116 ألف سيارة تعمل بالغاز في أميركا

الطلب عليها يفوق المعروض

جون إم هانتسمان جونيور أنفق 12 الف دولار من جيبه الخاص لتحويل سيارة الولاية الرياضية إلى استهلاك الغاز الطبيعي (نيويورك تايمز)
TT

ربما تكون افضل صفقة وقود موجودة الان في ولاية يوتا، حيث يقف الجميع في طوابير لدفع ما يوازي 87 سنتا للغالون. ويصل الطلب إلى أقصى مداه وقت الذروة إلى درجة نفاد الوقود، وفي بعض الأحيان يزود الأفراد نصف الخزان فقط بالوقود، إنهم لا يشترون البنزين لسياراتهم، ولكنه الغاز الطبيعي.

في اتجاه جديد للسياسة العامة والمبادرات الخاصة، أصبحت يوتا أول ولاية في الولايات المتحدة تشهد اهتماما استهلاكيا واسع النطاق بفكرة تزويد السيارات بالغاز الطبيعي النظيف.

يبحث سكان الولاية على الإنترنت ويسافرون عبر البلاد بحثا عن سيارات مستعملة تستهلك الغاز الطبيعي في المزادات. وينفقون الآلاف من الدولارات لتحويل شاحناتهم وسياراتهم الرياضية النفعية إلى استهلاك الغاز المضغوط. وتنشغل بعض محطات الوقود التي تبيع هذا الغاز لدرجة أنها تعاني من كثرة الطلب مما يجبر السائقين على العودة إليها قبل الفجر عندما يقل الضغط. لقد بدأ هذا التحول عندما ارتفع سعر غالون البنزين الخالي من الرصاص إلى 3.25 دولار في العام الماضي، وواصل الارتفاع الجنوني في الشهور الأخيرة.

ويبيع رون براون، أحد وكلاء سيارة Civic GX، وهي السيارة الوحيدة التي صنعتها شركة هوندا لتعمل بالغاز الطبيعي، ببيع واحدة من كل أربع سيارات من بين الـ800 سيارة التي صنعتها هوندا هذا العام، كما أن لديه في مكتبه 330 إيصالا بمبالغ مدفوعة مقدما، يمثل كل إيصال منها عميلا ينتظر لعدة أشهر من أجل الحصول على سيارة جديدة.ويقول براون «هذا جنون. يشتري الجميع هذه السيارات مني، ثم يذهبون ليبيعونها وكأنها عقارات».

يرى المؤيدون لهذه السيارات أن انتعاش مبيعات براون إشارة إلى احتمالية أن يصبح الغاز الطبيعي هو وقود وسائل المواصلات في المستقبل، ليحل محل الكثير من واردات البترول في البلاد. وبينما يظل هذا الحلم بعيدا، ترفع الزيادات الكبرى في إنتاج البلاد للغاز الطبيعي من إمكانية استخدامه على نطاق أوسع.

وهذا ما بدأ يحدث في يوتا بالفعل، حيث جذب توفير التكاليف انتباه الجماهير. كما أن سعر الغاز الطبيعي في الولاية زهيد، فينفق المستهلكون حوالي 87 سنتا في مقابل كمية من الغاز تكفي لتسيير السيارة لمسافة تقترب من تلك التي تستهلك فيها غالونا من البنزين بسعر 3.95 دولار.

وتنتشر أخبار سيارات الغاز الطبيعي عبر التقارير الإخبارية وحوارات الناس. ويحاول الكثير من سكان يوتا الحصول على سيارات مستعملة تعمل بالغاز الطبيعي إلى درجة نقصان الإمداد المحلي. وتمتلئ أماكن عرض السيارات المستعملة حتى أصبحت تبدو كأنها أماكن انتظار حكومية في المقاطعة حيث تصطف سيارات Civic GX البيضاء المتماثلة التي كانت تستخدم خارج الولاية.

وقد حاز الأمر اهتمام حاكم الولاية جون إم هانتسمان جونيور العام الماضي، حيث أنفق 12 الف دولار من جيبه الخاص لتحويل سيارة الولاية الرياضية النفعية إلى استهلاك الغاز الطبيعي. وقال هانتسمان في حوار معه «يمكننا أن نكون نموذجا يسعى الآخرون إلى اتباعه، يمكن أن تجعل كل ولاية في أميركا هذا الأمر حقيقة».

