ندوة «السينما والتلفزيون السياسي» تفتح النقاش حول دور الرقابة على الأفلام

تنظمها قناة «العربية» بشراكة مع مؤسسة منتدى أصيلة.. وتتناول مدى جرأة القنوات التلفزيونية في العالم العربي

الفنان المصري عزت العلايلي يتحدث خلال الجلسة الافتتاحية للندوة ويبدو محمد بن عيسى متوسطا نور الدين الصايل وياسر الصرامي (تصوير: عبد اللطيف الصباري)
TT

طرح المشاركون في ندوة «السينما والتلفزيون السياسي» أسئلة عديدة خلال جلستها الافتتاحية، التي انعقدت الليلة قبل الماضية بمدينة اصيلة بشراكة بين مؤسسة منتدى اصيلة وقناة «العربية» الاخبارية، حول مفهوم الفيلم السياسي، وهل تراجع دور الرقابة، مما فتح الباب امام جرأة غير مسبوقة، يعيشها الإعلام العربي، كما تم التساؤل ان كان هاجس تقييد الحريات ما زال يهدد الإعلاميين والمبدعين السينمائيين، في ظل التلويح بوثيقة تنظيم الاعلام العربي، التي ما فتئت تثير جدلا واسعا بين المهتمين بهذا الحقل الحيوي.

وفي سياق ذلك، قال محمد بن عيسى، امين عام مؤسسة منتدى اصيلة ان السينما والتلفزيون هما «شكلان تواصليان يمارسان تأثيرا متعاظما على اذهان المشاهدين، ويتركان اثرا في وجدانهم، ويستفيدان معا من المستجدات والابتكارات التقنية المتلاحقة، التي تقتحم عالمنا، فاتحة امامهما افاقا لا متناهية في عصر تهيمن عليه ثقافة الصورة بامتياز».

واكد بن عيسى ان الجمع بين السينما والتلفزيون في ندوة واحدة لمقاربة موضوع «التوظيف السياسي» لهما، لا يتطلب اختلاق المبررات، فالوسيلتان رغم استقلالهما النوعي، الواحدة عن الاخرى، تلتقيان وتتداخلان وتتقاطعان فوق ارضية مشتركة، لكنهما في ذات الوقت، تسلكان سبل المنافسة والتسابق من اجل اجتذاب المشاهد والتأثير فيه، سواء ظل بالبيت او قصد صالات السينما، ذلك ان الفرجة الممتعة والمفيدة، هي الوجبة التي تتفنن السينما والتلفزيون في اعدادها للمشاهد، كل في مطبخه الخاص، وحسب شريحة الجمهور الذي تستهدفه كل وسيلة، منهما من يتفنن في استخدام المؤثرات والحيل الفنية، وعناصر التشويق والاثارة، مستثمرا تقنيات التواصل الحديثة، ومنجزات علم النفس، ونظريات المعرفة السيكولوجية المعاصرة.

واوضح بن عيسى انه بسبب الطفرة في تطور صناعة السينما والاعلام التلفزيوني، بات من الطبيعي ان تسعى الحكومات، والهيئات والمنظمات، واصحاب المصالح الاقتصادية الكبرى الى توظيفهما، ولاسيما الاداة الاوسع انتشارا، اي التلفزيون، عكس السينما التي تشتغل بايقاع مخالف. وتساءل بن عيسى :«هل يتعارض التوظيف السياسي في السينما والتلفزيون مع مواصفات الجودة، وما هي معايير هذه الاخيرة، في ظل عولمة كاسحة، شملت السينما والتلفزيون، وكيف نرتقي بالجمهور لنربي حاسة النقد لديه؟، مشيرا الى ان وسائل الاتصال لها جوانب ايجابية كثيرة يلزم توظيفها في نشر القيم النبيلة والسلوكيات المثلى بين الجمهور، بدل تغذية الاحقاد والصراعات، واشعال الفتن بين الدول والشعوب.

واكد بن عيسى ان انزلاقات شتى بدأت تبرز اعراضها في التلفزيون بصفة عامة، وهو ما يستوجب ربما، من وجهة نظره، في المسقبل، صياغة مدونة عالمية للسلوك في التلفزيون، تحول دون جموحه عن الانسياق وراء التوجهات المناهضة للسلم، والحوار بين الثقافات، والتسامح بين الاديان، من دون ان تكون «المدونة» الافتراضية قيدا على الابداع، والابتكار والجودة ـ والمتعة الخالصة، «فنهوض المجتمع المدني في الاوطان العربية، مؤشر على انتشار الوعي القادر على حماية جمهور التلفزيون والسينما من خطر استباحتهما من طرف القوى الغامضة المغرضة».

