جنود عراقيون مصابون يشكون: حكومتنا تخلت عنا

وزارة الدفاع: مشروع قانون قيد الصياغة لرعاية أفراد الجيش

جندي عراقي يتلقى مصحفا وورودا هدية من قيادي بالتيار الصدري في البصرة أمس (أ.ف.ب)
TT

استلقى داوود أمين، الجندي السابق في الجيش العراقي، على سريره بينما امتدت أمامه ساقاه الممزقتان، ورغم ذلك انصب كل تفكيره على كيف سيتمكن من دفع الإيجار للمنزل الذي يضم أسرته المؤلفة من خمسة أشخاص. كان أمين قد جرح في ساقيه جراء إصابته بشظية ناتجة عن عبوة ناسفة زرعت على جانب الطريق في سبتمبر (أيلول) 2006. والآن، مثلما الحال مع الكثير من الجرحى الآخرين من أفراد قوات الأمن العراقية، يعاني أمين من وطأة الديون ويناضل من أجل البقاء. في الوقت الحالي، يتقاضى أمين 125 دولاراً شهرياً، وهي محصلة ما يقدمه له أعضاء وحدة الجيش التي سبق له العمل بها والتبرعات الخيرية التي يتلقاها والمساعدات التي تحصل عليها زوجته، جنان، من أقاربها، إلا أن القلق يراوده إزاء إمكانية أن يفقد حتى هذا المبلغ الشهري الضئيل. ومن غير المعروف على وجه الدقة عدد الجنود العراقيين المصابين، نظراً لعدم احتفاظ الحكومة بسجلات بهذا الشأن. بيد أنه في إطار تقرير أصدرته هيئة أبحاث الكونغرس، أشار الميجور جنرال جوزيف بيترسون، القائد الأميركي المسؤول عن تدريب قوات الشرطة العراقية، إلى أنه خلال فترة عامين فقط، من سبتمبر (أيلول) 2004 حتى أكتوبر (تشرين الأول) 2006، لقي حوالي 4.000 ضابط شرطة عراقي حتفه وأصيب 8.000 آخرين. ويتعرض الجنود للإصابات بمعدل أعلى بكثير عن الشرطة، حسبما أكد القادة العسكريون العراقيون. من جانبها، تؤكد الحكومة العراقية أنه يجري التعامل مع الجرحى بصورة جيدة، وأنه تجرى صياغة قانون لرعاية الجنود. وخلال الفترة الانتقالية حتى إقرار هذا القانون، سيحصل الجنود الجرحى على رواتبهم كاملة من وزارة الدفاع. وفي هذا الصدد، أكد اللواء محمد العسكري، المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع، أن: «الجنود المصابين التابعين لوزارة الدفاع ما زالوا يحصلون على رواتبهم بعد الحوادث التي تعرضوا لها، بناءً على التقارير الصادرة من اللجان الطبية. ونحن بانتظار صدور قانون الخدمة والمعاشات الخاصة بالجنود من البرلمان العراقي، لكنهم سيستمرون في الحصول على رواتبهم خلال تلك الفترة». إلا أن الجنود الذين تم عقد لقاءات معهم عند وضع هذا المقال نفوا ما قاله العسكري، مؤكدين أنهم يتقاضون فقط نسبة ضئيلة من رواتبهم، أو لا يتقاضون رواتب على الإطلاق. ووصفوا معاملة الحكومة لهم بأنها لا مبالية في أفضل الأحوال، وانتقامية في أسوأها. من بين الجنود العراقيين المصابين حسين علي حسن، الذي عمل في جيش صدام حسين برتبة عريف وأصيب يوم دخول القوات الأميركية بغداد في أبريل (نيسان) 2003 بطلقة صادرة من دبابة. ونتيجة الحادث، تحطمت ساقا حسن وغطت الحروق معظم أنحاء جسده، وسرعان ما تم نقله إلى أحد مستشفيات بغداد، حيث تم بتر ساقه اليسرى. وأكد حسن أنه خلال السنوات الخمس منذ تعرضه للإصابة، تم تجاهل الطلبات المتكررة التي تقدم بها للحصول على معاش للإعاقة. لكن منذ أسبوعين، علم أنه تم منحه معاشا يقدر بحوالي 165 دولاراً شهرياً عن الأعوام الـ23 التي قضاها في الجيش. وبسبب الشكوك المحيطة بالمعاشات التي تقدمها الحكومة والأوضاع الاقتصادية المتردية في العراق، فضل بعض أعضاء قوات الأمن المصابين الاستمرار في الخدمة، لعلمهم ان هذا هو السبيل الوحيد لكسب العيش. فعلى سبيل المثال، تعرض نبراس جابر محمد، 26 عاماً، للإصابة على يد أحد القناصين في مايو (أيار) 2007 أثناء خدمته في إحدى نقاط التفتيش ببغداد. وقال محمد إنه لا تزال هناك شظية موجودة بظهره وإنه نادراً ما يتمكن من النوم ليلاً، إضافة إلى أنه يواجه صعوبة في هضم الطعام. ورغم ذلك، رفض الجيش صرف معاش إعاقة له، مدعياً أن جسده سليم، الأمر الذي اضطره إلى العودة إلى الخدمة بعد تسعة شهور من الإصابة. في المقابل، أعرب الدكتور وليد عبد المجيد، الذي يتمتع بخبرة كبيرة في التعامل مع الجنود المصابين، عن اعتقاده بأنهم يتلقون مستوى مناسبا من الرعاية، لكنه اعترف أنهم يضطرون للانتظار حتى يحصلوا عليها، الأمر الذي يرجع في جزء منه إلى أن مراكز الرعاية الصحية العسكرية التي كانت قائمة في عهد صدام حسين.

من ناحية أخرى، كان حسين عياد علي عضواً بوحدة قوات خاصة تابعة للشرطة القضائية على امتداد 22 عاماً عندما أصيب عام 2005 بشظية أسفرت عن تمزيق قدميه وأمعائه. وفي أعقاب ذلك، اطلع قائد الكتيبة التي يتبعها علي على وثيقة في ملفه تشير إلى تورطه في شجار عندما كان في السادسة عشرة من عمره. وبينما كان علي يرقد بمنزله يتلقى العلاج، تم إخطاره بأنه تعرض للفصل بسبب «خلفيته الإجرامية». وعلق علي على الأمر بقوله: «لقد علموا بهذا الأمر طوال الوقت. وأخبرتهم به عندما التحقت بالخدمة، لكن فقط بعدما أصبت، فصلوني بسببه». العقيد علي فرحان يتجه كل صباح لعمله في أحد مراكز الشرطة، رغم فقدانه ساقه اليسرى جراء انفجار عبوة ناسفة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2006. ونظراً لتمتعه بصلات قوية بعدد من المسؤولين، تمكن من البقاء في الخدمة، بدلاً من السعي للحصول على معاش إعاقة والذي يبلغ 200 دولار شهرياً، ما يعادل ثلث راتبه الحالي. وقال فرحان إن المال من بين الأسباب وراء عمله في الشرطة، وكذلك فخره بالإسهام الذي يقدمه في العراق. وقال: «لقد فقدت إحدى ساقي، وأستطيع بالكاد السير، لكنني أرى في التلفزيون أشخاصا في الولايات المتحدة فقدوا كلتا الساقين ويشاركون في سباقات عدو، فلماذا لا يفعلون المثل لنا في العراق؟».

* خدمة: «نيويورك تايمز»