مصرع ضابط لبناني بنيران أطلقت على مروحية في منطقة يسيطر عليها «حزب الله» .. والحزب لا يعلق

نواب استنكروا وآخرون صمتوا ودعوات إلى التريث بانتظار نتائج التحقيق

دورية للأمم المتحدة قرب مرجعيون جنوب لبنان بعد حادث الهبوط الاضطراري لطائرة الجيش (أ.ف.ب)
TT

في أول حادث من نوعه في الجنوب منذ عودة الجيش اللبناني اليه في اغسطس (آب) 2006، تعرضت امس مروحية عسكرية لإطلاق نار في أجواء منطقة إقليم التفاح الواقعة شمال الليطاني والتي تعتبر من المناطق الخاضعة لنفوذ «حزب الله»، ما أدى إلى مقتل الملازم أول الطيار سامر حنا ،26 عاما، الذي كان على متنها واصابة عسكري آخر من آل عبود.

وقد تابع رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان مع وزير الدفاع الياس المر وقائد الجيش بالانابة اللواء الركن شوقي المصري حادثة اطلاق النار على الطوافة العسكرية واطلع على مجرياتها وملابساتها ومسار التحقيقات الاولية التي فتحت فور وقوعها. ومن جهته أبدى رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة أسفه الشديد. وقال: «إنه حادث مؤلم. وقد بدأ التحقيق لمعرفة كل الملابسات»، مشددا على ضرورة عدم التسرع.

وذكرت مديرية التوجيه في قيادة الجيش في بيان أصدرته أمس أنه «أثناء قيام طوافة عسكرية تابعة للقوات الجوية اللبنانية بطلعة تدريبية في أجواء منطقة إقليم التفاح، تعرضت لاطلاق نار من عناصر مسلحة ما دفع طاقمها إلى الهبوط الاضطراري فوق تلة سجد. وقد نتج عن ذلك إصابة الطوافة واستشهاد الملازم أول الطيار سامر حنا. وقد بوشر التحقيق بالحادث».

وقد اثار الحادث تساؤلات حول هوية الجهة التي تقف وراءه. وسارع المحققون اللبنانيون الى معاينة موقع هبوط المروحية بحثا عن ادلة قد تقود الى تحديد هوية المسلحين الذين اطلقوا النار، في وقت قالت مصادر امنية لبنانية لـ «الشرق الاوسط» ان «حزب الله» الذي ينتشر بقوة في المنطقة ابدى استعداده للتعاون مع الجيش اللبناني لكشف واعتقال مطلقي النار. وعلم انه فور هبوط المروحية في تلال سجد، ضرب الجيش اللبناني طوقا حول المكان وعمل على عزل المنطقة. كما اقام حواجز ثابتة ومتنقلة في المنطقة. وتحدثت مصادر امنية عن تعرض قائد المروحية الملازم اول سامر حنا لاطلاق نار في الرأس ما ادى الى مقتله.

وعند الواحدة والنصف من بعد الظهر، اي بعد انقضاء ساعات عدة على الحادث، أقلعت المروحية، بعد اصلاح الاضرار التي لحقت بها، باتجاه بيروت. وكان سبق ذلك معلومات وروايات متضاربة حول اسباب هبوطها اضطرارا. الا ان قيادة الجيش حسمت الامر واكدت ان المروحية تعرضت لاطلاق نار من قبل مسلحين مجهولين.

وذكرت مواقع إلكترونية نقلا عن «مصادر متابعة» أن المروحية كانت مجهزة بكاميرا للتصوير وأنه سبق لـ«حزب الله» أن أبلغ الجهات المعنية بمدى حساسية المنطقة التي وقع فيها الحادث، على اعتبار أنها نقطة اتصالات رئيسية بالنسبة للمقاومة، وإن ما جرى كان إطلاق نار تحذيريا، إلا أنه أصاب المروحية ما أدى إلى مقتل الملازم حنا.

وأفاد موقع «القوات اللبنانية» الالكتروني نقلا عن مصادر امنية ان الطوافة كانت تقوم منذ اربعة ايام بطلعات تدريبية في المنطقة حيث هبطت اكثر من مرة على تلة سجد. وعندما استأنفت طلعاتها الجوية صباح امس ولدى هبوطها المعتاد على التلة، هاجمتها مجموعة مسلحة تابعة لـ «حزب الله». وذكرت ان افراد هذه المجموعة اطلقوا النار بشكل مباشر على الطوافة ومن بداخلها، ما ادى الى اصابة الملازم حنا بالرصاص في رأسه فاستشهد على الفور. وانقض بعدها مسلحو حزب الله على قائد المروحية، وهو ضابط من آل عبود، وانهالوا عليه بالضرب ملحقين به كسورا ورضوضا. واخضعوه للتحقيق لمدة ساعة قبل ان يطلقوا سراحه».

كذلك، اوضحت مصادر متقاطعة وواسعة الاطلاع لموقع «nowlebanon.com» ان اطلاق النار على مروحية الجيش اللبناني في اجواء اقليم التفاح والذي ادى الى استشهاد الملازم الطيار سامر حنا «قام به مقاومون تابعون لحزب الله متمركزون في المنطقة» وان «المقاومين وبعد ان رصدوا المروحية العسكرية المجهزة بكاميرا تصوير اطلقوا النار عليها بهدف التحذير وتوجيه رسالة قوية بضرورة الابتعاد وليس بقصد القتل الذي وقع عن طريق الخطأ». ولفتت المصادر نفسها الى ان المنطقة التي اسقطت المروحية فيها «هي منطقة حساسة جدا بالنسبة الى المقاومة. وكانت قيادة حزب الله قد شددت اكثر من مرة على اهمية هذه المنطقة التي يقع فيها تقاطع اتصالات تابعة للمقاومة فوق الارض كما تحتها» لافتة الى ان الاتصالات جارية حاليا بين قيادة «حزب الله» وقيادة الجيش اللبناني «لتطويق ذيول الحادثة ووضعها في اطارها».

