معتقل بوكا.. مدينة كبيرة سكانها من المعتقلين بلباس أصفر موحد ويؤوي 16500 سجينا

«الشرق الأوسط» أول صحيفة عربية تدخل معتقل بوكا الأميركي (1)

مدخل معسكر بوكا («الشرق الأوسط»)
TT

معتقل بوكا، أو كما بدا لنا من السماء (مدينة كبيرة وسط الصحراء) واستخدام الأضواء الكاشفة الكبيرة يجعل من جميع أبنية وأسيجة وبوابات وجدران وأسوار بوكا الخارجية، التي تقف فوق مرتفع ترابي يحيط بالمعتقل واضحة.

ويبدو المعتقل من أكثر معتقلات العالم تشددا، بحسب كلام احد الضباط الأميركيين، الذي رافقنا في رحلة الذهاب إلى بوكا البالغة الصعوبة، فقد استغرقت ورغم إمكانات القوات الأميركية مدة يومين ذهابا ومثلها للعودة، لكنها مهمة تستحق العناء، كما قالها الكابتن كرين الذي اشرف على برنامج الزيارة، وقال «انك أول صحافي عراقي يدخل هذا المعتقل، وأيضا لم تطلع أي وسيلة أعلام، بما في ذلك المرافقة للقوات الأميركية على بعض تفاصيل السجن، لكننا تعمدنا اطلاعكم على السجن لعدة أسباب، منها أن العراقيين يظنون أن من يدخل هذا السجن كمعتقل سيدخل في دوامة المجهول، ولا أمل في عودته أو إطلاق سراحه، وأيضا انه مكان للتعذيب والعقاب، والأهم من ذلك يجب أن تطلعوا عليه لأننا غير باقين في هذا المعتقل، ولا حتى في العراق، وسيأتي اليوم الذي سيكون تحت الإدارة العراقية وهذا ما بدأنا نخطط له منذ مدة».

