التذكير بسنوات عهد كلينتون لإقناع المترددين بالتصويت لأوباما

الوضع الاقتصادي وإعادة ترميم الحلم الأميركي محور مؤتمر الحزب الديمقراطي

TT

وسط ضجيج شوارع مدينة تعج بالزوار والمتظاهرين، ورجال الشرطة، يشق رجل أعرج، يتكئ على عصا، طريقه بصعوبة بين الجموع المتحمسة والاكشاك التي تملأ الأرصفة بالقرب من مركز المؤتمرات في وسط دنفر. يجد زاوية آمنة، يقف فيها متمسكا بعصاه، يمد يده للمارة. كان يرتدي بنطالا عتيقا وقميصا باهت اللون.

مايك، الذي لا يتعدى الأربعين عاما، أصيب منذ عامين بمرض تصلب الأنسجة المتعدد ((MS، وهو مرض مزمن يضرب الجهاز العصبي. ترك عمله عندما أصيب بالمرض لأنه عجز عن المشي في الفترة الأولى. كان عليه أن يتعلم المشي من جديد، لوحده. قال إنه قضى عاما كاملا يتعلم المشي، وإن شقيقيه لم يتحملا رؤيته يكافح المرض، فتركاه. اليوم يعيش حياة المشردين، يأخذ الدواء عندما يتوفر له من جمعية خيرية أو الكنيسة التي ينتمي اليها، لأن لا يملك ضمانا صحيا بعد أن فقد عمله. نظراته تحمل الكثير من الحزن والألم ولكنها نظرات ذكية ومركزة. وعندما يتحدث مايك لا يتلعثم أو يتردد أو يجيب اجابات غريبة وغير ذات معنى، كباقي المشردين. قال إنه كان سينتخب هيلاري كلينتون لو أنها فازت بترشيح حزبها لأن «عهد بيل كلينتون كان جيدا. كان الوضع الاقتصادي جيدا... ولو كانت هيلاري المرشحة لكنت انتخبتها».

مايك ليس وحده الذي يتحدث عن حنينه لسنوات حكم بيل كلينتون، فالأميركيون غالبا ما يتذكرون سنوات بيل الثماني التي قضاها في البيت الأبيض، على انها سنوات ازدهار، مقارنة بسنوات جورج بوش الإبن. قد يفسر هذا الأمر سبب استعادة عهد الرئيس السابق خلال مؤتمر الحزب الديمقراطي لجهة الازهاد الاقتصادي وانخفاض معدل البطالة، وربطها بعهد مرشح ديمقراطي جديد، عهد باراك أوباما.

فهيلاري كلينتون، التي تحدثت في الليلة الثانية للمؤتمر، ذكرت بسنوات زوجها المزدهرة. وقارنتها بعهد الرئيس جورج بوش وفقدان الوظائف وغلاء الأسعار وعدم قدرة الأميركيين على تأمين ضمان صحي... ثم عادت وذكرت الأميركيين بأن سنوات الرخاء في عهد كلينتون يمكن استعادتها عبر انتخاب باراك أوباما.

