إيطاليا.. في مواجهة تعدد الزوجات بين المهاجرين المسلمين

السلطات تغض النظر عن الظاهرة

TT

على بعد أميال قليلة من الفاتيكان، عاشت نجاة هادي مع زوجها وزوجته الأخرى وأطفالهما داخل منزل تخيم عليه التعاسة، فيه امرأة تصغرها بعشر سنوات وزوج قاسي تركها بندبة في رقبتها. وتقول نجاة إنها في النهاية اضطرت إلى ترك زوجها المصري المولد والذي يعمل في روما في محل لصنع البيتزا، بسبب اعتدائه عليها بالضرب المبرح، لكنه أبقى على أطفالها معه.

نجاة ليست وحدها التي عانت من العيش مع زوج له أكثر من زوجة في بلد يمنع القانون فيه تعدد الزوجات، فلآلاف من الزيجات المتعددة ظهرت بمختلف أنحاء إيطاليا، وكثرت نتيجة الهجرة السريعة وبأعداد ضخمة من قبل المسلمين إلى هذه الدولة الكاثوليكية. ورغم هذا الصدام الثقافي، فقد عمدت السلطات الإيطالية في الغالب إلى غض الطرف عن هذا الأمر، وتركت النساء في عالم مظلم شبه سري، حيث يتمتعن بعدد ضئيل من الحقوق ولا يحصلن على تعويض عندما يتعرضن لسوء، مثلما حدث مع نجاة.

وتقول سعاد سباي، عضو البرلمان الإيطالي المغربية الأصل والتي ظهرت كزعيمة لحقوق المهاجرات المسلمات في إيطاليا: «من السخف ألا يتم الاعتراف داخل دولة متحضرة مثل إيطاليا بهذا الأمر».

إيطاليا هي واحدة من الدول الأوروبية العديدة التي تواج مشكلة تعدد الزوجات. ففي بريطانيا وإسبانيا التي استقرت بها جاليات مسلمة ضخمة، يفضل بعض المسؤولين الاعتراف بتعدد الزوجات كوسيلة لضمان حصول الزوجات على المعاشات والرعاية الصحية والإعانات الأخرى التي توفرها الدولة. إلا أن سباي التي عاشت عشرين عاماً من سنوات عمرها الـ 47 في إيطاليا، تعتقد أن المحاولات الخاطئة للحفاظ على الحساسيات الثقافية تؤدي بنتائج عكسية عندما يتم التساهل إزاء العادات التي تتجاوز حدود القانون. ويبيح القانون الإيطالي الزواج بين رجل واحد وامرأة واحدة فقط. وتقدر سباي عدد الأسر التي تقوم على تعدد الزوجات بـ14 ألف أسرة داخل إيطاليا، لكن جهات أخرى تشير إلى تقديرات أخرى أعلى بكثير لهذا الرقم. وقد تمكن الكثيرون من الاستفادة مما يعرف باسم الزواج العرفي، وهو ارتباط ذي طابع رسمي أقل يشرف عليه إمام ولا تترتب عليه ذات المكانة الاجتماعية أو القانونية للزواج العادي. ولدى سباي قناعة بأن الرجال المتزوجين بأكثر من زوجة داخل إيطاليا يمارسون نمطاً أكثر أصولية وتعسفاً من تعدد الزوجات، نظراً لشعورهم بتهديد بالغ من الثقافة الغربية المحيطة بهم، يعمد الكثير من هؤلاء الرجال إلى حبس زوجاتهن وجعلهن معتمدات بشكل كامل في معيشتهن عليهم. وتصف سباي هذا الوضع بأنه نمط من أنماط «الغيتو». عندما أنشأت سباي خطاً ساخناً لتلقي شكاوى المهاجرات المسلمات مؤخراً، تلقت سيلا من المكالمات بلغ ألف مكالمة خلال الأشهر الثلاثة الأولى. وما أثار صدمة سباي أنها وجدت نفسها تقتحم عالم خفي من النساء اللواتي يعانين من وطأة العنف والوحدة والعيش بمنزل به أكثر من زوجة. بالنسبة لهادي المغربية، فقد اضطرت إلى تحمل الضرب والإذلال لشعورها بأنه ما من ملاذ لها للجوء إليه. والتقت زوجها في العام 1987 في إيطاليا، عندما كانت في إجازة هناك. وتم زواجهما داخل أحد المساجد المحلية وتم عقد قران قانوني لهما داخل السفارة المصرية في روما. وأنجبت من زوجها أربعة أطفال. ثم في أحد أيام العام 2000، عادت من إجازة قضتها في مصر مع اولادها لقضاء بعض الوقت مع أسرة زوجها، فوجئت بوجود امرأة أخرى في شقتها في روما واكتشفت أن زوجها تزوج هذه المرأة أثناء سفرها. وتصف نجاة الزوجة الأخرى، وهي مصرية، بأنها مفعمة بالكراهية. ومع مرور الوقت زاد اعتداء زوج نجاة عليها بالضرب، ما دفعها لدخول المستشفى بشكل متكرر. وتحمل على صدرها ندبة تقول إنها نتجت عن مطاردة زوجها لها بسكين. ومنذ نحو عام ونصف العام، بدأ الزوج في التحول ضد الأطفال، حينئذ اتخذت قرارها بالرحيل. ومن خلال النساء المغربيات الأخريات، علمت نجاة بشأن مركز سباي واتخذت الاستعدادات اللازمة للتقدم بشكوى قانونية ضد زوجها. لكن الزوج نجح في الاستيلاء على الأطفال والهروب بهم إلى مصر. وأخفقت هي في دفع السلطات لمساعدتها على استعادة حضانة أبنائها.

