إصدار أوامر اعتقال بحق المئات من عناصر «الصحوة» في ديالى.. وملاحقة 650 في بغداد

المتطوعون لقتال «القاعدة» يشعرون بـ«المرارة».. وقائد عسكري عراقي يقول إنهم «مثل السرطان ويجب استئصالهم»

TT

اتجهت الحكومة العراقية التي يسيطر عليها الشيعة إلى طرد العديد من قادة الدوريات الأمنية من المواطنين السنة، وهي الدوريات الأمنية التي تشكلت من جماعات المتمردين السابقين، الذين تعاقدوا مع القوات الأميركية للحفاظ على الأمن، واُعتبرت بعد ذلك من أكبر الركائز التي على أساسها انخفضت معدلات العنف في أرجاء البلاد.

وفي محافظة ديالي، صرح المسؤولون العسكريون الأميركيون والعراقيون بأنه قد صدرت العديد من أوامر الاعتقال بحق المئات من أعضاء مجالس الصحوة، كجزء من العمليات الأمنية التي يقوم بها الجيش العراقي. ويقول قادة الجماعات، إن 5 قادة بارزين على الأقل من تلك المجالس قد اُعتقلوا بالمحافظة خلال الأسابيع الأخيرة. وفي غرب بغداد، أكد الزعماء المتمردون السابقون أن الجيش العراقي يلاحق 650 عضوًا من أعضاء قوات مجالس الصحوة، وأن الكثير منهم فروا من المنطقة التي كانت تتسم بالعنف، ثم استعادت أمنها مرة أخرى. وبينما يبدو من الواضح أن تلك الإجراءات الصارمة تستهدف عددا صغيرا نسبيا من هؤلاء القادة والذين تعتبرهم الحكومة العراقية أنهم يشكلون خطرا داهما، تعالت العديد من الأصوات المؤثرة داخل الحكومة العراقية من أجل حل تلك القوات التي تحظى بالدعم الأميركي الكامل. وفي هذا الصدد يقول الشيخ جلال الدين الصغير ـ أحد الأعضاء الشيعة البارزين بالبرلمان العراقي: «إن الدولة لا يمكنها أن تقبل الصحوة، وأن أيامهم معدودة».

ويتزايد عداء الحكومة تجاه مجالس الصحوة ـ التي تشعر الحكومة بخطورة قوتها التي ربما توفر الأمن والحماية لمعاقل المسلحين السابقين الذين شنوا في يوم من الأيام هجمات ضارية على الأهداف الأميركية والعراقية. كما تبدّى أيضًا أن أعضاء مجالس الصحوة يرغبون في ترجمة نفوذهم والتنظيم الخاص بهم في شكل سلطة سياسية. إلا أن هذا الأمر يسبب شقاقًا داخل الجيش الأميركي، الذي يرى أن أي نقصان قد يطرأ على قوات الصحوة قد يؤدي إلى تجدد العنف مرة أخرى، وتعريض المكاسب الأمنية الكبيرة التي تحققت على مدار العام الماضي إلى الخطر. ويقول العميد دافيد بركينز ـ الناطق باسم الجيش الأميركي بالعراق: «إن لم تتم معالجة تلك المسألة بصورة مناسبة، فقد نواجه قضية أمنية، فأنتم لا تريدون إعطاء أي شخص سببا كافيا للعودة إلى القاعدة مرة أخرى».

