واشنطن تعيد 200 مقاتل أجنبي إلى أوطانهم

ضباط الاستخبارات الأجنبية استجوبوا المسلحين في العراق وأفغانستان قبل ترحيلهم

TT

صرح مسؤولون أميركيون بأن المؤسسة العسكرية الأميركية قامت سراً بتسليم ما يزيد على 200 مسلح إلى وكالات الاستخبارات الخاصة بكل من السعودية ومصر ودول أخرى، وذلك على مدار العامين السابقين، في إطار الجهود الرامية للتخفيف من أعباء الاحتجاز والتحقيق مع المقاتلين الأجانب الذين تم أسرهم في العراق وأفغانستان. ويشبه هذا النظام في بعض جوانبه برنامج «التسليم» الذي تستخدمه وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية منذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول). ويقوم البرنامج على فكرة نقل الأشخاص المشتبه في كونهم عناصر مسلحة إلى بلدانهم الأصلية كي يتم احتجازهم والتحقيق معهم هناك. إلا أن هناك اختلافات كبيرة بين البرنامجين، حيث أوضح المسؤولون العسكريون أن السجناء بمقدورهم إعاقة نقلهم إلى بلادهم الأصلية. من ناحية أخرى، أكد برنارد باريت، المتحدث الرسمي باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أن المنظمة تعقد لقاءات مع جميع المحتجزين قبل ترحيلهم إلى أوطانهم. واعترف المسؤولون العسكريون بأن الكثير من هؤلاء المسلحين يتم احتجازهم في البداية دون إخطار منظمة الصليب الأحمر لفترات تمتد إلى عدة أسابيع في بعض الأحيان داخل معسكر سري بالعراق وآخر في أفغانستان تديرهما قوات العمليات الخاصة الأميركية. وأضافوا أن ضباط الاستخبارات الأجنبية تم السماح لهم بالدخول إلى هذين المعسكرين لاستجواب المسلحين هناك، كخطوة سابقة لترحيلهم. وفي إطار اللقاءات التي أجريت معهم، أشار مسؤولو المؤسسة العسكرية إلى أن إجراءات الترحيل تأتي في إطار الجهود الأميركية للتوصل إلى سيبل أفضل لاحتجاز والتحقيق مع العناصر المسلحة. من المعروف أن السجن العسكري الأميركي في غوانتانامو بكوبا والسجون السرية التي تديرها وكالة الاستخبارات المركزية بالخارج أثارت الكثير من الانتقادات. كما أعرب البعض عن قلقهم إزاء استغلال السجون العراقية والأفغانية، وأثار آخرون التساؤلات حول ما إذا كان ينبغي أن تضطلع هذه المنشآت بأي دور في المستقبل في احتجاز الإرهابيين المشتبه فيهم. وسعياً لتبرير التوجه الجديد، قال المسؤولون الأميركيون إن المهارات اللغوية ومعرفة الخلفية الثقافية في معظم الحالات تجعل السعوديين والمصريين وآخرين مؤهلين بشكل أفضل لاستجواب الإرهابيين المشتبه فيهم، والتحرك بناءً على أي استخبارات يقدمها المشتبه فيهم بشأن الشبكات المسلحة داخل بلادهم. وقد جرى شرح هذه الجهود في إطار لقاءات أجريت على امتداد الأسابيع الستة السابقة مع ما يزيد على اثني عشر مسؤولاً عسكرياً أميركياً حاليا وسابقا، طلب بعضهم عدم الكشف عن هويته. وخلافا للحال في أفغانستان، حيث تم إرسال الكثير من السجناء الذين ألقت القوات الأميركية القبض عليهم إلى معسكر غوانتانامو خلال السنوات الخمس الأولى بعد وقوع هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، لم يتم قط إرسال أي من السجناء الذين ألقى الجنود الأميركيون القبض عليهم في العراق إلى مركز الاعتقال الأميركية القائمة خارج العراق. وأوضح المسؤولون العسكريون الأميركيون أن إجراءات النقل تطلبت الحصول على تأكيدات برعاية المحتجزين، لكنهم لم يحددوا تفاصيل هذه التأكيدات. من ناحيتهم، شكك أنصار حقوق الإنسان في إمكانية التحقق من الالتزام بهذه التأكيدات. وقال المسؤولون العسكريون إن قواعد البنتاغون تسمح باحتجاز المسلحين بموقعين يتبعان قوات العمليات الخاصة الأميركية بمدينتي بلد العراقية وباغرام