قبل تجوالنا في بوكا، كان علينا توقيع ثلاث أوراق تحتوي على تعليمات وشروط يجب التقيد بها وأدرجت فيها نقطتان انتبهنا لهما، كان يسمح فيهما بإجراء حوار مع السجناء، لكن من دون تصويرهم أو نشر أسمائهم وعند عرضها على الضباط فانهم أصروا على عدم السماح لنا بهذه الأمور، بحجة أنها تعليمات اتفاقية جنيف ومجلس الأمن وحقوق الإنسان. الكولونيل كلاسر، مسؤول المعتقل، بين وخلال التنقل بين مرافق المعتقل، الذي قضينا فيه مدة ثماني ساعات تقريبا، ولم نتمكن من تغطية سوى 25% من مساحته الكبيرة والمقسمة إلى قطاعات كل قطاع تبلغ مساحته ميل مربع، أن بوكا يبعد عن الحدود الكويتية 800 متر فقط، وعن ميناء أم قصر كيلومترين، وعن مدينة صفوان 10 كيلومترات، واغلب العاملين في المعتقل من العراقيين بين عمال ومعلمين وجنود وحراسات وعمال خدمات واغلبهم من سكان البصرة، وعددهم كبير جدا وهناك قسم خاص بالمعتقلين الأخطر، وهناك مساحة كبيرة لكل معتقل فكل مجموعة خيام فيها ساحة لتجوالهم عدا السجون الانفرادية، فهي صغيرة ولا تتجاوز المتر ونصف متر مربع. واضاف «نعزل الخطرين حفاظا على سلامة الآخرين، وأيضا ليكونوا تحت مراقبة الحراس عن قرب، لأننا وجدناهم، أي المعتقلين، يملكون سيطرة كبيرة على غيرهم»، مؤكدا أن معتقل بوكا بجميع أقسامه يخلو تماما من أي نساء معتقلات أو أحداث فجميعهم من الذكور وفوق سن 18، وجميعهم يرتدون اللباس الأصفر الموحد ويسكنون قاعات مختلفة، بعضها للسنة، وهم بحسب الضابط الأغلب فيشكلون 86% والبقية من الشيعة، وعزل بعضهم عن بعض وبخاصة المتشددين أو التكفيريين، الذين خصص لهم قسم خاص مضاعف الحراسة وقاعات للحبس الانفرادي، كونهم يؤثرون أو يسيطرون على غيرهم بسهولة. الجميع بحسب كلام كلاسر «يفكر بنفس تفكير الممثل الأميركي كلينت ايستوود عندما حاول الهرب من سجن الصخرة، فترى المعتقلين يتابعون حركات الحراس وأوقات تغيير النوبات، وهم في انتظار أي فرصة، لكن محاولات الهرب نادرة جدا في بوكا، ولم تنجح واحدة منها خلال مدة عملي هنا، وقد يحاول البعض منهم حفر نفق، لكن الذي يعيقهم أن سجن بوكا داخل منخفض ارضي وبعد حفر متر أو متر ونصف المتر تظهر مياه جوفية وهو عائق طبيعي، وحولنا أكثر من 3 آلاف مزرعة محيطة ببوكا اغلبها تعتمد على المياه الجوفية». أكثر من 3000 زائر أسبوعيا هو الرقم الذي يستقبله بوكا من المدنيين القادمين من مختلف أنحاء العراق لزيارة ذويهم، كما قدمت عوائل من بعض الدول العربية والأجنبية لذات الغرض، لكنها وبحسب كلاسر «زيارات قليلة جدا بسبب الأوضاع الأمنية، التي تسود بعض مدن العراق بين الحين والآخر، مضيفا أن الجهة التي تقوم بتنسيق اللقاءات هي الصليب الأحمر الدولي حصرا، ونشمل بالزيارة الزوجات والإخوان والآباء والأبناء أي الأقارب من الدرجة الأولى، ولا نسمح بالدرجات الأخرى، كأن يكون ابن العم أو ابن الأخت وهكذا، كما يقوم الصليب الأحمر بتوزيع مبالغ نقدية على العوائل، بحسب بعد مدنهم وتبدأ من 50 دولارا للمحافظات القريبة وتنتهي بـ150 دولارا، كما نقوم نحن وأيضا نفس المعتقلين بإبلاغ عوائلهم بالمعاملة التي يلاقونها داخل المعتقل من قبل الجيش الأميركي، فمثلا عندما نشعر بأن معتقلا يهدد من قبل معتقل آخر نقوم بإبلاغ شركائنا العراقيين لنقل المعتقل المشاغب لمكان آخر يكون أكثر تشددا من حيث الإجراءات الأمنية، لنكفل حماية المعتقلين المعتدلين، ومهمتنا الأساسية هي حماية الجميع من دون استثناء، ونحاول أن نعطي صورة حقيقية لما يحدث في بوكا بعكس ما هو شائع عنه.

معلومة في غاية الأهمية تطرق لها الضابط كلاسر، تبين في ما بعد وعند لقاء «الشرق الأوسط» بالعوائل أنها معلومة بعيدة عن واقع المعتقلين، اذ قال «إن اغلب المعتقلين يقضون في بوكا فترة تتراوح ما بين الـ6 أشهر إلى سنة واحدة، وان عدد الملقى القبض عليهم خلال الأشهر الثمانية الماضية بلغ 6 آلاف معتقل من جميع أنحاء العراق، وقبل تحويلهم إلى بوكا تتم دراسة ملفاتهم، فإذا كان المعتقل يشكل خطرا على الأمن العراقي أو قوات التحالف ينقل لبوكا، أما إذا كان العكس فيتم إطلاق سراحه من قبل الوحدة التي ألقت القبض عليه أو بعد تحويله لمعتقل غير بوكا، وعدد المعتقلين الكلي الآن في بوكا يبلغ 16500 معتقل، بينهم 200 معتقل غير عراقي، ومن 29 بلدا عربيا وأجنبيا، بينها الأردن وسورية ومصر والسعودية ودول افريقية وآسيوية، وهناك 884 معتقلا يعملون داخل المعتقل، بينهم معلمون وحلاقون وعمال مطاعم ومنسقون للرياضة ونجارون ونقوم بإعطائهم أموالا مقابل عملهم».