ويشكو أعضاء مجالس الصحوة ـ بمرارة شديدة ـ من أن الحكومة العراقية متباطئة في الوفاء بوعودها بشأن توظيف مئات الألوف من قوات الصحوة داخل قوات الأمن. ويشير العميد بركينز الى أن 5200 فقط من أعضاء قوات الصحوة قد تم توظيفهم داخل القوات العراقية من إجمالي 100.000. ويوضح أبو معروف ـ الذي يقول عنه المسؤولون الأميركيون إنه كان من أقوى زعماء المسلحين في كتائب ثورة العشرين غرب بغداد ـ قائلا: «لقد شجعنا بعض الأفراد من الحكومة على القتال ضد القاعدة، إلا أنه يبدو الآن أنه بمجرد زوال القاعدة، لم يعودوا هم بحاجة إلينا، فكيف تقولون إننا لم يُغدر بنا». ويقول أبو معروف إنه فر إلى جنوب الفلوجة بعدما اكتشف أن اسمه مدرج ضمن القائمة التي تضم 650 عضوا من جيش الصحوة المطلوب القبض عليهم من قبل الجيش العراقي. هذا، ولم تكن الحكومة العراقية راضية أبدا عن استمرار الخطة الأميركية بشأن تمويل وتنظيم المتمردين السنة، حيث أكدت الخطة الأميركية أن تلك القوات ستكف عن القتال بمجرد تحقق أهداف الخطة باستقرار الأمن. ويقول العميد ناصر الحيطي ـ قائد لواء المثنى البالغ قوته 5000 جندي بالجيش العراقي الذي يتولى الحراسة والقيام بأعمال الدوريات غرب بغداد: «إن هؤلاء الأشخاص (أي أعضاء مجالس الصحوة) مثل السرطان، ويتعين علينا استئصالهم». وتابع ان قادة مجالس الصحوة متضمنون في قائمة الاعتقالات التي بحوزته. غير ان الكولونيل بنكرتون ـ القائد الأميركي السابق الذي كان يشرف على برنامج مجالس الصحوة ـ قال إن تلك القوات لعبت دورا بالغ الأهمية من أجل قمع العنف، كما أعرب عن ثقته في 3 من أهم قادة الجماعة ومنهم أبو معروف الذي يتعقبه في الوقت الحالي العميد ناصر. ويقول العميد ناصر إنه أمر قواته باعتقال أبو معروف ـ والذي كان أخوه الأكبر العقيد فيصل إسماعيل حسين أيضا من قادة المسلحين قبل أن يصبح رئيس شرطة الفلوجة. ويتابع العميد ناصر مؤكدا أنه أمر أيضا باعتقال أبو عزام وأبو زكريا ـ الأخوان اللذان قادا الجيش الإسلامي بالعراق، واللذان أثنا عليهما أيضا الكولونيل بنكرتون وباقي القادة الأميركيين العام الماضي لإحلالهم السلام بصورة نسبية في معاقل التمرد غرب بغداد. ويقول العميد إنه تلقى تلك الأوامر من مركز عمليات الجيش ببغداد، والتي يقول إنها تلقت بدورها تلك الأوامر من السلطات القضائية العراقية. واعترف أن هؤلاء المحاربين من الممكن أن يقوموا بحمل السلاح مرة أخرى مثلهم مثل «مدمن المخدرات الذي يقلع عن الإدمان ليعود إليه من جديد». وأكد على أن عملية المصالحة مستحيلة، وأنه قد يستقيل قبل أن يأتي عليه اليوم الذي يعمل فيه مع المتمردين السابقين المخضبة أيديهم بالدماء. حيث يوضح «لقد ارتكبوا جرائم وهاجموا الجيشين العراقي والأميركي، وليس هناك سبيل لإصلاحهم».

غير ان الجنرال بركينز يقول إن المسؤولين الأميركيين والعراقيين اتفقوا بصورة غير نهائية على نقل 58.000 من قوات الصحوة هذا العام إلى القوات الحكومية العراقية ليكونوا تحت قيادة مركز العمليات ببغداد، والذي يقدم تقاريره إلى رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي. ومع ذلك يشير إلى أن ذلك الانتقال لن يتم حتى يصار الى حل بعض القضايا والأمور الهامة، مثل التدقيق في سيرة رجال الميليشيات، وأي نوع من الوظائف وبرامج التدريب الذي سينضمون إليها. ورغم التهديدات بالاعتقال التي أطلقها العميد ناصر إذا عاد إلى قريته في غرب بغداد، قال أبو عزام قائد قوات الصحوة في أبو غريب والفلوجة إنه قادر على الذهاب إلى بغداد للقاء مساعدين للمالكي من أجل إمكانية توصل الحكومة التي يسيطر عليها الشيعة والمجموعات السنية المقاتلة إلى مصالحة. ويضيف «لقد عمل رجالنا بجد وهم يستحقون التقدير وليس العقاب من الحكومة»، ووصف المحادثات بأنها «لا تتقدم بصورة جيدة» على الرغم من أنه قال إن مساعدي المالكي يرغبون في نهج مسار أكثر تصالحا، وأن كل شيء متوقف»، وأنه يخشى انسحاب القوات الأميركية التي يرى أنها تكبح جماح الحكومة الشيعية من اتخاذ خطوات أشد ضراوة ضد قوات الصحوة فيقول: إن «القوات الأميركية هي الوحيدة التي لا تطلب منا مقاتلة حكومة المالكي».

وكجزء من جهود قوات الصحوة للتحول نحو تشكيل حركة سياسية، نظم أبو عزام قائمة للانتخابات المحلية القادمة، ويقول إنه تخلى عن العنف من أجل الخير للعراق.

وهو متفائل بشأن عدم عودة بعض المقاتلين السابقين إلى السلاح إذا رفضت الحكومة منحهم وظائف، غير أنه اعترف أن «بعضا منهم سيحاربون الحكومة إذا لم يتم ضمهم إلى القوات الأمنية».

* خدمة «نيويورك تايمز»