الأفغانية، لمدة تصل إلى أسبوعين، مع إمكانية تمديد الفترة بناءً على موافقة وزير الدفاع روبرت غيتس أو من يمثله. واستطرد المسؤولون موضحين أن ما يتراوح بين 30 و40 سجينا أجنبيا محتجزون داخل معسكر الاحتجاز العراقي. بيد أن المسؤولين لم يعلنوا التقديرات المرتبطة بالمعسكر الأفغاني، واكتفوا بالتلميح إلى أن العدد هناك أقل. جدير بالذكر أن ضباط الاستخبارات السعودية والمصرية تم السماح لهم بالتحقيق مع المسلحين المحتجزين بهذين المعسكرين، لكن المسؤولين الأميركيين قالوا إن المحققين الأجانب الذين يعملون داخل المعسكرات الأميركية يخضعون لرقابة الجنود الأميركيين، ويتحتم عليهم الالتزام بالقواعد الأميركية. وشدد المسؤولون على أنه يجري توخي الحرص في تنظيم القيود المفروضة على أساليب التحقيق وفترة الاحتجاز السري. وتأتي هذه القيود استجابة للمشكلات التي ظهرت بنظام «التسليم» العسكري الأميركي، بما في ذلك الانتهاكات التي وقعت بسجن أبو غريب في العراق والموقع الخاضع لإدارة قوات العمليات الخاصة الأميركية في بلد بالعراق، والتي تم الكشف عنها بدءا من عام 2004. وحسبما ورد على لسان المسؤولين، فإن المسجونين الذين تم ترحيلهم تم إرسالهم إلى أوطانهم فقط بعد ضمهم إلى مجمل المحتجزين داخل السجون التي تديرها واشنطن، وهي خطوة تعني أنه تم إخطار الصليب الأحمر بأسمائهم. وقدر المسؤولون أنه بصورة إجمالية تم نقل 214 شخصا تم القبض عليهم في العراق واثنين آخرين على الأقل قُبض عليهما داخل أفغانستان إلى منشآت احتجاز ببلادهم الأصلية على امتداد السنوات الأربع الماضية. وفي الوقت الذي ساعدت الحكومة العراقية في تيسير بعض إجراءات الترحيل تلك، فإن هذه الإجراءات لم تخضع لموافقة أي من الحكومتين العراقية أو الأفغانية. من ناحيته، أعرب هنر إيه. كرمبتون، الذي كان من كبار المسؤولين المعنيين بمكافحة الإرهاب لدى وزارة الخارجية عام 2006، عن اعتقاده بأن قرار البدء في ترحيل المحتجزين نجم عن «إدراك أن غوانتانامو كانت خطأً استراتيجياً» وأضاف: «خلال مناقشاتنا، اتفقنا جميعاً على أن غوانتانامو لا تحرز نجاحاً لعدة أسباب وأن السبيل الأيسر للمضي قدماً هو أنه عندما تقوم بأسر مقاتلين أجانب ترسلهم على أوطانهم». من جهته، أعلن الميجور نيل في. فيشر، المتحدث الرسمي باسم قوة العمل 134، وهي الوحدة الأميركية المسؤولة عن عمليات الاحتجاز في العراق، أن المؤسسة العسكرية الأميركية تحتجز حالياً ما يقرب من 170 سجينا أجنبيا في العراق، بعد أن كان العدد حوالي 465 سجيناً في ديسمبر (كانون الأول) عام 2005. وهم ما يزيد على 30 مصرياً و20 سورياً و20 أردنياً و10 يمنيين و10 سعوديين و10 ليبيين. علاوة على هذه الأعداد، تحتجز الحكومة العراقية 426 أجنبياً، معظمهم من المقاتلين، داخل سجونها. ويقول المسؤولون الأميركيون إن بعض المقاتلين الأجانب تمت إدانتهم من قبل المحاكم العراقية وأُعدموا. من جانبهم، لم يفصح مسؤولو البنتاغون عن إجمالي عدد المحتجزين داخل المعسكرات الخاضعة لإدارة قوات العمليات الخاصة، أو عدد المحتجزين طبقاً للقواعد التي تسمح بتمديد فترة الاحتجاز السري إلى ما وراء أسبوعين. كما رفض مسؤولو وزارة الدفاع الأميركية الحديث بالتفصيل عن التحقيقات التي أجريت داخل معسكرات الاحتجاز العسكرية على يد ممثلين عن وكالات استخبارات أجنبية. من جهته، قال متحدث رسمي باسم الوزارة إن جميع المحققين الأجانب الذين سُمح لهم بالدخول إلى مواقع قوات العمليات الخاصة خضعوا «لرقابة مسؤولين بوزارة الدفاع، وتحتم توافق سلوكهم مع سياسة الوزارة»، خاصة الإرشادات الميدانية الصادرة عن الجيش الأميركي التي تحظر استخدام أساليب تحقيق قسرية.

