ميكانيكيو جدة يتحولون من تصليح السيارات إلى تعديل المزاج

انتشار ظاهرة زحف المقاهي على الورش الصناعية

ورش تحولت بالفعل إلى مقاه («الشرق الأوسط»)
TT

تحول عمال ورش الصيانة في المنطقة الصناعية شمال مدينة جدة، من متخصصين في الأعمال الميكانيكية وأعطال السيارات إلى نادلين ومعدلي مزاجات رواد المقاهي المنتشرة بشكل كبير في تلك المنطقة، في خطوة أرجعوها إلى ضعف الأجر المادي في الورش، وارتفاعه في المقابل في المقاهي ضاربين بصنعتهم عرض الحائط. عبد الله السالم، تجاوز العقد الرابع من عمره كان يصحو يوميا عند السادسة ويتوجه الى مقر الورشة التي يعمل بها ويبدأ في استخدام ادواته ومعدات عمله الثقيلة الخاصة بسمكرة السيارات، محاكيا اصوات القرع والضرب المزعجة، وبين روائح الدهان ومزيج المواد البترولية المستخدمة، يمسح عرقه تارة ويغسله بالماء تارة اخرى مستمرا في ذلك العمل ابان زمهرير الشتاء وحتى حرارة الصيف ليحصل في نهايه الشهر على راتب لا يتجاوز الالف ريال. لكنه الان، عكس موازين حياته، بعد ان تحول من صنعته تلك التي خبرها على مدى سنوات طويلة الى نادل أو «قهوجي» لخدمة رواد المقاهي التي تنتشر في نفس المكان، بل واصبح انتشار تلك المقاهي يمثل ظاهرة محيرة لسكان جدة، فقد بدأ زحف المقاهي على الورش بشكل ظاهر خلال السنوات الاخيرة لعدة اسباب اهمها العائد المجزي من المقاهي.

ولا يزال عبد الله السالم يذهب في منتصف النهار الى المقهى يشعل النار ويرصها على رؤوس الارجيلات ويوزع المشروبات على الزبائن الى منتصف الليل، يظل يتنقل بين الجلسات المتجهة نحو شاشات التلفزيون يوزع المشروبات في خفة يحسده عليها الحديد الذي انفك من أسر مهنته بل وزاد دخله خمسة اضعاف راتبه السابق.

ظاهرة انتشار المقاهي في المنطقة الصناعية شمال مدينة جدة والمحاذية لشبك المطار، ليست وليدة اللحظة ولكن الجديد في الموضوع العدد الكبير من مرتادي تلك المقاهي خصوصا في ساعات الليل وانتشار ظاهرة تدخين الشيشة بين الشباب، وهو ما يشكل خطرا صحيا ابانه الدكتور محمود المصري استشاري الباطنية بقوله «اثبتت الدراسات التي قام بها بعض الباحثين بجامعة الملك عبد العزيز بجدة أن الشيشة أكثر ضرراً من التدخين وان مادة الجراك التي يدمن الكثير على تدخينها تحتوي على كمية كبيرة من التبغ والقطران، بالإضافة إلى بعض المواد المطبوخة والمخمرة ومواد كيميائية وهي مادة ذات رائحة طيارة، وأصباغ ونكهات معينة لم تعرف بشكل دقيق، كما أنها غير مصرح بها من وزارة التجارة والصناعة». واثبتت الدراسات أن كمية التبغ الموجودة في رأس الشيشة أكثر بحوالي 20 - 30 مرة مما يوجد في السيجارة الواحدة. كما أن دوران الماء الموجود فيها يزيد من كمية استنشاق أول اكسيد الكربون السام. وإذا أدمن الإنسان على تدخين الجراك والمعسل فربما يصاب بمرض انتفاخ الرئة ويسمى الامفزيم والذي يعد من أشد أمراض الجهاز التنفسي فتكاً بالإنسان، حيث يتسبب في انتفاخ الحويصلات الهوائية وربما تدميرها. ويسبب هذا المرض نقص الاوكسجين في الدم، وزيادة نسبة ثاني اكسيد الكربون. كما أن الشخص المصاب بمرض الامفزيم لا يستطيع المشي بشكل عادي، ويركض داخليا إلى الموت السريع. ويزيد تدخين الشيشة من احتمال الإصابة بأمراض القلب وتصلب الشرايين، والأمراض التنفسية، بالإضافة إلى ارتفاع مستوى الكولسترول الضار في الدم. كما أن زيادة تدخين الشيشة تزيد من ارتفاع نسبة الحموضة في المعدة. من جهة اخرى شكا سعيد الزهراني احد سكان حي الصناعية تجاهل امانة جدة العديد من الشكاوى التي تقدموا بها حول ظاهرة تحويل الورش الى مقاه، وأضاف قائلا «قدمت انا وسكان الحي الى الامانة لمواجهة ظاهرة كثرة فتح المقاهي حول السكن الخاص، حيث تحولت ورش السيارات الى مقاه وانتشار المقاهي بشكل كبير، بالإضافة إلى كثرة المحلات التي تبيع الجراك والمعسل والفحم في كل مكان وتحتاج إلى تنظيم معين من خلال الجهات المسؤولة». يذكر ان إحدى الدراسات اثبتت أن المعسـل هو عبارة عن تبغ خالص، مع كميات كبيرة من الأصباغ والألوان والنكهات التي تخلط من غير أي رقابة صحية، وثبت أنها تسبب مختلف الأمراض والسرطانات، ويحتوي الجراك على 15 في المائة من التبغ الذي يخلط ببعض العسل والفواكه والمضافات الكيمائية التي تطبخ وتخمر.