وعلى صعيد ردود الفعل، استنكر نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان «هذا العمل المدان بالتعرض لمروحية الجيش اللبناني». وحذر من «ان يكون هناك مندس يعمل لحساب إسرائيل أطلق الرصاص على الطائرة». ودعا قيادة الجيش الى «القيام بالتحقيق السريع والعاجل والعادل لكشف ظروف وملابسات الحادث وإنزال العقوبة بمن نفذ وكان وراء الجريمة». كما دعا «الجميع الى التبصر والاحتكام للعقل والابتعاد عن الشطط والخروج عن القانون والنظام». واكد ان «ثقتنا بقيادة الجيش ورئيس الجمهورية جيدة جدا. لذلك نستنكر كل عمل يخل بالأمن في أي منطقة حصل. وندين الأعمال الشاذة من أي فئة كانت. وعلينا إقفال المكاتب المسلحة ونزع السلاح المنتشر. وعلينا كلبنانيين ان نكون في وعي مستمر ويقظة دائمة حتى نرفع البلاءات».

وادان النائب بطرس حرب الاعتداء على مروحية الجيش. وقال: «نستنكر الاعتداء الآثم الذي طاول مروحية الجيش اللبناني وأدى إلى استشهاد الملازم أول سامر حنا حرب وإصابة قائد المروحية، وهو ضابط من آل عبود، لاسيما أن التعرض للمروحية حصل فوق الأراضي اللبنانية، وتحديدا في شمال الليطاني، ما يطرح تساؤلات ويثير شكوكا كبيرة حول ظروف الحادث ومرتكبيه والغايات والأهداف الكامنة وراء هذا الاعتداء الشنيع على الجيش اللبناني». وطالب بـ «الإسراع في فتح التحقيق للكشف عن ملابسات الاعتداء وتحديد المسؤوليات في شكل واضح ودقيق وإنزال أشد العقوبات بحق مرتكبيه ومن وراءه، خصوصا أن المعلومات الأولية المتوافرة عن الحادث تدعو إلى القلق وتطرح الكثير من التساؤلات حول الأهداف الكامنة وراء الاعتداء على الجيش اللبناني».

واستغرب منسق الامانة العامة لقوى «14 اذار» النائب السابق فارس سعيد ان «يصبح الجيش اللبناني بموقع طالب الاذن في حال اراد القيام باي عمل على الاراضي اللبنانية». وسأل: «هل اصبح هناك مربعات جوية كما هناك مربعات ارضية ممنوع المس بها وممنوع دخولها حتى ولو كان الجيش اللبناني؟ وهل صحيح ان الاعتداء تم على مساحة قريبة من الطائرة اثناء اقلاعها وقد تم احتجاز الضباط والتحقيق معهم؟»، واضعا هذه الاسئلة «برسم الدولة اللبنانية» ومجددا دعم قوى «14 اذار» للمؤسسة العسكرية والاجهزة الامنية.

ولاحقا قال سعيد لـ «الشرق الاوسط»: «استنادا الى بيان قيادة الجيش، لم يكن ما حصل هبوطا اضطراريا، انما اطلاق نار واعتداء واضح في منطقة يسيطر عليها حزب الله. هل فعلا المعلومات المسربة بأنها كانت تحلق على علو لا يتجاوز بضعة امتار من الارض وتعرضت لإطلاق النار عن سابق تصور وتصميم؟». وأضاف: «في أحداث مار مخايل استخدم الجيش سلاحه ضد المتظاهرين، وتم توقيف ضباط وعسكريين لمحاكمتهم. اليوم نطالب بتحقيق شفاف ليكشف عن الفاعل ويساق من أطلق النار الى محكمة عسكرية». أما نائب البقاع في حركة «أمل» ناصر نصرالله، فقال: «فقط القضاء العسكري والامن العسكري وحدهما المخولان اصدار بيان واضح عما جرى. نحن نطالب قيادة الجيش بذلك منعا للتأويلات. وعلى ضوء ما يصدر عن قيادة الجيش يمكن للسياسيين اعلان مواقفهم».

وأضاف: «لنترك مجالا للجيش اللبناني ليقوم بالتحقيق اللازم ويعلن النتيجة. الموضوع مهم ولا يجوز التعامل معه من خلال سيناريو معين. على كل القوى السياسية ان تؤمن غطاء ليتمكن القضاء العسكري من انجاز التحقيق ليصار الى الكشف عن المسؤولين. اما استباق الامور بالشكل الذي حصل من قبل البعض وفي هذا الظرف الذي نعيشه في لبنان فهو يؤدي الى ارباك كبير ونتائج سلبية خطيرة». هذا، وكان لافتا امتناع عدد من النواب اللبنانيين التعليق على حادث المروحية العسكرية. ففي سلسلة اتصالات اجرتها «الشرق الاوسط» مع نواب من الموالاة والمعارضة، كان الرد واحدا «التريث والانتظار» وعدم التسرّع في الادلاء بتصريحات غير مبنية على معطيات ومعلومات مؤكدة.