تدوين الأحكام القضائية أمام «كبار العلماء» اليوم.. الحسم أم التأجيل؟

فكرة طرحها مؤسس البلاد.. وجدد عليها الفيصل.. وأحياها الملك عبد الله بن عبد العزيز* المعارضون: التقنين يهدد بتعطيل الثروة الفقهية > المؤيدون: يقضي على اجتهادات لا تؤدي إلا للفوضى والخلاف

هل يحسم أعضاء هيئة كبار العلماء موقفهم النهائي في جلسة اليوم من «تدوين الأحكام القضائية» («الشرق الأوسط»)
TT

أمام هيئة كبار العلماء في السعودية اليوم، خيارات 3، إزاء تدوين الأحكام، وهو أكثر الملفات القضائية تعقيدا في البلاد، منذ أيام الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود حتى الآن؛ فإما أن تحسمه بـ«القبول» أو «الرفض»، أو أن تؤجل البت فيه إلى جلساتها الشتوية المقبلة.

وأبلغ «الشرق الأوسط» الشيخ عبد الله بن منيع، عضو هيئة كبار العلماء، أن مجلس الهيئة الذي سينعقد صباح اليوم السبت في محافظة الطائف، سيناقش موضوع تدوين الأحكام القضائية وإصدارها على شكل مواد تنظم عملية إصدار الأحكام في القضاء السعودي الذي يحكم وفقا للشريعة الإسلامية.

وسبق لهيئة كبار العلماء أن ناقشت موضوع تدوين الأحكام القضائية في آخر جلسة عقدتها قبل 6 أشهر، حيث ستستكمل فيه النقاشات هذا اليوم، في الوقت الذي لم يجزم فيه الشيخ عبد الله بن منيع بإمكانية البت في الموضوع خلال جلسة السبت، وطرح احتمالية أن تمتد رقعة النقاشات لجلسات مقبلة.

وهذه ليست المرة الأولى، التي تناقش فيها هيئة كبار العلماء موضوع تقنين أحكام القضاء، حيث سبق أن أخضعت الموضوع للنقاش على عهد الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز بتوجيه منه، وصدر عنها قرار بـ«منع التقنين». غير أن مجموعة كبيرة من العلماء، من نفس أعضاء الهيئة، الذين شاركوا في النقاشات التي تمت قبل 36 عاما، تحفظوا على قرار «منع التقنين»؛ وهم: الشيخ عبد المجيد حسن، الشيخ راشد بن خنين، الشيخ صالح بن غصون، الشيخ عبد الله خياط، الشيخ عبد الله بن منيع، الشيخ محمد بن جبير، حيث رأوا بـ«جواز تقنين الأحكام».

وتبرز لكلا الفريقين المعارض والمؤيد، أسباب تدعم توجهاتهم. حيث يرى الفريق المعارض عدم جواز إلزام القاضي بقول، فيما يخالف المؤيدون ما يطرحه المعارضون، لأسباب تأتي من أهمها، أن عدم إلزام القضاة بقوانين مكتوبة، يجعلهم عرضة للاجتهادات، وهو الأمر الذي يوسع هوة التفاوت في الأحكام التي تصدر عن القضاة السعوديين.

وتصدر 80 في المائة من أحكام القضاء السعودي، طبقا للمذهب الحنبلي. وقصة صدور الأحكام وفقا لهذا المذهب، جاءت بعد أن أصدرت الهيئة القضائية قرارا في 5 يوليو (تموز) 1928، مقترنا بتصديق عال في 9 سبتمبر (أيلول) لنفس العام، يقضي بأن «يكون مجرى القضاء في جميع المحاكم منطبقاً على المفتى به من مذهب الإمام أحمد بن حنبل؛ نظراً لسهولة مراجعة كتبه، والتزام المؤلفين على مذهبه ذكر الأدلة إثر مسائلها».

وطبقا للقرار ذاته الصادر منذ 80 عاما، فإنه «إذا صار جريان المحاكم الشرعية على التطبيق على المفتى به من المذهب المذكور (الحنبلي)، ووجد القضاة في تطبيقها على مسألة من مسائله مشقة ومخالفة لمصلحة العموم، يجري النظر والبحث فيها من باقي المذاهب بما تقتضيه المصلحة، ويقرر السير فيها على ذلك المذهب؛ مراعاة لما ذكر، كما يكون اعتماد المحاكم في سيرها على مذهب الإمام أحمد على كتابي شرح المنتهى، وشرح الإقناع».

