أن حربنا لها على أراضيها ليست مشروعة؟ فليتأكد الجميع أننا لن نتردد لحظة في استهدافها متى أمكن ذلك وفي أي نقطة على وجه الأرض».

ويقول مسؤولون إن جهود قوات الأمن الجزائرية التي استمرت لفترة طويلة ضد المسلحين أوشكت على الحاق الهزيمة بهم. وحسب خطاب أحد العناصر التي قامت بتدريب الجزائريين في العراق لصالح جماعة الزرقاوي، فإن العراق كان يجذب العديد من أفضل مقاتلي الجماعة. وقد كان ينظر إلى الالتحاق بالجهاد العالمي على أنه وسيلة للاحتفاظ بمزيد من هذه العناصر تحت قيادة الجماعة الجزائرية وتجنيد مزيد من الأعضاء. وبعد ذلك، وفي مارس (آذار) 2004، قادت عملية عسكرية سرية قامت بها الولايات المتحدة إلى القبض على أحد نواب قائد الجماعة. وبعد ذلك بعدة أشهر، لجأ دروكدال إلى الزرقاوي لإطلاق سراح هذا النائب. فاستغل الزرقاوي الفرصة لإقناعه بأن القاعدة تستطيع إعادة إحياء عملياته، حسبما أفاد بذلك أحد قادة الجماعة الجزائرية. وأفاد دروكدال بوجود شبكة من العناصر المسلحة التي يتحكم فيها نوابه بصورة جزئية ـ وهذا النوع من الاستقلال للخلايا يكون من الصعب مقاومته حسبما يفيد بذلك مسؤولو مكافحة الإرهاب. وقد تأكدت «نيويورك تايمز» من صحة صوت دروكدال، في التعليق الصوتي، من خلال الاستعانة بأحد خبراء الأصوات ممن يعملون مع الوكالات الفيدرالية الاميركية. وراجعت «نيويورك تايمز» أيضاً 12 صورة فوتوغرافية أرسلت من قبل الجماعة للتأكد من تحديد هوية دروكدال.

وفي رده على سؤال وجه إليه حول عمليات القتل التي جرت في موريتانيا، قال: «إن الإخوة الذين يقومون بهذه العمليات على صلة بنا، وقد قمنا بتدريب بعضهم في وقت سابق، ونحن نقدم لهم الدعم المناسب لتنفيذ مثل هذه العمليات».

ويقع مركز الجماعة في التلال الواقعة شرق الجزائر، حيث يتم إغلاق الطرق من قبل ضباط الشرطة المتنقلين الذين يضعون أصابعهم على زناد أسلحتهم عندما تقترب السيارات منهم. وقد صاح أحد ضباط نقطة للتفتيش في أحد السائقين بينما كان يتراجع أثناء توجيه الحراس لأسلحتهم نحو وجوه الراكبين: «من طلب منك الخروج من السيارة؟».

وداخل مقر قيادة الشرطة في مدينة الناصرية القريبة، قال القائد إنه مشغول بمحاربة الجماعات المسلحة إلى درجة أنه لا يملك الوقت الكافي لتعليق صور ثلاثة ضباط قتلوا في هجمات انتحارية وقعت أخيرا. وقال: «هؤلاء الإرهابيون لا يعرفون الرحمة. هذه هي القاعدة». ورغم امتداد تطلعات الجماعة لما وراء الحدود الجزائرية، فإن أجزاء من هذا البلد تشهد معارك بين العناصر المسلحة وقوت الأمن الحكومية.