في الواقع، هناك بعض العوامل الفريدة في يوتا. تخضع أسعار الغاز الطبيعي للسيطرة وهي أقل الأسعار في أميركا، بينما يصل سعر البنزين التقليدي إلى أقصى معدل له. تفتح شركة كويستر غاز، وهي إحدى شركات المرافق العامة، محطات التزويد بالغاز المضغوط حول الولاية للجمهور، وتلك البنية التحتية للوقود يمكن لقليل من الولايات مضاهاتها.

وسواء كان ذلك بسبب عوامل خاصة أو غير ذلك، تظهر شعبية سيارات الغاز الطبيعي في يوتا قدراتها، هذا وفقا لمؤيدي هذه السيارات مثل تي بون بيكنز، وهو ملياردير من تكساس يعمل في مجال البترول ويمول حملة قومية لدعم طاقة الرياح والغاز الطبيعي لتحل محل البترول المستورد، يقول بيكنز «تظهر يوتا أن هناك تكنولوجيا وأن هذا الوقود أفضل من الوقود الأجنبي».

وجاء في دراسة أجريت في كاليفورنيا أن السيارات التي تعمل بالغاز الطبيعي تنتج غازات الدفء الحراري بنسبة تقل بـ20 في المائة في الميل عن السيارات العادية. ولا تتوافر أرقام رسمية عن أعداد سيارات الغاز الطبيعي في يوتا، ويرجع ذلك ـ إلى حد ما ـ إلى استعانة العديد من الأفراد بمرائب تركب معدات تحويل سيارات غير مرخصة من قبل وكالة حماية البيئة، وهي بذلك غير قانونية.

ولكن تقدر كويستار عدد سيارات الغاز بـ6.000 سيارة، وهو عدد يتزايد بالمئات شهريا. وهذا الرقم ضئيل بالنسبة لـ2.7 مليون سيارة مسجلة في الولاية، وهو ما يجعل من يوتا أسرع أسواق سيارات الغاز الطبيعي نموا في أميركا.

لم تكن السيارات التي تعمل بالغاز الطبيعي المضغوط متاحة باستمرار في الولايات المتحدة على مدى عقود، وكانت تستخدم كثيرا في قوافل السيارات، ولكنها لم تكن تجذب اهتمام المستهلكين. ولكن يختلف الأمر كثيرا في الخارج، فمن بين ثمانية ملايين سيارة تعمل بالغاز في العالم، يوجد حوالي 116.000 شاحنة وحافلة وسيارة قوافل فقط في الولايات المتحدة، وفقا لتقديرات وزارة الطاقة عام 2006.

وقد سمح الكونغرس باستخدام قوافل السيارات التي تعمل بوقود بديل في المصالح الحكومية وبعض شركات الطاقة في أوائل التسعينات، ولكن انخفض اهتمام العامة مع هبوط أسعار البنزين. وعلى مدى الأعوام، خفضت جميع شركات السيارات الكبرى، ما عدا هوندا، من إنتاجها لهذه السيارات في الولايات المتحدة.

ويشوب هذه السيارات عيبان أساسيان: قلة محطات الوقود ومحدودية النطاق (تسير سيارة الغاز الطبيعي النموذجية ممتلئة الخزان إلى نصف المسافة التي تسير بها سيارة البنزين). ويوتا واحدة من الولايات القليلة التي يمكن للسائق فيها أن يجد محطات الوقود في جميع أنحاء الولاية. وأصبح الوضع كالتالي: لا تريد مصانع السيارات أن تصنع سيارات تعمل بالغاز الطبيعي بينما يوجد القليل من محطات الوقود من أجلها. ويرغب عدد محدود من محطات الوقود في تركيب معدات باهظة الثمن من أجل ضغط الغاز مع وجود القليل من سيارات الغاز في الشوارع.

وتقدم مئات من المحطات الغاز المضغوط في ولايات قليلة مثل كاليفورنيا ونيويورك وأريزونا، ولكن معظمها إما مغلق أمام الجماهير أو يتكلف أقل من سعر البنزين العادي بنسبة قليلة.

وتصل أسعار الغاز الطبيعي في بعض الولايات إلى ثلاثة أضعاف السعر في يوتا. والولاية الوحيدة التي يقترب سعر الغاز المنخفض فيها من يوتا هي أوكلاهوما، وتزداد موجة شراء سيارات الغاز هناك أيضا.