ولم تخل هذه الجزئية أيضا من التفصيل، حيث أكد القرار أن الحكم المتبع يكون فيما اتفقا عليه (شرح المنتهى وشرح الإقناع)، أو انفرد به أحدهما، وما اختلف فيه، فالعمل على ما في «المنتهى»، وإذا لم يوجد بالمحكمة الشرحان المذكوران، يكون الحكم بما في شرحي «الزاد»، أو «الدليل»، إلى أن يحصل بها الشرحان، وإذا لم يجد القاضي نص القضية في الشروح المذكورة طلب نصها في كتب المذهب المذكور التي هي أبسط منها، وقضى بالراجح.

هذه التفاصيل الدقيقة التي تكون في مجملها الطريقة المتبعة لإصدار الأحكام في القضاء السعودي، جاءت نتيجة توجيه الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، والذي جاء نصه كما يلي: «إن جلالة الملك حفظه الله، يفكر في وضع مجلة للأحكام الشرعية، يعهد إلى لجنة من خيار علماء المسلمين الاختصاصيين استنباطها من كتب المذاهب الأربعة المعتبرة. وهذه المجلة ستكون مشابهة لمجلة الأحكام التي كانت الحكومة العثمانية وضعتها عام 1293هـ، ولكنها تختلف عنها بأمور؛ أهمها: عدم التقيد حين الاستنباط بمذهب دون آخر، بل تأخذ ما تراه في صالح المسلمين من أقوى المذاهب حجة ودليلاً من الكتاب والسنة».

وأصدر الملك عبد العزيز، حينها أمرا إلى هيئة المراقبة القضائية بالشروع في عملها، على الطريقة التالية «إذا اتفقت المذاهب الأربعة على حكم من الأحكام فيكون هذا الحكم معتبراً وملزماً لجميع المحاكم والقضاة. والمذاهب الأربعة هي متفقة في الأحكام الأساسية وفي كثير من الأحكام الفرعية. أما المسائل الخلافية فيشرع في تدوينها منذ اليوم، وفي كل أسبوع تجتمع هيئة مراقبة القضاء مع جملة من فطاحل العلماء، وينظرون فيما يكون اجتمع لدى الهيئة من المسائل الخلافية وأوجه حكم كل مذهب من المذاهب فيها، وينظر في أقوى المذاهب حجة ودليلاً من كتاب الله وسنة رسوله، فيصدر قرار الهيئة على إقراره والسير على مقتضاه، وبهذه الوسيلة تجتمع لدى الهيئة معظم المسائل الخلافية التي هي منشأ الصعوبة في التأليف بين أحكام المذاهب، ويصدر القرار بشأنها، ويكون هذا القرار ملزماً لسائر المحاكم الشرعية والقضاة وأساساً قوياً لتوحيد الأحكام وتأليفها».

وعلى الرغم من أن توجيه الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن في ذلك الوقت، كان يذهب لاختيار الأحكام الراجحة من المذاهب الأربعة، غير أن الهيئة القضائية التي درست هذا الأمر في حينه، اكتفت بالاعتماد على المذهب الحنبلي.

وأحيا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، فكرة تدوين الأحكام القضائية، بالاستناد إلى المذاهب الأربعة، وهي الفكرة ذاتها التي نادى بها الملك المؤسس في ذلك الوقت، حيث أوكل الملك عبد الله هذا الأمر إلى هيئة علمية على مستوى رفيع، ستكون مرتبطة به، وستتولى «صياغة الأحكام الفقهية المتعلقة بالمعاملات والجنايات والأحوال الشخصية، وغيرها مما يتطلبه القضاء، باختيار الراجح من بين المذاهب لإصدارها على شكل مواد».

ولا تزال هيئة كبار العلماء في السعودية، بصدد دراسة مسألة تقنين الأحكام الشرعية، وإصدارها على شكل مواد مكتوبة، وهي التي كانت قد عارضت هذا التوجه منذ أكثر من 30 عاما، حيث أصدرت قرارا بـ «منع التقنين».