وقد قامت الحكومة الجزائرية بقتل أو اعتقال نحو 1100 عنصر مسلح خلال العام الماضي وهو ما يمثل ضعف العدد المسجل عام 2006، لكن الجماعة المسلحة بدأت في استخدام مقاطع فيديو لضم جيل جديد من الشباب، حسبما تفيد وزارة الخارجية الأميركية. وقد استفادت الجماعة كذلك من برنامج العفو المحلي. وتشمل صور المطلوبين التي يتم تعليقها في أقسام الشرطة ونقاط التفتيش عدداً كبيراً من الأفراد الذين أطلق سراحهم وعفي عنهم، ومع ذلك، التحقوا بالفرع الجديد للقاعدة. ويقدر مسؤولون عسكريون أميركيون بأن لدى الجماعة حالياً نحو 300 إلى 400 مقاتل في الجبال الشرقية من الجزائر، مع وجود نحو 200 مؤيد آخرين عبر جميع أنحاء البلاد. وقد انتقلت الجماعة تحت قيادة دروكدال ـ الذي يبلغ من العمر 38 عاما ويعد خبيرا في المتفجرات والتحق بالجماعة المسلحة منذ 12 عاما ـ إلى تكتيكات «تم تنفيذها بنجاح بواسطة الجماعات المسلحة والإرهابية في العراق وأفغانستان»، حسبما تفيد الخارجية الأميركية. وفي تعليقه الصوتي يقول دروكدال إن الزرقاوي لعب «دورا محوريا» في عملية الانضمام، بالإضافة إلى وسطاء آخرين. وعبر دروكدال عن سخطه من الولايات المتحدة فقال: «لقد وجدنا أنفسنا على القائمة السوداء للإدارة الأميركية، وقد وصفونا بالإرهاب. وبعد ذلك وجدنا الولايات المتحدة تبني قاعدة عسكرية في جنوب البلاد، وتقوم بالتدريبات العسكرية وتنهب البترول وتخطط للحصول على الغاز». وفي يناير (كانون الثاني) 2005، بدأ الزرقاوي في تضمين دروكدال في بياناته العلنية التي كان يمتدح فيها قادة القاعدة. وأكد مسؤولون في واشنطن وأوروبا أن الاستخبارات الأميركية قد اعترضت الرسالة التي أرسلها دروكدال إلى الزرقاوي. وحسبما أفاد مسؤول كبير في الاستخبارات رفض الإفصاح عن هويته، فإن الاتصال الأولي بالزرقاوي قد تبعه مزيد من الاتصالات مع عناصر مسلحة في شمال أفريقيا ممن وصلوا إلى أدوار قيادية في القيادة المركزية للقاعدة. ومن هؤلاء أبو ليث الليبي، وهو عنصر ليبي مسلح قتل العام الجاري في غارة أميركية بالقرب من الحدود الأفغانية ـ الباكستانية. وفي سبتمبر (أيلول) 2005 أعلن دروكدال أن فرنسا هي «عدونا الأول وعدو ديننا ومجتمعنا». وبعد ذلك بعام واحد، تم الإعلان رسميا عن الاندماج بين الجماعتين من خلال تصريح أدلى به الظواهري، جاء فيه: «سوف يكون إخوتنا شوكة في حلق الصليبيين من الأميركيين والفرنسيين وحلفائهم».

وتعود العلاقة بين المسلحين في الجزائر والقاعدة، إلى أكثر من عقد من الزمن. ففي عام 1994، كان أسامة بن لادن في السودان ويبحث عن مأوى جديد له. طلب حينها من المسلحين بالجزائر أن يسمحوا له بالانتقال إلى المناطق الجبلية التي يسيطرون عليها، حسبما أفاد مراد خطاب. ويقول كوفر بلاك، وهو ضابط سابق في الاستخبارات الأميركية وكان مقره الخرطوم، إنه لم يسمع بهذه المعلومة من قبل، لكنه يرى أنها محتملة. ويقول: «كنا نعرف أنه كان يبحث عن مكان يتوجه إليه». وقال خطاب: «رفضنا (طلب بن لادن) وقلنا ليس لدينا أي شيء نفعله مع العالم الخارجي. نحن مهتمون فقط بالجزائر».

وتعليقاً على هذه الأنباء، أفاد مصدر أمني جزائري بأن اعترافات العشرات ممن تخلوا عن الإرهاب أو المسلحين الذين ألقي القبض عليهم، بمن فيهم القادة، لم تشر إلى طلب بن لادن الاستقرار في الجزائر.

وذكر المصدر لـ «الشرق الاوسط»: «المعلومات التي نتوفر عليها عن علاقة بن لادن بالإرهاب في الجزائر، تشير إلى أنه أوفد شخصاً للقاء القائد السابق للجماعة السلفية للدعوة والقتال في 2001، اسمه عماد عبد الواحد. لكن اللقاء لم يتم، وتم القضاء على موفد بن لادن على أيدي الجيش في جبال باتنة (شرق) بعد أسابيع قليلة من دخوله الجزائر».

وأضاف المصدر أن علوان الذي يتحدر من جنسية يمنية، جاء إلى الجزائر لبحث مطالب المسلحين من المال والعتاد، مشيرا إلى أنه التقى بقيادي «السلفية» عماري صايفي الشهير بـ«عبد الرزاق البارا»، المسؤول عن اختطاف 32 سائحا اوروبيا في 2003. وأوضح ذات المصدر أن مصالح الأمن تتوفر أيضا على معطيات دقيقة عن الاتصالات التي كانت جارية بين دروكدال والزرقاوي، بخصوص التحاق «السلفية» بالقاعدة في سبتمبر 2006. لكن المصدر رفض الخوض فيها، واكتفى بالقول أن «قصصا كثيرة تنسجها الصحافة بخصوص دور مزعوم لابن لادن في الارهاب بالجزائر، غير صحيحة».

* خدمة «نيويورك تايمز»