من جهتها، تتذكر سباي تعدد الزوجات من طفولتها التي قضتها في المغرب، وتقول انه هناك ليس بإمكان الرجل تزوج عدد أكبر من الزوجات اللواتي باستطاعته إعالتهن ورعايتهن بالشكل المناسب. وتوضح أن تعدد الزوجات داخل إيطاليا غالباً ما يخرج في صورة مشوهة. ومن الواضح أن تجربة الهجرة انقلبت رأساً على عقب، حيث ظهرت الانعزالية والرجعية، بدلاً من الاندماج في المجتمع الايطالي. وتنتمي غالبية النساء اللواتي تستمع سباي إلى شكواهن، إلى المغرب، وهن يعانين من الأمية بمعدلات أكبر بكثير عما هو الحال داخل المغرب، الأمر الذي أسفر عن تفاقم مشاعر انعدام الثقة من جانبهن إزاء السلطات الإيطالية وخوفهن من المجهول. ومن بين القصص الأخرى، قصة أليزا كاليسا، البالغة من العمر 50 عاماً، والتي انضمت لزوجها في إيطاليا عام 2001. وقد مر على زواجهما سنوات عديدة، لكن عندما وصلت الى إيطاليا اكتشفت أنه استغل غيابها ليتزوج بأخرى. وعلل زوجها ذلك بأنه كان بحاجة إلى امرأة داخل إيطاليا، بينما كانت هي في المغرب. وبذلك بدأت حياة كاليسا في الانهيار، حيث اضطرت للعيش مع زوجها وزوجته الأخرى وطفلي الزوجة الأخرى داخل شقة مكونة من غرفة واحدة، ووجدت نفسها مجبرة على النوم على الأرض. وتعمد زوجها معاملتها بقسوة، مبدياً تفضيله لزوجته الأخرى وأجبرها على القيام بالأعمال المنزلية والاعتناء بأطفال زوجته الأخرى، علاوة على اعتدائه عليها بالضرب. وتعتقد كاليسا أن الزوجة الأخرى كانت تشعر بالسعادة من اعتداء زوجها عليها. وعندما طفح الكيل بكاليسا وهددت بالرحيل، قام زوجها بحبسها في المنزل لمدة عشرة أيام. وفي النهاية، دفع صراخها جارها الإيطالي الى استدعاء الشرطة وتمكنت كاليسا من الرحيل. وداخل المركز الذي تديره سباي بدأت كاليسا في تعلم طريقة كتابة اسمها للمرة الأولى. سباي تعمل على مساعدة النساء اللواتي يلجأن إليها طلباً للعون في الحصول على عمل، مهما كان الراتب متدنيا، والتعرف على أساسيات القانون والروتين الإيطالي. كما تتلقى السيدات مستوى أساسي من التعليم والالتقاء بطبيب نفسي، وإن كانت مسألة استشارة الطبيب النفسي اتسمت بالبطء بسبب تردد النساء في الكشف عن تفاصيل مآسيهن. * خدمة «لوس أنجلس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»