ولا يرى الشيخ يوسف الفراج، وهو قاض في وزارة العدل السعودية، ما يمنع من تقنين الشريعة الإسلامية وتدوين أحكامها. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن كل الأدلة التي يوردها معارضو هذا الأمر لا تقوى للتحريم. لهذا أرى جواز هذا الأمر على اعتبار أنها مسألة اجتهادية، وتحقق المصلحة المرسلة».

ويعتقد القاضي الفراج، أن هناك أسبابا وجيهة لدعم تقنين الأحكام؛ يذكر من أهمها: بيان وظهور الحقوق للناس، في جهة الأحوال الشخصية والمعاملات المالية، والعقوبات التعزيرية.

وأكد على ضرورة «أن تتضح للشركات والأفراد والمؤسسات، طبيعة العلاقة التي بينهم، والقواعد التي ستحكمهم». وهذا الأمر طبقا للفراج، سيسهم في تقليل اللجوء إلى المحاكم، والتسريع بإصدار الأحكام، والتقليل من التفاوت بين الأحكام في القضاء السعودي.

ويؤكد القاضي في وزارة العدل، أن نسبة التفاوت في الأحكام الصادرة عن محاكم بلاده ليست بـ«الظاهرة»، مقدرا نسبتها بـ10 في المائة فقط، وهي ليست السبب الرئيس وراء التفكير في تدوين الأحكام القضائية.

ويوجد في العاصمة السعودية الرياض، 100 قاض، موزعون على وزارة العدل من ناحية وديوان المظالم من ناحية أخرى. ويجادل معارضو تقنين الأحكام، الذين يحكمون بعدم جواز الأمر، بواقعة الإمام مالك، الذي عارض رأي الخليفة هارون الرشيد بضرورة إلزام القضاة بـ«قول».

لكن المؤيدين لـ«تدوين الأحكام»، ومنهم الفراج، يرون أن قضاة الزمن القديم، كانوا من العلماء الراسخين في العلم، خلافا لـ«القضاة الجدد»، الذين وصفهم أحد المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» بـ«قضاة ضرورة»، وهو ما يؤيده 6 من هيئة كبار العلماء الذين تحفظوا على قرار «منع التقنين»، حيث رأوا أن الإلزام بالحكم بقول من المصالح العامة التي تعود على الضروريات الخمس بالعناية والرعاية والحفاظ ما يدعو إلى التغاضي عن هذه المآخذ؛ تطبيقاً لقاعدة ارتكاب أدنى المفسدتين لتفويت أعلاهما.

وقال العلماء السعوديون الـ6، وهم: عبد المجيد حسن، راشد بن خنين، صالح بن غصون، عبد الله خياط، عبد الله بن منيع، محمد بن جبير، وغالبيتهم من القضاة السابقين، ان ما عليه غالب القضاة من مستوى علمي ضعيف لا يستطيعون به الاجتهاد لأنفسهم، ولا إدراك الراجح من مذهب من هم منتسبون إليه من بين الأقوال المبثوثة في كتب المذهب، لا سيما وفي الكتب المؤلفة في المذهب، أقوال مختلفة.

ويرى العلماء المؤيدون لتدوين الأحكام، أن الحاجة إلى هذا الأمر، أصبحت ملحة، والإلزام بالحكم، أمر لا بد منه؛ رعايةً للمصلحة، وحفظاً للحقوق، وإبقاءً على العمل بأحكام الشريعة في المحاكم الشرعية.

وتناول الباحث الشرعي الدكتور عبد الرحمن الجرعي، وهو أستاذ للدراسات العليا بجامعة الملك خالد، ومدير مركز البحث العلمي بكلية الشريعة في الجامعة نفسها، موضوع تقنين الأحكام بشكل مفصل، أورد خلاله أسباب معارضي هذا التوجه، وأسباب مؤيديه، ورأيه الختامي، والذي ذهب فيه لصالح إجازة التقنين.

وأبرز الجرعي، أن من أهم أدلة القائلين بمنع التقنين الآيات التي توجب الحكم بما أنزل الله، ومنها قوله تعالى: «إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله» [النساء: 105]، وقوله تعالى: «فاحكم بين الناس بالحق» [ص: 26]، فهاتان الآيتان تأمران بالحكم بما أنزل الله وهو الحق، والحق لا يتعين بالراجح من أقوال الفقهاء، لأنه راجح في نظر واضعيه دون سواهم فلا يصح الإلزام به ولا اشتراطه على القضاة عند توليتهم ولا بعدها.

