الخارجية الأميركية ترعى دبلوماسية «كرة السلة» مع طهران ضمن مساعي «القوة الناعمة»

مساعدة رايس للتعليم والثقافة لـ«الشرق الأوسط»: نستثمر بعلاقاتنا المستقبلية مع العالم

غولي عامري
TT

تشهد العلاقات الاميركية ـ الايرانية هذا الاسبوع حدثاً رياضياً له دلالات سياسية، اذ ترعى وزارة الخارجية الأميركية، مع «الاتحاد الوطني لكرة السلة» الاميركي، زيارة 25 عضوا من المنتخب الاولمبي الايراني لكرة السلة الى الولايات المتحدة حيث يشاركون في مباريات عدة مع فرق كرة سلة اميركية. وتأتي هذه الزيارة ضمن جهود «مكتب التعليم والثقافة» الذي ترأسه غولي عامري، مساعدة وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون التعليم والثقافة. ويعتبر التواصل مع الشعب الايراني من ابرز مهام عامري في وقت تشهد فيه العلاقات السياسية بين طهران وواشنطن تأزماً بسبب برنامج ايران النووي الذي تشك الولايات المتحدة وحلفاؤها بأن اغراضه عسكرية، على الرغم من النفي الايراني لذلك. وعلى الرغم من ان العلاقات الدبلوماسية بين ايران والولايات المتحدة منقطعة منذ عام 1980، بدأت وزارة الخارجية الاميركية منذ عام 2006 برامج خاصة لـ«التواصل مع الشعب الايراني». وعينت عامري لمنصب مساعدة وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون التعليم والثقافة في 19 مارس (اذار) الماضي بعد ان شغلت مناصب اخرى في الامم المتحدة بنيويورك وجنيف، ضمن جهود التواصل مع الايرانيين التي تقوم بها الحكومة الاميركية. يذكر ان عامري ولدت في طهران حيث تلقت تعليمها الاولي، وهي تجيد اللغة الفارسية، قبل ان تنتقل الى الولايات المتحدة للدراسة في جامعة «ستانفورد» العريقة ومن ثم جامعة «السوربون» الفرنسية. وقالت عامري في حديث خاص لـ«الشرق الاوسط»: «(سياسة) التواصل مع الشعب الايراني بدأت في مكتبي نهاية عام 2006، وهي اولوية للرئيس (الاميركي جورج) بوش ووزيرة الخارجية (كوندوليزا) رايس». واضافت: «كل مَنْ يعرف ايران، يعرف ان الشعب الايراني يحب الشعب الاميركي، ويريد المزيد من التواصل معه، فتركيزنا هو على خلق الظروف التي تسمح بذلك». وشرحت عامري: «فريق كرة السلة الايراني المؤهل الى الاولمبياد في بكين سيشارك في مباراة بسولت لايك سيتي بولاية يوتا الاميركية نهاية هذا الاسبوع. كما سيقوم اعضاء الفريق بأعمال خيرية ويدربون اطفالاً على لعب كرة السلة، إضافة الى التواصل مع الشعب الاميركي». وأضافت: «نشعر بفخر عميق بهذا البرنامج، لأنه يمثل فرصة رائعة لفريق كرة السلة ليمثل الشعب الايراني ويقربه من الشعب الاميركي»، موضحة «نتوقع مشاهدة الآلاف من المشجعين المباراة، بالإضافة الى اثارة انتباه الصحافة، مما يدفعنا للفخر بما نقوم به». وتابعت: «الاتحاد الوطني لكرة السلة لعب دوراً اساسياً في تحقيق هذا الحدث، هو الذي مد يده الى اتحاد كرة السلة في ايران». وتأتي زيارة فريق كرة السلة الاميركية الى ولاية يوتا بعد زيارة فريق المصارعين الاميركي الى ايران نهاية عام 2006. وعن تطلعات الادارة الاميركية لنتائج استضافة فريق كرة السلة، وهو بطل اسيا لهذا العام، قالت عامري: «نرحب باي فرصة تجمع شعبين، ويمكن للشعب دائماً ان يؤثر على تصرفات الحكومة بطريقةٍ ما». وأضافت: «من الواضح جداً ان الشعب الايراني هو صديق للشعب الاميركي ويريد الاقتراب منه. وعندما يأتي فريق كرة السلة الى الولايات المتحدة ويرى الناس كيف يرحب به الاميركيون، لن يؤدي ذلك إلا الى نتائج ايجابية على تفكير الشعب الايراني ونأمل ان يعكس ذلك على تفكير الحكومة الايراني». يُذكر أن عامري جاءت الى منصبِها بعد استقالة دينا باول، الاميركية من اصل مصري، والتي عينها بوش مساعدة لرايس. وعند سؤالها عن اختيار بوش لسيدات مثلها وباول، بالاضافة الى مساعدة وزيرة الخارجية للدبلوماسية العامة السابقة كارين هيوز، لهذه المناصب، ردت عامري: «الرئيس بوش ركز دائماً على توظيف نساء في وظائف ذات نفوذ.. ونرى ظاهرة جيدة لتوظيف النساء في هذا المكتب». واضافت: «انه الرئيس الاول الذي يعين اميركيين من اصول ايرانية في وظائف ذات نفوذ. كما ان هذا العام كان اول عام يقيم البيت الابيض فيه احتفالاً للاحتفال بالعام الايراني الجديد (نوروز) في مارس (اذار) الماضي، وكل هذا يبرهن على مساعي الولايات المتحدة لمد يدها الى الشعب الايراني». واكدت عامري ان احداث 11 سبتمبر (ايلول) 2001 اثرت