من جهته، اوضح ناصر الصرامي، مدير الاعلام في قناة «العربية» الراعية للندوة، ان تغطية جنازة الرئيس الاميركي جون كنيدي على الهواء مباشرة، اثار الحديث حول الابواب المغلقة والحواجز التي يمكن للتلفزيون ان يقرعها ويخترقها، وهي نبوءة من النبوءات التي تحققت في العقود اللاحقة تفوقت في واقعها على خيال انبياء الاعلام، مشيرا الى انه منذ نهاية عقد الثمانييات من القرن الماضي الى حرب الخليج الثانية وصولا الى منتصف عقد التسعينيات، وميلاد الالفية الحالية، توسع استخدام البث الفضائي، وتكاثرت قنواته، وتوالدت تقنياته بشكل مثير ومتواصل وكثيف حتى الساعة، اذ أصبحت القنوات التلفزيونية تلاحق الناس في كل مكان بلا استثناء، والسينما التي كنا نهرب اليها، على حد تعبيره، «اصبحت تغزونا مع احدث تقنيات الترفيه المنزلي، بما تملكه من تأثير مباشر في اختراق وعي واحساس المتلقي، وفكره بطريقة فذة مخملية ابداعية راقية، ظاهرها التسلية، وباطنها التسلية ايضا واشياء اخرى. واشار الصرامي الى ان فرضية التوظيف السياسي للسينما والتلفزيون، وما ينبثق عنها من تجاذبات وقضايا يمكن ان تخذل، وتهز الرأي العام العربي في خياراته ومواقفه وثوابته.

اما منتهى الرمحي، المذيعة في قناة «العربية»، فبعد ان عبرت عن اعجابها بالاكل المغربي، الذي شكل احد اسباب اصرارها على المجيء الى اصيلة، اشارت في مداخلة مقتضبة، الى ان السياسة «هي غذاؤنا في العالم العربي، فكلنا نتحدث في السياسة، ونفكر بشكل استراتيجي، وننتقد السياسيين، ونذهب للسينما لمشاهدة افلام تناقش قضايا سياسية، بل حتى في العطل الرسمية، والملتقيات الفنية، لا حديث الا عن السياسة»، متسائلة الى اي حد نجح الاعلام في التعاطي مع السياسة بموضوعية؟.

فالاعلام العربي، في رأي الرمحي، اصبح اكثر جرأة في تناول القضايا السياسية، وهذا يبشر بالخير، لكن اذا رفعت ايدي الكثيرين عنه فسيصبح اكثر قربا من المواطنين. ولم تفت الرمحي الفرصة للتعليق على موضوع وثيقة تنظيم الاعلام العربي، التي اثارت جدلا كبيرا، فالهدف من هذه الوثيقة، في رأيها، هو تقييد الحريات وليس تنظيم المجال الاعلامي.

بدورها، قالت الناقدة السينمائية، هدى ابراهيم، وهي ايضا مذيعة في راديو «مونت كارلو» ان الحديث عن وثيقة او مدونة لتنظيم الاعلام العربي يصيبها بالخوف، فهي لا ترى فيها سوى وسيلة لتقييد الحرية، مشيرة الى ان مساحات الحرية تقل في العالم العربي، وان المدونة يمكن ان تستغل سياسيا. وركزت ابراهيم على اهمية دعم التلفزيون للانتاجات السينمائية، والتعريف بسينما بعض البلدان العربية التي لا تلقى الانتشار الواسع، مثل الجزائر والمغرب، بدل التركيز على السينما المصرية وحسب، كما اشارت الى اهمية اهتمام القنوات التلفزيونية بانتاج الفيلم الوثائقي كما يحصل في القنوات الاجنبية حيث يلقى الدعم الواسع والاقبال الجماهيري، مقترحة الحديث عن كيف يمكن للتلفزيون ان يخدم السينما السياسية.

وعقب بن عيسى، على ملاحظة الرمحي وإبراهيم بشأن الوثيقة، بقوله: «شريطة أن يحرر المدونة العاملون في التلفزيون وليس السياسيون كما حدث بالنسبة للإعلام في الجامعة العربية».