ومن الآيات التي يستند إليها معارضو التقنين، قوله تعالى: «وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله» [الشورى: 10] وقوله تعالى: «فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول» [النساء: 59] ووجه الاستدلال بهاتين الآيتين: أن الواجب هو الرجوع إلى حكم الله ورسوله، ولا يتعين حكم الله ورسوله في مذهب معين أو رأي معين ولا في قول مرجح، والحكم بالرأي الراجح حكم بغير ما يعتقد القاضي أنه حكم الله ورسوله فهو حرام ويلزم منه منع الإلزام بالتقنين.

ويستند معارضو التقنين إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم، «القضاة ثلاثة: واحد في الجنة واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به، ورجل عرف الحق وجار في الحكم فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار»، ووجه الاستدلال به أن الحكم المانع من الإثم هو الذي يرى القاضي أنه الحق، والرأي الراجح المدون ليس بالضرورة أن يكون هو الرأي الحق في نظر القاضي فإن قضى بخلاف ما عرف أنه الحق أثم ويلزم منه منع الإلزام بالتقنين. ورد الجرعي، على هذا، بأن الآيات السابقة التي يستدل بها معارضو التقنين والحديث النبوي الشريف، عامة، وليست في موضوع الإلزام، ويصعب القول بأن ما يختاره العلماء من الأقوال الراجحة هو خلاف الحق، أو أننا إذا رجعنا إلى قولهم فإننا نرجع إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. فمن أين أخذ هؤلاء إذن؟.

وفيما يقول معارضو التقنين، ان هناك إجماعا على عدم إلزام الناس بقول واحد وحملهم عليه، مستندين بذلك على كلام منقول عن شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، أجاب الشيخ الجرعي، بأن هذا الإجماع غير مسلّم، لأنه قد وجد من العلماء من قال بخلافه، ثم إن القول بالمنع من الإلزام بقول واحد قول صحيح لو كان جميع القضاة من المجتهدين، أما وقد علمنا أن العدد المطلوب تعيينه من القضاة للفصل في خصومات الناس يلزم بتعيين من لم يصل إلى مرتبة الاجتهاد -وهم كثير- فيصبح تعيينهم جائزا للضرورة أو الحاجة، وبالتالي فإن إلزامهم بقول واحد في هذه الحالة أمر سائغ.

ويعتقد العلماء السعوديون المخالفون لفكرة التدوين، أن تدوين القول الراجح والإلزام به مخالفان لما جرى عليه العمل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين ومن بعدهم من السلف الصالح، وعُرضت هذه الفكرة من قبل أبي جعفر المنصور على الإمام مالك فردها وبين فسادها ولا خير في شيء اُعتبر في عهد السلف من المحدثات. ويرى الباحث الشرعي وأستاذ الدراسات العليا بجامعة الملك خالد، أن عدم وجود هذه الفكرة عند السلف لا يعني منعها، فلعل دواعيها لم توجد، ورأي الإمام مالك رحمه الله قد خالفه فيه غيره، حتى وإن لم يخالفه غيره فليس قوله بمجرده حجة.

ويعتقد المعارضون، أن صياغة الأحكام الفقهية بأسوب معين سواء أكان من قبل أفراد أو لجان، من الممكن أن تستأثر ببشريتهم، ونسبتها إلى حكم الله ليست دقيقة، بينما أن صياغة نصوص الشرع ربانية معجزة ويمكن نسبتها إلى الله فيقال أحكام الله تعالى.

لكن الجرعي، يرى أن التقنين مثله مثل الفقه فهو لا يخرج عن صياغة فقهية لا أكثر، وما بقي من ترتيب ووضع أرقام متسلسلة ما هو إلا أمر شكلي يُسهّل الرجوع للأحكام ولا يؤثر في مضمونها.

