ساحر وحزين وماهر

TT

من بين الرجال الثلاثة الذين يقومون بالأدوار الرئيسية في فيلم «فارس الظلام»، من منا كان يتوقع أن هذا الرجل الذي كان يخبئ وجهه خلف بضعة مساحيق من الماكياج الذي يستخدمه المهرج، سوف يكون هو الوجه الأبرز في الفيلم؟

ليس السبب في ذلك أن هيث ليدجر، الذي كان يقوم بدور الجوكر في الفيلم، قد مات في يناير (كانون الثاني) الماضي. بالطبع فإن وفاة الممثل الأسترالي تضفي مسحة من الحزن على الفيلم كله بصورة عامة، ولكن، بالإضافة إلى ذلك، فقد تميز أداء هيث ليدجر بالقوة. وتنسيك مهارة ليدجر في التمثيل، من خلف هذا القناع العجيب، صورة الرجل الأسترالي الأنيق الذي اعتدت على رؤيته. وربما يبدو أن القناع قد حرره، حيث توحي عيناه بالكثير والكثير، علاوة على ما تحمل نبرة صوته من سخرية وتهكم، إنه يتمتع بكاريزما حقيقية. ويعد الأداء هو الشيء الأكثر إثارة في الفيلم. وعندما يكون الجوكر غائبا، يفقد فيلم «فارس الظلام» الكثير من حيويته وديناميكيته ويصبح مجرد مواجهة بين كريستيان بيل وآرون إيكهارت. يبدأ الفيلم ويستمر لفترة طويلة وهو ينقل مشاهد تتسم بالقوة، خاصة عندما نجد «الرجل الوطواط» في مواجهة «المهرج». يبدأ الفيلم بمشهد عنف شديد، نعم مشهد به الكثير والكثير من العنف. حادث سطو على أحد البنوك، يتخلله الكثير من أعمال العنف، حيث تقوم فرقة من رياضيين يرتدون أقنعة مهرجين بتنفيذ ما يعرف بعد ذلك بأنه عملية للمافيا. ولكن في الوقت الذي ينجح فيه اللصوص في تنفيذ مخططاتهم، يتم إلقاء القبض عليهم. وذلك لأن أحدهم يضع ماكياجا مثل ذلك الذي يستخدمه المهرجون تحت قناع المهرج الذي يرتديه. ويتضح أن الجوكر لم يكن يسعى لسرقة هذا البنك ولكنه كان يريد أن يتخلص من بعض رفاقه. يبدو أن الجوكر يعلم أن أسلوب كلامه هو في ذاته نوع أسمى من الأداء الفني، حتى لو لم يكن هناك من يستمع إليه.

ولكن أين يكون باتمان خلال كل هذه الفوضى؟ يظهر من مكان ما، ولا يوجد أفضل من كريستان بيل ليقوم بهذا الدور. ولأنه يقوم بدور باتمان، فهو ليس شخصا سيئا. بل يكون سلبيا بصورة غريبة في الذهاب إلى موقع الحادث، ولكن ما يحدث هو أن المخرج والكاتب كريستوفر نولان يعطيان المزيد من الوقت للـ«جوكر» كي يؤكد على رغباته ونواياه. أنه لشيء رائع أن تجلس وتسمع للجوكر وهو يشرح لزعماء العصابة كيف أنه هو الرأس الكبير في المدينة، في الوقت الذي يقوم فيه بإعطائهم موجزا مختصرا حول شخصيته ليشرح لهم من خلاله نمطه في ارتكاب الجرائم. مرة بعد مرة يظهر الأداء القوي لليدجر. إنه ساحر، ولكنه حزين بعض الشيء، ولديه المهارة التي تمكنه من القيام بدور وحش وفي نفس الوقت دور طفل مرعوب كبر وأصبح وحشا لأنه لم يكن لديه أي خيار. وهناك أيضا الممثل إيكهارت، الذي لا يقوم بدور المحامي العام هارفي دينت فقط، ولكنه يحب صديقة باتمان، راشيل داوز، التي كانت تقوم بدورها في فيلم «بداية باتمان» كاتي هولمز ولكنها استبدلت في فيلم «فارس الظلام» بماجي جيلينهال. قد تكون جيلينهال غير مناسبة لأفلام باتمان، فهي لا تناسب هذا الجو بعينيها اللتين تظهران وكأنها تعرفان الكثير. كان سيكون من الأفضل لو قامت هولمز بهذا الدور. وعلى أية حال، نجد سلسلة من المنافسات الثلاثية، فهناك المنافسة بين باتمان ودنت على الفوز بقلب داوز، في الوقت الذي ينافس فيه الجوكر أمراء الجريمة ضد الشرطة. وبمعنى أعمق، نجد القانون والمجرمين والفوضى التي يمثلها الجوكر، والممثلة في الدمار العام الذي يلحقه بالحضارة. وخلال الفيلم تسيطر الحبكة الثانوية، وتأتي بصورة أساسية كوسيلة لإظهار الماكياج الذي لا يصدق أن يستخدمه إيكهارت. وهناك الموقف الذي دبره الجوكر وتظهر فيه عبّارتان إحداهما مملوءة بالمجرمين والأخرى بالمواطنين العاديين، ومن المقرر أن يتم تفجير هاتين العبارتين، وكل منهما بها أداة تفجير لتدمير الأخرى، والسؤال يكون، من بين الاثنتين ستقوم بالقتل المضاعف من أجل أن تحيى. والخطأ الذي يظهر في الفيلم هو لعب إيكهارت دور دينت، فإن هذا الدور يحتاج إلى موهبة أكبر من تلك التي لدى إيكهارت، حيث كان يجب عليه أن يظهر الحب والمثالية بصورة أفضل حتى يمكن أن تقابل أكثر الجرائم خسة. ليس إيكهارت هو الشخص الذي يمكنه الجمع بين هذه الأشياء المتناقضة، ولذا فإن الحبكة الثانوية المرتبطة بـ«دينت» قد تكون غير جيدة. واستخدمت مؤثرات في هذا الفيلم من الدرجة الأولى، وقد يكون أفضل توظيف لها في عملية سرقة البنك في بداية الفيلم. كما يظهر دور المؤثرات في الطريقة السحرية التي تتحول بها سيارة باتمان إلى دراجة بخارية. يستمر فيلم «فارس الظلام» لمدة 152 دقيقة، وينصح الآباء بعدم اصطحاب الأطفال دون الثالثة عشرة خلال مشاهدته، لما فيه من أحداث عنف كثيرة.

* خدمة واشنطن بوست خاص بـ «الشرق الأوسط»