كثيراً على سياسة الولايات المتحدة من حيث معرفة الحاجة للتواصل مع العالم الاسلامي، قائلة: «بالتأكيد منذ عام 2001، مكتبنا يركز على التواصل مع الجاليات المسلمة والدول المسلمة حول العالم ولدينا عدد من البرامج من اجل ذلك». وشرحت: «قسمي من اهم اقسام وزارة الخارجية، ومهمته بناء التفاهم المتبادل بين الشعب الاميركي والشعوب حول العالم بناء على 3 انواع من الفعاليات، التعليمية والثقافية والرياضية». وتابعت: «استخدام القوة الناعمة يهم الكثيرين في واشنطن، والجميع يفهم اهمية دعم التبادل الثقافي، والعمل على تقارب الشعوب مثمر في النهاية، ربما لا يظهر ذلك فوراً، ولكنه استثمار في مستقبلنا وعلاقتنا مع العالم وسيظهر على المدى البعيد». ومن البرامج التي تهتم بها عامري وتشعر بفخر لما تقوم به وزارة الخارجية هو برنامج «تبادل الشباب والدراسة» (برنامج يس)، موضحة: «هذا من افضل البرنامج لدينا، اذ نجلب طلاب مدارس ثانوية من دول ذات غالبية مسلمة الى الولايات المتحدة لمدة عام ليدرسوا في مدرسة اميركية ويعيشوا مع عائلة اميركية ويشاركوا في المجتمع ويتطوعوا في مختلف المجالات، وحقاً يتغيرون بعد تجربتهم. كما انهم يغيرون العائلات التي يعيشون معها والمحيط الذي يعملون فيه، اذ يتحدثون عن دولهم والاسلام ويساعدون المجتمع الاميركي على فهم ثقافتهم وحياتهم بوطنهم». وشارك اكثر من 2000 طالب في هذا البرنامج منذ اطلاقه عام 2002. ولفتت عامري الى ان «مجموعة من اطفال المدارس غادروا غزة اخيراً ليتوجهوا الى الولايات المتحدة من اجل المشاركة في هذا البرنامج». واضافت انه تم التوصل الى حل في ما يخص الطلاب من غزة لبرنامج «فولبرايت» التي اثيرت ضجة حوله قبل فترة، موضحة ان «الوزيرة رايس نفسها اهتمت بهذه القضية، وعمل القنصل العام الاميركي بنفسه على تزويد الطلاب بتأشيرات الدخول». ورداً على سؤال حول فعالية مثل هذه البرامج في تحسين صورة الولايات المتحدة في وقت يعارض فيه الكثيرون سياساتها في العراق وفلسطين وغيرهما، قالت عامري: «لقد تعلمنا ان برامج التبادل والتعارف الشخصي تنجح، والسبب وراء ذلك هو انه عندما يفهم الآخرون دولة معينة وطريقة عملها، تفتحُ افاق عدة للمعرفة». واضافت: «عندما يأتي الزوار الى الولايات المتحدة، يلتقون باميركيين ويفهمون الطبيعة الكريمة لهم. كما يتعرف الاميركيون على المسلمين وثقافتهم وما يعني دينهم لهم». وتابعت: «نتمنى ان نفعل المزيد بالتأكيد، ولكن ما نقوم به مهم ايضاً». وتحت رعاية مكتب شؤون التعليم والثقافة، اطلق الرئيس الاميركي عام 2006 «مبادرة لغات الامن القومي» الذي يسهم في تعليم الاميركيين لغات «تخص الامن القومي» الاميركي، بما في ذلك اللغات العربية والفارسية والروسية والصينية. واكدت عامري ان البرنامج مستمر، وان عدداً من الاميركيين يرسلون الى طاجكستان لتعلم الفارسية سنوياً، قائلة: «امل انه يأتي يوم يستطيع فيه هؤلاء الذهاب الى ايران لتعلم الفارسية هناك». واضافت: «لدينا 18 ايرانياً يعملون مساعدين لاساتذة جامعة في الولايات المتحدة لتعليم اللغة الفارسية». وتختار وزارة الخارجية الاميركية طلاب جامعة ايرانيين، عادة مَنْ يدرسون ماجستير في التعليم، ليدرسوا الفارسية بالولايات الخارجية ويعلمون الانجليزية هناك. ومن البرامج التي تدعمها الخارجية الاميركية ايضاً اعطاء دروس لتعلم اللغة الانجليزية للراغبين في ذلك، ولكن لا يملكون القدرة المالية لتناول الدروس الخصوصية بدول مختلفة حول العالم. وقالت عامري: «كل دراساتنا تشير الى ان معرفة اللغة الانجليزية تعتبر بطاقة للحصول على عمل وكسب المعاش الذي يساعد العائلة كلها»، موضحة: «هذا برنامج مخصص فقط للذين لا يملكون القابلية المادية لتعلم اللغة الانجليزية، فنساعد الذي يحتاجون هذه المساعدة». وتتعاون الخارجية الاميركية مع معاهد ومنظمات غير حكومية محلية من اجل توفير هذه الفرص في دول عدة؛ منها اليمن ومصر والاردن. واضافت: «مكتبي اشبه بالمؤسسات التي تمنح المنح، فبعد مؤسستي غيتس وفورد، نحن ثالث اكبر مؤسسة مانحة بالولايات المتحدة». وتعمل عامري، التي لديها تاريخ في مجال القطاع الخاص من خلال شركتها «اي ـ تينيام» المختصة في مجال الاتصالات، على توثيق علاقة مكتبها في وزارة الخارجية بالقطاع الخاص من اجل تشجيعهم على المشاركة المالية والتقنية في توسيع قنوات التواصل بين الشعب الاميركي وشعوب اخرى.