ويقوي معارضو التقنين حججهم، بأن التقنين لا يرفع الخلاف في الآراء، وهو من أهم المبررات التي يراها مؤيدو هذا الأمر. لكن الدكتور الجرعي، يرى أن التقنين يحد من الاختلاف وإن لم يرفعه، وهذا هو المطلوب في الوقت الحالي.

وبرزت مخاوف لدى علماء سعوديين يقفون في وجه التقنين، من تعطيل الثروة الفقهية، وذلك لأن عمل القضاة سيرتبط بهذه القوانين شرحا وتفسيرا مما يعطل التعامل مع كتب الفقه، ويحجر على القضاة، ويوقف حركة الاجتهاد، والنشاط الفكري، لتلبية مطالب الحياة المتغيرة، ومواجهة الأنظمة والأعراف والمعاملات المتجددة.

وأمام ذلك، يؤكد البحث الشرعي، الذي خلص إليه الجرعي، أن التقنين ليس فيه حجر كبير على القضاة؛ لأن تدوين الفقه لا يمنع الاجتهاد، والحياة تولد من المستجدات مما يعطي القاضي المجتهد مجالا واسعا في تبني أحكام جديدة لها، ويكفيه أن يجتهد في ملابسات القضية المعروضة عليه، ويعينه على الاجتهاد في القضايا الأخرى اللجان المختصة لوضع القوانين، كما أن للأحكام المقننة مذكرات إيضاحية وشروحا ولا يستغني واضعو هذه المذكرات والشروح عن كتب الفقه.

وفيما تأتي خطوة تقنين الأحكام الشرعية، مدعومة بآراء كثيرة من علماء معتبرين وأعضاء مجلس الشورى السعودي، والتي تنادي بإصدار قانون جنائي مكتوب، ترى الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، أهمية قصوى لضرورة مراجعة بعض التطبيقات القضائية المعمول بها، وبخاصة فيما يتعلق بموضوع الكفاية في الزواج، وتقنين الأحكام الشرعية الإسلامية الخاصة بالأسرة، وهي الموضوعات التي ستكون محل اهتمام الهيئة العلمية العليا بعد تشكيلها.

ويتفق مؤيدو التقنين، مع معارضيه، بأنه لا يخلو من المفاسد. لكنهم ينظرون أن المصالح العامة التي يحققها التقنين والتي تعود على الضروريات الخمس بالعناية والرعاية والحفظ -كما مر في أدلة هذا القول- كل ذلك يدعو إلى التغاضي عن هذه المآخذ تطبيقا للقاعدة القائلة: «إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررا بارتكاب أخفهما».

ويرى مؤيدو التقنين، أن ترك القضاة يحكمون بما يصل إليه اجتهادهم يؤدي إلى فوضى واختلاف في الأحكام للقضية الواحدة، مستندين الى وقوع اختلاف بين محكمتي التمييز في الرياض ومكة المكرمة، وهو الأمر الذي خشوا من خلاله إلى أن يسهم في هدر الثقة بالمحاكم الشرعية، معتقدين أن في التقنين توحيدا للأحكام في الدولة ببيان الراجح الذي يحكم به.

وفيما يستمر الجدل قائما بين مؤيدي التقنين ومعارضيه، يؤكد الشيخ الجرعي، على وجاهة أكثر الأدلة التي استند إليها المؤيدون، والتعليلات التي استدلوا بها.

وقال الجرعي، إن ما استجد في واقعنا المعاصر من ظروف، تقتضي إعادة النظر في النظام القضائي، ليكون هذا النظام أكثر ضبطا، ووضوحا بالنسبة للقاضي أو المتقاضي، وكذلك فإن احتكاك بلدنا ببقية بلدان العالم، خاصة مع الانفتاح العالمي على غيرنا، مما يستدعي كتابة المواد التي يتقاضى إليها. خاصة أن غيرنا سيطالبنا بها إذا أردنا أن نقاضيه إلى شرعنا، فلا يمكن أن نحيله إلى مجموعة من كتب الفقه المذهبي أو المقارن.

ويعتقد الباحث الشرعي، أنه في حال عدم القبول بتقنين الأحكام، فإن الواقع لن يتعدى خيارين لا ثالث لهما، وهما على حد قوله فإما أن تفوت علينا مصالح لا نستغني عنها، وإما أن نتحاكم إلى قوانين ليس لها علاقة بالشريعة الإسلامية.