ويدفع رجال صناعة الغاز الطبيعي وبعض السياسيين باتجاه فتح السوق أمام السيارات التي تعمل بالغاز في جميع أنحاء البلاد، وحتى في الولايات التي لا توجد بها محطات غاز طبيعي، قام بعض السائقين بتحويل سياراتهم بعد إنفاق عدة آلاف من الدولارات لوضع أجهزة ضغط الغاز في منازلهم.

وقد يسمح اقتراح من المنتظر التصويت عليه في كاليفورنيا هذا الخريف للولاية ببيع سندات بقيمة خمسة مليارات دولار لتمويل تخفيضات بقيمة الفين دولار وأكثر لمشتري سيارات الغاز الطبيعي. وقد عرض تشريع أمام الكونغرس بتقديم امتيازات ضريبية للمنتجين والمستهلكين، وبالسماح بإقامة مضخات للغاز في محطات خدمات محددة، بهدف وصول أعداد سيارات الغاز الطبيعي إلى 10 في المائة من السيارات في البلاد على مدى العقد المقبل.

يقول جوردون لارسن، وهو مشرف على عمليات سيارات الغاز الطبيعي في كويستار غاز «إذا كانت هذه الحوافز صحيحة، وسيتاح كل من الوقود والسيارات، فيمكن أن ينجح الغاز الطبيعي»، ولكنه قال إن أي انخفاض في أسعار البنزين سيقلل من حماس السائقين لتحويل سياراتهم.

ومع وصول سعر غالون البنزين الخالي من الرصاص إلى أقل من أربعة دولارات، يتزايد الاهتمام بالغاز في مدينة سولت ليك في الولاية.

وقد ورد عن كويستار أن حجم الغاز الطبيعي الذي يتم ضخه في 21 محطة وقود تابعة لها بلغ نسبة 240 في المائة من حجم العام الماضي، بعد أن زاد بنسبة 50 في المائة عام 2007. كما تزايد الطلب سريعا إلى درجة نفاد الوقود في العديد من محطات كويستار أثناء النهار، مما دفع بالسائقين إلى الاكتفاء بملء نصف الخزان أو الانتظار حتى انتهاء مواعيد الذروة. ويرجع السبب في الاتجاه إلى سيارات الغاز الطبيعي في يوتا إلى عدة عوامل. تملك كويستار محطات ضخ الوقود في جميع أرجاء الولاية لتزويد سياراتها منذ الثمانينات، وبفضل وجود فائض لديها، فتحت تلك المحطات أمام الجماهير. أما انخفاض أسعار الغاز الطبيعي، فبموجب لوائح الولاية، يجب على الشركة أن تقدم حوالي نصف الغاز الذي تبيعه لعملائها بسعر التكلفة الإنتاجية.

وتخطط الولاية وعدد من المجالس البلدية لفتح المزيد من محطات الوقود، وإذا استمر هذا الاتجاه، قد ينتهي الأمر بتقليل تأثير القيادة على البيئة في يوتا، والآن، يفوق الطلب على السيارات التي تعمل بالغاز المضغوط المعروض منها.

يقول ريك أوليفر، مالك لشركة تحوّل السيارات: «لقد أصيب الناس بالجنون وأصبح كل ما عليهم هو أن يشتروا فقط»، وأضاف أنه في مزاد أجري أخيرا على الإنترنت، دفع مشتري من يوتا 19.000 دولار لشراء سيارة Civic GX موديل عام 2001 قطعت 50.000 ميل، وهو الثمن الذي يمكن أن يدفعه مشتر من أجل الحصول على سيارة GX جديدة بعد خصم ضرائب الولاية والضرائب الفيدرالية.

اشترى غاري فريدريكسن، وهو فني كومبيوتر يبلغ من العمر 48 عاما، ست سيارات تعمل بالغاز الطبيعي على موقع Craigslist على مدار العام الماضي، حيث سافر إلى بورتلاند وأوكلاند للحصول عليها، لم تكلفه سيارة فورد كونتور موديل عام 1998 ـ وقد اشتراها مقابل 3,000 دولار ـ شيئا، لأنه سيحصل على 3.000 دولار ائتمانا ضريبيا من الولاية لشرائه سيارة تعمل بوقود بديل.

وقد صرح قبل زيادة السعر إلى 87 سنتا بقوله: «إنه جنون أن تكون في يوتا، ويمكنك الحصول على وقود سعر الغالون منه 85 سنتا، ولا تستفيد من ذلك».

* خدمة «نيويورك تايمز»