الكولونيل سيبس، الذي يقوم بإدخال العوائل إلى داخل السجن بين «أننا نستقبل العوائل على شكل دفعات بما مجموعه 3000 عائلة في كل أسبوع وتستمر اللقاءات طيلة أيام الأسبوع، ونقوم بإجلاسهم في قاعات كبيرة مبردة للتأكد من هوياتهم وتزويدهم ببعض الاحتياجات، مثل الماء والأطعمة الجاهزة، بعدها نقوم بنقل كل دفعة بسيارات خاصة إلى داخل المعتقل أو بدايته، حيث يجلب من داخل السجن المعتقلون وندخلهم في نقطة اللقاء ونسمح لهم بساعة واحدة لنفسح المجال للآخرين بزيارة ذويهم أيضا، وبدأنا بهذه الآلية منذ نهاية عام 2003»، مؤكدا «أننا نتعامل في هذا الأمر أي السماح بزيارة العوائل بمساواة فلا يوجد استثناء، الكل مسموح له برؤية أهله، فهي حق للجميع، ولا ننظر لهذا على انه تكفيري أو ذاك إرهابي قاتل وغيرها من الأمور، وحتى عند زيارة عوائل عربية، كما حدث مؤخرا عند قدوم عدة عوائل من العربية السعودية، تمت معاملتها ذات المعاملة وقابلت معتقليها بكل سهولة». وكان هناك نحو الفي مواطن في قاعة واحدة، بينهم نساء ورجال وأطفال وكبار سن، جاءوا لزيارة ذويهم. «الشرق الأوسط» فضلت إجراء الحوار مع عوائل لديها معتقلون في بوكا لفترات طويلة أي أكثر من عام فنهض أكثر من 20 مواطنا احدهم يقول «إن ابني في بوكا لما يقرب من أربعة أعوام». وأخرى تؤكد انها تزور زوجها منذ أكثر من ثلاثة أعوام، ومنهم شقيق العقيد علي عبد مهدي، الذي اعتقل من قبل القوات الأميركية وبين أن أخاه كان مدير قوة حماية داخل وزارة النقل وتبع وزارة الداخلية وسمعته جيدة داخل مكان عمله، ويجيد عدة لغات وان اخاه متزوج من اثنتين ولديه 11 طفلا، ومعتقل منذ سنتين»، وعند لقائي به ابلغنا أن اللجنة القانونية الأميركية بينت له انه غير متهم فقط احتجازه امني وقريبا سيطلق سراحه وأعطوه أمر إطلاق السراح، لكنهم عادوا لإلغائه من دون ذكر الأسباب له، وكل ستة أشهر يعرضونه على اللجنة القانونية، رغم انه الآن يعمل داخل السجن مدرسا للغة العربية والإسلامية واللغات فهو متعاون جدا، لكن الأميركيين لا يطلقون سراحه، بحجة أن هناك مخبرا سريا في منطقتنا يقول لهم معلومات تجعلهم يؤخرون الإفراج عنه. ويضيف «قد يكون هذا المخبر السري يكره أخي فكيف تعتمدون على كلامه لماذا لا تعتمدون على الأدلة فلا توجد ضده أدله تدينه». عماد نايف إسماعيل مواطن آخر من مدينة تلعفر، بين أن أخاه معتقل منذ ما يقارب الـ 3 سنوات. مواطنة أخرى قالت إن زوجها اعتقل عام 2004 وحتى الآن بتهمة انه خطر على القوات الأميركية، وعملت له أكثر من 10 كفالات ولم يطلق سراحه، وأكدت انه عرض مرتين فقط على اللجان، أول مرة بعد سنتين من تاريخ اعتقاله وتضيف «زوجي وجدوا معه قطعتين من السلاح واتهم بالإرهاب، ولم يقدم احد شكوى ضده وهو خريج كلية الآداب ويعمل حارسا في جامعة بغداد، وتعرضت دورية أميركية لحادث فاعتقلوني مع زوجي أنا خرجت فورا وبقي زوجي ، والان حتى أهلي لا يعلمون بمجيئي للسجن لزيارة زوجي وليس لدي معيل حاليا». صبحة محمد علي مواطنة أخرى أكدت أن اثنين من أبنائها الآن في بوكا «احدهما معوق برجل واحدة واتهموهما بالإرهاب، وهما معتقلان منذ أكثر من ثلاث سنوات، والقي القبض عليهما قرب بيتنا في الموصل». أم إبراهيم وبارق من سكان قضاء عانة التابع لمحافظة الانبار تقول «اعتقلا من البيت رغم عدم وجود أي سلاح لدينا، حتى بناتنا تعرضن للضرب عند الاعتقال».