وفي الليلة الثالثة، عندما تحدث جو بايدن، السيناتور الذي اختاره اوباما للترشح معه كنائب للرئيس، قال إن بيل كلينتون هو رئيس جعل الولايات المتحدة تتقدم بشكل كبير، لدرجة أنه يصلي لإعادة تحقيق الأمر نفسه. وتحدث عن الأزمة الاقتصادية التي تخنق الأميركيين منتقدا في الوقت ذاته مواقف المرشح الجمهوري جون ماكين. وأصبح الموضوع الاقتصادي أساسيا بعد اليوم الاول لانطلاق المؤتمر، كوسيلة لإقناع الناخبين المترددين بالتصويت للمرشح الديمقراطي. ولم توفر ميشيل اوباما هي أيضا جهدا أو وقتا في التحدث إلى الناخبين وامتداح هيلاري كلينتون والإثناء على خطابها الذي كانت القته قبل ليلة. فصباح اليوم الثالث للمؤتمر الحزب، ظهرت ميشيل في لقاء للأميركيين من أصول لاتينية نظمها الحزب الديمقراطي، داخل مركز المؤتمرات في دنفر. وعلى الرغم من أن اللقاء كان مفتوحا للعموم، إلا انه لم يكن مكتظا. ومع ذلك، فقد تحدثت إلى الحاضرين لما يزيد عن العشرين دقيقة، عن المشاكل التعليمية والصحية والاقتصادية التي تواجههم، وتواصلت معهم عبر القصص الانسانية والحديث عن بناتها وأملها بتأمين مستبقل أفضل لهن، ولكل الأطفال. وبعد نصف ساعة، عادت ميشيل وظهرت في تجمع ثان في المبنى نفسه للأميركيين الافارقة نظمه الحزب الديمقراطي، أعادت تقريبا الكلام نفسه، أو على الاقل الافكار ذاتها، مركزة على الوضع الاقتصادي السيئ وضرورة ترميمه. ورد فعل الحضور كان كافيا للتأكيد ان الحديث عن الاقتصاد قد يكون الجسر لاعادة ضم «المتمردين» من فريق كلينتون الى كنف الحزب الديمقراطي. غلوريا، وهي سيدة من دنفر، كانت تجلس في زاوية القاعة مع ابنتها البالغة أربع سنوات، تستمع إلى ميشيل تتحدث. قالت إنها لا تنتمي إلى أي حزب، ولم تقرر بعد لمن تريد التصويت. ولكن كلام ميشيل أثر بها. «عندما بدأت تحدثت عن أولادها وعن انها تريد أن يكبروا في عالم أفضل حيث الجميع له الحق في الطبابة والتعليم الجيد... شعرت وكأنها تتحدث بلساني» قالت غلوريا. أما بيل كلينتون الذي تحدث في الليلة الثالثة للمؤتمر، فقد انتقد هو أيضا السياسات الفاشلة لادارة بوش وحمله مسؤولية الوضع الاقتصادي السيئ في البلاد، إلا ان المقارنة التي وضعها لم تكن عن الوضع الاقتصادي في عهده، بل كانت عن الخبرة والسن. ذكر بيل انه هو نفسه، مثل اوباما، كان شابا وغير ذي خبرة في العلاقات الخارجية عندما ترشح للرئاسة، وأن الجمهوريين قالوا انه لن يكون جاهزا للقيادة. واستنتج بعد ذلك ان اوباما جاهز ليكون رئيسا وقائدا أعلى للقوات المسلحة رغم صغر سنه وقلة خبرته.

«هذه المقارنات والربط بين عهد كلينتون والحلم الاميركي الذي يريد الحزب الديمقراطي اعادة تحقيقه، مهمة وصائبة، واعتقد انها ستنجح في ايصال الرسالة، وهي ان التصويت في الانتخابات الرئاسية هو لقضية ومبادئ وليس لشخص»، قالت احدى مندوبات اوباما بعد استماعها الى خطابي كلينتون وبايدن. وقال دوايت، وهو شاب في الرابعة والعشرين من مؤيدي اوباما، تعليقا على التذكير بسنوات كلينتون والمقارنات التي تحدث عنها المتحدثون في المؤتمر: «كلينتون كان رئيسا رائعا واعتقد ان التذكير بذلك جيد... يذكرنا بعهد الديمقراطيين مقارنة بعهد الجمهوريين». قد يكون مايك، الرجل المشرد الذي يعاني من مرض تصلب الانسجة المتعدد، يتمنى عودة آل كلينتون الى البيت الابيض لاعادة الوضع الاقتصادي على ما كان عليه عندما كان في الحكم، ولكن آل كلينتون وغيرهم من المتحدثين في مؤتمر الحزب الديمقراطي في دنفر، كانت رسالتهم واحدة وبسيطة: «التصويت لاوباما هو تصويت لمبادئ الحزب الديمقراطي، ودخوله الى البيت الابيض عودة للسياسات التي اعتمدت في عهدنا».