اما الممثل المصري عزت العلايلي، الذي شارك في عدد من الاعمال السينمائية ذات البعد السياسي مثل «الارض» و«ميرامار» و«الطوق والاسورة»، فقدم تعريفا لمصطلح الفيلم السياسي، بقوله ان الفيلم السياسي هو «الذي يتكلم في السياسة» او الذي يمس موضوعا سياسيا في المقام الاول». وهذا ينطبق ايضا على الفيلم التاريخي الذي من الممكن ان تكون فيه اسقاطات واضحة عن السياسة الحالية. واضاف العلايلي ان الفيلم السياسي هو فيلم مجابهة يعرف صناعه انهم سيدخلون في صدام مع النظام الحاكم، اذ ان الفيلم السياسي ليس هو الذي يؤيد النظام، في رأيه، مهما كانت انجازاته. واكد العلايلي ان الفيلم السياسي الحقيقي لم يظهر الا بعد نكبة حزيران 1967، مذكرا بالافلام السياسية التي شارك فيها مثل «الارض» و«ميرامار» و«زائر الليل»، و«اهل القمة»، و«على من نطلق الرصاص»، وغيرها من الافلام.

وقال العلايلي ان الفنون بشكل عام، ومنها السينما تلجأ الى الرمز احيانا للحديث عن قضايا سياسية، لكن هذا النوع من الابداع لا يلقى احترما مثل المباشرة في الخطاب، لان الكاتب والمبدع يحمل بداخله شيئا من الخوف. مشيرا الى ان الجرأة التي اتسم بها كتاب اميركا اللاتينية ضد الطغاة ،هي التي جعلت ابداعاتهم مقروؤة ، كما حدث ايضا في جنوب افريقيا ايام التفرقة العنصرية.

واشار العلايلي الى وجود الكثير من الاراء ووجهات النظر حول مفهوم الفيلم السياسي، متسائلا: «هل يمكن اعتبار فيلم «الارهابي» فيلما سياسيا؟ خاصة ان الطرف الذي يواجهه الفيلم يتغير، باعتباره ليس تنظيما سياسيا، ولكنه كيان يهدد الشعب والنظام معا، «فالقهر هنا يأتي من المحكوم وليس من الحاكم او السلطة السياسية»، وهذا ما يجعل من الصعب، في رأي العلايلي، صياغة تعريف ثابت، ومحدد للفيلم السياسي. فتعريف الفيلم السياسي في منتصف عقد السبعينيات من القرن الماضي، صار الان مختلفا تماما، ليس فقط بالنسبة للفيلم العربي بل بالسينما العالمية ايضا. «فالمخرجون لم يعودوا يجدون موضوعات ساخنة في العالم كما كان يحدث سابقا، خاصة ابان ازدهار الديكتاتورية او مع زيادة القلاقل السياسية»، وتساءل العلايلي ان كانت السينما السياسية مرتبطة في المقام الاول بازدهار الديكتاتورية؟

واشار العلايلي الى ان العالم يتحرك الان بشكل مرن، وان المفاهيم تغيرت، وصار المصطلح نفسه مرنا، فما يمكن ان نورده اليوم، سيتغير بعد عامين على الاكثر، مشيرا الى ان الوعي السينمائي المصري زاد بشكل غير متوقع، بالاضافة الى ان الرقابة اباحت الكثير من الافلام السياسية من دون مشاكل. وخلص العلايلي الى القول ان السينما السياسية هي التي تتخذ موقفا فكريا لواقع المجتمع دون مزايدة، وتقدم عرضا حقيقيا فيه من الوضوح والرؤية الشفافة ما يساعد على تقدم المجتمع من دون خطابة، وهي «التي تمجد الانسان، وتعلي من قيمه وحقه في حياة شريفة وآمنة».

ومن جهته، ألقى المخرج الجزائري، محمد لخضر حامينا، الحائز السعفة الذهبية في مهرجان كان عام 1975، كلمته بالفرنسية. وحين طلب بن عيسى توزيع سماعات الترجمة على من لا يتقن الفرنسية، قال حامينا، مخاطبا الحاضرين ضاحكاً: «إنها مخلفات الاستعمار». وتحدث حامينا عن علاقة السينما بالتلفزيون. وتساءل: هل هي علاقة عداء ام منافسة؟، مشيرا الى ان الرئيس الجزائري الاسبق الشاذلي بن جديد كان قد طلب منه انتاج مجموعة من الافلام السينمائية احتفالا بمرور 20 عاما على استقلال البلاد، فاشترط قبل تنفيذه المشروع، ان يتم تخصيص الصالات السينمائية في الجزائر التي كانت قد تحولت الى «مزابل»، على حد تعبيره، لان المؤسسة الحكومية المشرفة على قطاع السينما كانت «ميتة،»، مشيرا الى ان الرئيس بن جديد عقب على كلامه بالقول ان الافلام يمكن عرضها على التلفزيون وليس في الصالات السينمائية فقط.