من ناحية أخرى، صرح العميد البحري جريجوري جيه. سميث، المتحدث الرسمي باسم القيادة المركزية الأميركية، بأن: «الولايات المتحدة تطلعت بشدة نحو فرص لترحيل المحتجزين. وقد أحرزنا نجاحاً كبيراً في الدول التي نعلم أن بها برامج إعادة تأهيل للمحتجزين، مثل السعودية». من جانبهم سعى السعوديون لاستغلال سجونهم في تحويل العناصر المسلحة إلى سفراء مناهضين للفكر المتطرف، وهو برنامج أشاد به المسؤولون الأميركيون. على الجانب الآخر، صرح مسؤول سعودي بأن: «الوضع الحالي هو أن الولايات المتحدة تود ترحيل جميع المحتجزين السعوديين إلى السعودية لأن السعوديين يعلمون كيفية التعامل معهم». أما سميث فقد أوضح أن نظام الترحيل الراهن يعتمد على سلسلة من الاتفاقات الثنائية توصلت إليها واشنطن مع الدول المشاركة بالنظام. وأضاف أن واشنطن تشترط تلقي تأكيدات من كل دولة بان السجناء ستتم معاملتهم بصورة إنسانية، وأنه لن يتم إطلاق سراحهم ببساطة. في المقابل، حذر كريستوف ويلك، الذي يجري أبحاثاً بشأن أنظمة السجون في دول الشرق الأوسط لحساب منظمة «هيومان رايتس ووتش»، من أن المنظمات الدولية لا يتوافر لديها سوى قدر ضئيل للغاية من المعلومات حول أسلوب معاملة المحتجزين داخل السجون التي تديرها الاستخبارات السعودية، الأمر الذي يرجع جزئياً إلى أن الصليب الأحمر لم يُسمح لها بالعمل داخل المملكة. وأكد أنه: «عندما يتعلق الأمر بإعادة الأفراد إلى أوطانهم، ليس أمامنا سبيل للتعرف على أحوالهم هناك» ونوه المسؤولون الأميركيون الحاليون والسابقون الذين عقدنا معهم لقاءات من أجل هذا المقال بأن إدارة بوش قررت عام 2006 البدء في إقرار خفض مستمر في أعداد المقاتلين الأجانب المحتجزين داخل منشآت الاحتجاز العسكرية. وجاء هذا القرار بناءً على عدة عوامل، حسبما أوضح المسؤولون، أولها: تنامي الإدراك بأن منشأة الاحتجاز في غوانتانامو تلحق أضراراً من المتعذر إصلاحها بصورة واشنطن في الخارج، بل وربما تشكل عامل حفز لانتشار التوجهات الإسلامية الراديكالية. ثانياً: شهد عام 2006 صدور قرار من المحكمة العليا قضى بوقف خطط إدارة بوش لمحاكمة محتجزي غوانتانامو أمام محكمة عسكرية. ثالثاً: تصاعدت الضغوط في ذلك الوقت من أجل إخلاء السجون التي تديرها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وتقليص دور الوكالة في احتجاز والتحقيق مع الإرهابيين المشتبه فيهم. جدير بالذكر أنه في سبتمبر (أيلول) 2006، أصدر الرئيس بوش أوامره بنقل 14 سجينا من قادة القاعدة كانوا آنذاك في مركز احتجاز تابع لوكالة الاستخبارات المركزية إلى غوانتانامو.

* خدمة «نيويورك تايمز»