ونبه حامينا الى اهمية دور التلفزيون في التأثير على عقول الاطفال بالنظر الى عدد الساعات التي يقضونها امام هذ الجهاز الذي يدخل البيوت بدون استئذان.

واكد حامينا ان التلفزيون يستخدم حاليا كاداة للتدجين والتوجيه في يد الدول، سواء كان حكوميا او مستقلا، فمهما بلغت درجة استقلالية التلفزيون يظل مرتبطا باصحاب القوة والسلطة، وهذا الامر لا ينطبق في رأيه على التلفزيونات العربية، بل العالمية ايضا، فالاخبار تنقل بنفس الطريقة على جميع القنوات.

واشار حامينا الى انه يؤيد التلفزيون المستقل،وفي حال كان التلفزيون حكوميا، لا بد من انشاء مجلس اعلى يضم مفكرين ومختصين لمراقبة برامجه، مشيرا الى الاوضاع التي يعيشها العالم العربي بسبب السياسات المتناقضة التي ينهجها المسؤولون في كل المجالات، وعلى رأسها المجال الثقافي، الامر الذي ادى الى ان «يصبح الغرب متحكما فينا ويلعب بنا مثل رقعة الشطرنج».

وتحدث الناقد والإعلامي السوري قصي صالح درويش عن الرقابة على الأفلام في العالم العربي، واوضح ان الرقابة على الافلام خفت مقارنة مع الماضي، فالرقابة، في نظره، اصبحت هامشية في السينما العربية، وقد انتجت في مصر في السنوات الاخيرة، عدد من الافلام التي تدخل في خانة الافلام السياسية التي تتحدث عن الحالة الوطنية في مصر مثل «معالي الوزير» و«عمارة يعقوبيان»، وفي المغرب انتج فيلمان عن هجرة اليهود المغاربة الى اسرائيل في عقد الستينيات من القرن الماضي، وهما فيلم «فين ماشي يا موشي» لحسن بنجلون، و«وداعا امهات» لمحمداسماعيل، حيث اعتبر درويش انه حتى لو نظر الى الموضوع على انه من المواضيع العادية في المغرب، الا انه في المشرق يعتبر غريبا ومثيرا.

ودعا درويش الى رفع الحظر على بعض الافلام الاسرائيلية المؤيدة للقضية الفلسطينية التي ما زال بعض من وصفهم بـ«النقاد المشاغبين» يحولون دون عرضها في المهرجانات السينمائية العربية، وقال انه لا يجد مبررا لهذه الرقابة العنيفة وغير المبررة وهي ايضا رقابة من دون فائدة، لم يسلم منها حتى ميشيل خليفة، المخرج الفلسطيني الذي تعرض الى هجوم عنيف في مصر، داعيا الى مزيد من الحرية في التعاطي مع القضايا السياسية.

واستغل نور الدين الصايل، مدير المركز السينمائي المغربي، حديث درويش عن منع بعض الافلام من العرض ليشير الى ان مهرجان الاسكندرية منع بدوره عرض فيلم مغربي في الافتتاح هو فيلم «لولا» للمخرج نبيل عيوش، بحجة اهانة مصر. وقال الصايل ان هناك الرقابة وهناك الغباء، وكلاهما واقع في العالم العربي للاسف. ونوه الصايل بالشراكة التي جمعت قناة «العربية» بمنتدى اصيلة، مؤكدا على اهمية الانتاج المشترك بين السينما والتلفزيون باعتبار الاولى وسيلة ابداع والثانية وسيلة اخبار، مشيرا الى انه في كلتا الحالتين هناك الدولة التي تتحكم، والمجتمع الذي يشكل بدوره قوة ضغط. ونوه الصايل بمحمد بن عيسى، الذي وصفه بانه «مثقف وسيط» وليس «مثقفا حاجزا»، وقال عنه انه ينتشي عندما يجعل شخصا صديقا لشخص آخر، وان هذا الدور الوسيطي هو احسن هوية يقدمها بن عيسى لاصيلة.